Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 69-77)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ … } الآيات . اعلم أنه تعالى ذكر في أول السورة شدة حزن محمد - عليه السلام - ثم ذكر قصة موسى ليعرِّف محمداً أن مثل تلك المحنة كانت حاصلة لموسى ، ثم ذكر عقيبها قصة إبراهيم ليعرف محمد أن حزن إبراهيم بهذا السبب كان أشد من حزنه . قوله : " إذْ قَالَ " العامل في " إِذْ " " نَبَأَ " أو " اتْلُ " قاله الحوفي وهذا لا يتأتى إلا على كون " إذْ " مفعولاً به . وقيل : " إذ " بدل من " نبأ " بدا اشتمال ، وهو يؤول إلى أن العامل فيه " اتْلُ " بالتأويل المذكور . قوله : " وَقَوْمِهِ " الهاء تعود على إبراهيم ، لأنه المحدث عنه . وقيل : تعود على " أَبِيهِ " لأن أقرب مذكور ، أي : قال لأبيه وقوم أبيه ، ويؤيده : { إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ } [ الأنعام : 74 ] حيث أضاف القوم إليه . قوله " مَا تَعْبُدُونَ " أي : أيّ شيء تعبدون ؟ وهو يعلم أنهم عبدة الأصنام ، ولكنه سألهم ليريهم أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة ، كما تقول ( لتاجر الرقيق ) : ما مالك ؟ وأنت تعلم أن ماله الرقيق ، ثم تقول : الرقيق جمال وليس بمال . قوله : { نَعْبُدُ أَصْنَاماً } أتوا في الجواب بالتصريح بالفعل ليعطفوا عليه قولهم : " فَنَظَلُّ " افتخاراً بذلك ، وإلاَّ فكان قولهم : " نَعْبُدُ أَصْنَاماً " كافياً كقوله تعالى : " قُلِ العَفْوَ " ، " قَالُوا خَيْراً " . قوله : { فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } . العكوف : الإقامة على الشيء . قال بعض العلماء : إنما قالوا : ( فَنَظَلُّ ) لأنهم يعبدونها بالنهار دون الليل ، يقال : ظل يفعل كذا : إذا فعل بالنهار . فقال إبراهيم - عليه السلام - منبهاً على فساد مذهبهم : " هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ " لا بد من محذوف ، أي : يسمعون دعاءكم ، أو يسمعونكم تدعون ، فعلى الأول هي متعدية لواحد اتفاقاً . وعلى الثاني هي متعدية لاثنين قامت الجملة المقدرة مقام الثاني ، وهو قول الفارسي . وعند غيره : الجملة المقدرة حال . وتقدم تحقيق القولين . وقرأ قتادة ويحيى بن يعمر بضم الياء وكسر الميم ، والمفعول الثاني : محذوف ، أي : يسمعونكم الجواب . قوله : " إذْ تَدْعُونَ " منصوب بما قبله ، فما قبله وما بعده ماضيان معنى وإن كانا مستقبلين لفظاً لعمل الأول في " إذْ " ولعمل " إذْ " في الثاني . وقال بعضهم : " إذ " هنا بمعنى : " إذا " وقال الزمخشري : إنه على حكاية الحال الماضية ، ومعناه : استحضروا الأحوال التي كنتم تدعونها فيها ، هل سمعوكم إذا سمعوا ؟ وهو أبلغ في التبكيت ، وقد تقدم أنه قرىء بإدغام ذال " إذْ " وأظهارها في التاء . وقال ابن عطية : ويجوز فيه قياس " مذكر " ونحوه ، ولم يقرأ به أحد ، والقياس أن يكون اللفظ به " إدَّدْعون " والذي منع من هذا اللفظ اتصال الدال الأصلية في الفعل فكثرت المتماثلات ، يعني : فيكون اللفظ بدال مشددة مهملة ، ثم بدال ساكنة مهملة أيضاً . قال أبو حيان : وهذا لا يجوز ، لأن هذا الإبدال إنما هو في تاء الافتعال بعد الدال والذال والزاي نحو : ادَّهَن ، واذّكر ، وازْدَجَر ، وبعد جيم شذوذاً نحو : " اجْدَمعوا " في " اجتمعوا " ، وفي تاء الضمير بعد الدال والزاي نحو : " فُزْدَ في فُزْتَ " و " جَلَدُّ في جَلَدْتُ " أو تاء " تَوْلَج " قالوا فيها : " دَوْلَج " وتاء المضارعة ، ليس شيئاً مما ذكر وقوله : " والذي منع … إلى آخره " يقتضي جوازه لو لم يوجد ما ذكر ، فعلى مقتضى قوله يجوز أن تقول في " إذْ تَخْرُج " : " إذَّ خْرُج " ولا يقول ذلك أحد ، بل يقولون : اتّخرج فيدغمون الذال في التاء . فصل تقرير هذه الحجة التي ذكرها إبراهيم - عليه السلام - أن من عبد غيره لا بد أن يلتجىء إليه في المسألة ليعرف مراده أو يسمع دعاءه ، ثم يستجيب له في بذل منفعة أو دفع مضرة ، فقال لهم : إذا كان الذي تعبدونه لا يسمع دعاءكم حتى يعرف مقصودكم ، ولو عرف ذلك لما صح أن يبذل النفع أو يدفع الضرر ، فكيف تعبدون ما هذا صفته ؟ فعند هذه الحجة الباهرة لم يجدوا ما يدفعون به حجته إلا التقليد ، فقالوا : { وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } . وهذا من أقوى الدلائل على فساد التقليد ووجوب التمسك بالاستدلال ، إذ لو قلبنا الأمر فمدحنا التقليد وذممنا الاستدلال لكان ذلك مدحاً لطريقة الكفار التي ذمها الله ، وذماً لطريقة إبراهيم التي مدحها الله . قوله : " كَذَلِكَ " منصوب بـ " يَفْعَلُونَ " أي : يفعلون مثل فعلنا ، و " يَفْعَلُون " في محل نصب مفعولاً ثانياً لـ " وَجَدْنَا " . قوله : { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ } . أراد به أن الباطل لا يتغير بأن يكون قديماً أو حديثاً ، ولا بأن يكون في فاعليه كثرة أو قلة . قوله : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ } اللغة الغالبة إفراد " عَدُوّ " وتذكيره ، قال تعالى : { هُمُ ٱلْعَدُوُّ } [ المنافقون : 4 ] وإنما فعل به ذلك تشبيهاً بالمصادر نحو : " الوَلُوعُ ، والقَبُول " وقد يقال : أعداءٌ ، وعَدُوَّةٌ ، وقوله : " عَدُوٌّ لي " على أصله من غير تقدير مضاف ولا قلب ، لأن العدو والصديق يجيئان في معنى الوحدة والكثرة ، قال الشاعر : @ 3910 - وَقَـوْمٌ عَلَـى ذَوِي مِئْـرَةٍ أَرَاهُـمْ عَـدُوّاً وَكَانُـوا صَدِيقَـا @@ وتقدم الكلام في نظيره عند قوله : " إنَّا رَسُولُ " . وقيل : المعنى : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ } لو عبدتهم يوم القيامة ، كقوله : { سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [ مريم : 82 ] . ( وقيل : الأصنام لا تُعادى لأنها جماد ، والتقدير : فإن عبادهم عدو لي ) . وقيل : بل في الكلام قلب تقديره : فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لهم وهذان مرجوحان لاستقامة الكلام بدونهما ، فإن قيل : لم قال : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ } ولم يقل فإنها عدو لكم ؟ فالجواب : أنه - عليه السلام - صور المسألة في نفسه ، بمعنى أني فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو فاجتنبتها ، وأراهم أنها نصيحة نصح بها نفسه ، فإذا تفكروا وقالوا : ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه فيكون أدعى إلى القبول . قوله : { إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } فيه وجهان : أحدهما : أنه منقطع ، أي : لكن رب العالمين ليس بعدوٍّ لي . وقال الجرجاني : فيه تقديم وتأخير ، أي : أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا ربّ العالمين فإنهم عدو لي ، و " إلاَّ " بمعنى " دُونَ ، وسِوَى " . والثاني : أنه متصل ، وهو قول الزجاج ، لأنهم كانوا يعبدون الله والأصنام ، فقال إبراهيم : كل من تبعدون أعداء لي إلا رب العالمين . وقال الحسن بن الفضل : معناه : إلا من عبد رب العالمين . وقيل : معناه : فإنهم غير معبود لي إلا رب العالمين . ثم وصف معبوده ، وهو قوله : " الذَّي خَلَقَنِي " يجوز فيه أوجه : النصب على النعت لـ " رَبّ العَالَمِينَ " ، أو البدل ، أو عطف البيان ، أو على إضمار " أعني " . والرفع على خبر مبتدأ مضمر ، أي : هو الذي خلقني ، أو على الابتداء . و " فَهُوَ يَهْدِين " جملة اسمية في محل رفع خبراً له . قال الحوفي : ودخلت الفاء لما تضمنه المبتدأ من معنى الشرط . وهذا مردود . لأن الموصول معيَّنٌ ليس عاماً ، ولأن الصلة لا يمكن فيها التجدد ، فلم يشبه الشرط وتابع أبو البقاء الحوفيَّ ، ولكنه لم يتعرض للفاء ، فإن عنى ما عناه الحوفي فقد تقدم ما فيه ، وإن لم يعفه فيكون تابعاً للأخفش في تجويزه زياة الفاء في الخبر مطلقا نحو : " زيدٌ فاضربه " وقد تقدم تجويزه .