Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 63-68)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : [ { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } . لما قال موسى : { إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] بين تعالى كيف هداه ونجّاه وأهلك أعداءه ، فقال ] : { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ } ولا بد قبله من جملة محذوفة ، أي : فضرب فانفلق . وزعم ابن عصفور ان المحذوف إنما هو : " ضرب " وفاء : " انفلق " . وأن الفاء الموجودة هي فاء " فَضَرَبَ " فأبقى من كل فعل ما يدلّ على المحذوف ، أبقى الفاء من " فَضَرَبَ " ليدلّ على " ضَرَبَ " وأبقى " انْفَلَقَ " ليدل على الفاء المتصلة به . قوله : { فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ } اختلف القراء في ترقيق راء " فرق " فروي عن ورش الترقيق لأجل القاف . وقرىء : " فِلْق " بلام بدل الراء ، لموافقة " فانفلق " والطود : الجبل العظيم المتطاول في السماء . فصل قال ابن جريج : لما انتهى موسى إلى البحر هاجت الريح والبحر يرمي بموج كالجبال قال يوشع : يا مكلم الله ، أين أمرت ؟ فقد غشينا فرعون والبحر أمامنا ، فقال موسى : ها هنا . فخاض يوشع الماء وجاز البحر ما يواري حافر دابته الماء ، وقال الذي يكتم إيمانه : يا مكلم الله ، أين أمرت ؟ قال : هاهنا . فكبح فرسه بلجامه حتى طار الزبد من شدقيه ، ثم أقحمه البحر فارتسب في الماء ، وصنع القوم مثل ذلك ، فلم يقدروا ، فجعل موسى لا يدري كيف يصنع ، فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه فانفلق ، فإذا الرجل واقف على فرسه لا يبتلّ سرجه ولا لبده ، وهذا معجز عظيم من وجوه : أحدها : أن تفرق ذلك الماء معجز . وثانيها : ثبت في الخبر أنه تعالى أرسل على فرعون وقومه من الرياح والظلمة ما حيرهم ، فاحتبسوا القدر الذي يتكامل معه عدد بني إسرائيل ، وهذا معجز ثالث . ورابعها : أن جعل الله في تلك الجدران المائية كوى ينظر بعضهم إلى بعض ، وهذا معجز رابع . وخامسها : أن بقّى الله تعالى تلك المسالك حتى قرب آل فرعون فطمعوا أن يتخلّصوا من البحر كما تخلّص موسى - عليه السلام - فهو معجز خامس . قوله : " وَأَزْلَفْنَا " أي : قربنا من النجاة ، و " ثَمَّ " ظرف مكان بعيد ، و " الآخرِينَ " هم موسى وأصحابه . وقرأ الحسن وأبو حيوة : " وَزَلَفْنَا " ثلاثياً . وقال أبو عبيدة : أَزْلَفْنَا : جمعنا ، ومنه : ليلة المزدلفة ، أي : ليلة الجمع . وفي القصة أن جبريل كان بين بني إسرائيل وقوم فرعون ، وكان يسوق بني إسرائيل ويقول : ليلحق آخركم بأولكم ، ويستقبل القبط ، ويقول : رويدكم لكي يلحق آخركم . وقرأ أبيّ وابن عباس وعبد الله بن الحارث بالقاف ، أي : أزللنا ، والمراد بـ " الآخرين " جعله لبني إسرائيل يبساً فيزلقهم فيه . قوله : { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } . والمعنى : أنه تعالى جعل البحر يبساً في حق موسى ، حتى خرجوا عنه ، وأغرق فرعون ومن معه ، لأنه لما تكامل دخولهم في البحر انطبق الماء عليهم فغرقوا . قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } أي : إن في الذي حدث في البحر آية عجيبة من الآيات العظام الدالة على قدرة الله تعالى ؛ لأن أحداً من البشر لا يقدر عليه وعلى حكمته ، وكون وقوعه مصلحة في الدين والدنيا ، وعلى صدق موسى لكونه معجزة له ، وعلى التحذير عن مخالفة أمر الله ورسوله ، وفيه تسلية للنبي - عليه السلام - لأنه قد يغتم بتكذيب قومه مع ظهور المعجزات عليه ، فنبهه الله تعالى بهذا الذكر على أن له أسوة بموسى وغيره . ثم قال : { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } أي : من أهل مصر . قيل : لم يكن من أهل مصر إلا آسية امرأة فرعون وحزقيل المؤمن ، ومريم بنت ناموشا التي دلت على عظام يوسف - ( عليه السلام ) - " وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ العَزِيزُ " في الانتقام من أعدائه " الرَّحيمُ " بعباده ، لأنه تعالى أفاض عليهم أصناف نعمه ، وكان قادراً على أن يهلكهم ، فدل على كمال رحمته وسعة جوده وفضله .