Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 32-37)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } . وعلم أن قوله : { أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } الشعراء : 30 ] يدل على أن الله تعالى عرفه قبل إلقاء العصا بأنها تصير ثعباناً ، فلذلك قال ما قال ، فلما ألقى موسى عصاه وصارت ثعباناً ، روي أنها لما انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل ، ثم انحطت مقبلة إلى فرعون تقول : يا موسى ، مرني بما شئت ، ويقول فرعون : ( يا موسى ) أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها ، فأخذها فعادت عصا . فإن قيل : كيف قال : " ثُعْبَانٌ مُبِينٌ " وفي آية أخرى : { فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } [ طه : 20 ] وفي آية ثالثة : { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } [ القصص : 31 ] والجانّ مائل إلى الصغر ، والثعبان إلى الكبر ؟ فالجواب : أن الحية اسم الجنس ، ثم لكبرها صارت ثعباناً ، وشبهها بالجانّ لخفتها ، وسرعتها ، فصح الكلامان . ويحتمل أنه شببها بالشيطان لقوله : { وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } [ الحجر : 27 ] . ويحتمل أنها كانت صغيرة كالجانّ ثم عظمت فصارت ثعباناً ثم إن موسى - عليه السلام - لما أراه آية العصا قال فرعون : " هل غيرها " ؟ قال : نعم ، فأراه يده ، ثم أدخلها جيبه ، ثم أخرجها { فَإِذَاْ هِيَ بَيْضَاءُ } تضيء الوادي من شدة بياضها من غير برص ، لها شعاع كشعاع الشمس . فعند هذا أراد فرعون تعمية هذه الحجة على قومه فذكر أموراً : أحدها : قال لهم : { إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } وكان زمانهم زمان السحرة ، فأوهمهم أن هذا كبير من السحرة . وثانيها : قال : { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } وهذا موجب للتنفير عنه لئلا يقبلوا قوله ، والمعنى : يفرق جمعكم بما يلقيه من العداوة بينكم ، ومفارقة الوطن أصعب الأمور ، وهذا نهاية ما يفعله المضل المنفر عن المحق . وثالثها : قوله : " فَمَاذَا تَأْمُرُونَ " أي : ما رأيكم فيه ، فأظهر لهم من نفسه أني متبع لرأيكم ، ومثل هذا يوجب جذب القلوب ، وانصرافها عن العدو قوله : " حَوْلَهُ " حال من " المَلأ " ، ومفعول القول قوله : { إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } وقيل : صلة " لِلْملأ " ، فإنه بمعنى " الَّذِي " . وقيل : الموصول محذوف . وهما قولان للكوفيين . قال الزمخشري : " فإِننْ قٌلْتَ : قوله تعالى : ( للْمَلأ حَوْلَهُ ) فما العامل في ( حَوْلَه ) ؟ . قلت : هو منصوب نصبين : نصب في اللفظ ، ونصب في المحل . فالعامل في النصب اللفظي ما تقدم في الظرف ، والعامل في النصب المحلي هو النصب على الحال " . قوله : " أَرْجِهْ وَأَخَاهُ " . لما قال لهم فرعون تلك الكلمات اتفقوا على جواب واحد ، وهو قولهم : " أَرْجِهْ " قرىء : " أَرْجِهْ وَأَرْجِئْهُ وأَرْجِهِ " ( بالهمز والتخفيف ، وهما لغتان ، يقال : أرجأته وأرجيته ) إذا أخرته . والمعنى : أخره ومناظرته لوقت اجتماع السحرة . وقيل : " احبسه " { وَٱبْعَثْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ } أشاروا عليه بإنفاذ حاشرين يجمعون السحرة ، ظنّاً منهم بأنهم إذا كثروا غلبوه وكشفوا حاله . وعارضوا قوله : { إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } بقولهم : { بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ } فجاءوا بكلمة الإحاطة ، وبصيغة المبالغة ليطيِّبوا قلبه .