Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 43-48)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ } . اعلم أنهم لما اجتمعوا كان لا بد من ابتداء موسى أو ابتدائهم ، ثم إنهم تواضعوا فقدّموه على أنفسهم ، وقالوا له : { إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } [ الأعراف : 115 ] فلما تواضعوا له تواضع هو أيضاً لهم فقدمهم على نفسه ، وقال : { أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مَّلْقُونَ } . فإن قيل : كيف جاز لموسى - عليه السلام - أن يأمر السحرة بإلقاء الحبال والعصيّ ، وذلك سحر وتلبيس وكفر ، والأمر بمثله لا يجوز ؟ فالجواب : ليس ذلك بأمر ، لأن مراد موسى - عليه السلام - منهم أن يؤمنوا به ، ولا يقدموا على ما يجري مجرى المقاتلة ، وإذا ثبت ذلك وجب تأويل صيغة الأمر ، وفيه وجوه : أحدها : أن ذلك الأمر كان مشورطاً ، والتقدير : ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين ، كقوله : { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } [ البقرة : 23 ] أي : إن كنتم قادرين . وثانيها : لما تعين ذلك طريقاً إلى كشف الشبهة صار جائزاً . وثالثها : أَنَّ هذا ليس بأمر ، بل هو تهديد ، أي : إن فعلتم ذلك أتينا بما يبطله ، كقول القائل : " لئن رميتني لأفعلن ولأصنعن " ثم يفوق له السهم فيقول له : " ارم " فيكون ذلك منه تهديداً . ورابعها : أنهم لما تواضعوا ( له ) وقدموه على أنفسهم فقدمهم على نفسه رجاء أن يصير تواضعه سبباً لقبول الحق ، ولقد حصل ببركة ذلك التواضع ذلك المطلوب . قوله : { فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ } . روي عن ابن عباس قال : كانت مطلية بالزئبق ، والعصي مجوفة مملوءة من الزئبق ، فلما حميت اشتدت حركتها ، فصارت كأنها حيات تدب من كل جانب من الأرض . قوله : " بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ " . يجوز أن يكون قَسَماً ، وجوابه : { إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ } ويجوز أن يتعلق بـ " الغَالِبُونَ " لأن ما في حيز " إِنَّ " لا يتقدم عليها . قوله : { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } تقدم خلاف القراء في " تَلْقَفُ " وقال ابن عطية هنا : وقرأ البَزِّيُّ وابنُ فُلَيح بشدِّ التَّاء وفتح اللام وشدِّ القاف ويلزم على هذه القراءة إذا ابتدأ أن يَجْلِبَ همزة الوصل ، وهمزة الوصل لا تدخل على الأفعال المضارعة ، كما لا تدخل على أسماء الفاعلين . قال أبو حيان كأنه يُخَيَّلُ إليه أنه لا يمكن الابتداء بالكلمة إلا باجتلاب همزة الوصل ، [ وهذا ليس بلازم ( و ) كثيراً ما يكون الوصل ] مخالفاً للوقف ، والوقف مخالفاً للوصل ، ومن له تَمَرُّن في القراءات عرف ذلك . قال شهاب الدين : يريد قوله : { فَإِذَا هِيَ تَلَقَّفُ } فإن البَزِّيّ يشدد التاء ، إذ الأصل : " تَتَلَقَّفُ " بتاءين ، فأدغم ، فإذا وقف على " هِيَ " وابتدأ " تَتَلَقَّفُ " فحقه أن يَفُكَّ ولا يدغم لئلا يُبْتَدأ بساكن وهو غير ممكن ، وقول ابن عطية : " ويلزم على هذه القراءة . … إلى آخره " تضعيف للقراءة لما ذكره هو من أن همزة الوصل لا تدخل على الفعل المضارع ، ولا يمكن الابتداء بساكن ، فمن ثَمَّ ضُعِّفَتْ . وجواب الشيخ بمنع الملازمة حسن إلا أنه كان ينبغي أن يبدل لفظة الوقف بالابتداء لأنه هو الذي وقع الكلام فيه ، أعني : الابتداء بكلمة [ " تَلَقَّفُ " ] . قوله : " فَأُلْقِيَ " قال الزمخشري : " فإن قلت : فاعل الإلقاء ما هو لو صرِّح به ؟ قلت هو الله - عز وجل - ، ثم قال : ولك ألاَّ تقدِّر فاعلاً ، لأن " أَلْقَوْا " بمعنى : خَرُّوا وسقطوا " . قال أبو حيان : وهذا ليس بشيء ؛ لأنه لا يبنى الفعل للمفعول إلاّ وله فاعل ينوب المفعول به عنه ، أما أنه لا يقدر له فاعل فقول ذاهبٌ عن الصواب . فصل تقدم الكلام على نظير هذه الآية ، واعلم أن السحرة لما شاهدوا أمراً خارجاً عن حدّ السحر لما يتمالكوا أن رموا بأنفسهم إلى الأرض ساجدين و { قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . قوله : { رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } . عطف بيان لـ " رَبِّ العَالَمِينَ " لأن فرعون كان يدعي الربوبية فأرادوا عزله . ومعنى إضافته إليهما في ذلك المقام : أنه الذي دعا موسى وهارون - عليهما السلام - إليه .