Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 83-89)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } . لما حكى عن إبراهيم عليه السلام - ثناءه على الله - ذكر بعد ذلك دعاءه ومسألته ، وذلك تنبيه على أن تقديم الثناء على الدعاء من المهمات . فإن قيل : لِمَ لَمْ يقتصر إبراهيم على الثناء ولا سيما يروى عنه أنه قال : حسبي من سؤالي علمه بحالي ؟ فالجواب : أنه عليه السلام إنما ذكر ذلك حين اشتغاله بدعوة الخلق إلى الحق لأنه قال : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 77 ] ثم ذكر الثناء ، ثم ذكر الدعاء لأن الشارع لا بد له من تعليم الشرع ، فأما حين ( ما ) خلا بنفسه ولم يكن غرضه تعلم الشرع اقتصر على قوله : " حسبي من سؤالي علمه بحالي " واعلم أن قوله : { رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } أجابه الله تعالى بقوله { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ البقرة : 130 ] . والمراد بـ " الحكم " : إدراك الحق والعلم ، لأن النبوة كانت حاصلة له ، وتحصيل الحاصل محال ، وهذا قول مقاتل . وقال ابن عباس : معرفة حدود الله وأحكامه . وقال الكلبي : النبوّة " وَأَلْحِقْنِي بالصَّالِحِينَ " من قبلي من النبيين في المنزلة والدرجة . قوله : { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } . أي : ثناء حسناً ، وذكراً جميلاً ، وقبولاً عاماً في الأمم التي تجيء بعدي . قال ابن عباس : أعطاه الله بقوله : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } [ الصافات : 108 ] فأهل الأديان يتولونه ويثنون عليه . قال القتيبي : وضع اللسان موضع القول على الاستعارة ، لأن القول يكون به . وقيل : المراد منه : أن يجعل في ذريته في آخر الزمان من يكون داعياً إلى الله تعالى وذلك هو محمد - عليه السلام - فالمراد من قوله : { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } بعثه محمد - صلى الله عليه وسلم - . قوله : { وَٱجْعَلْنِي ( مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } ) " مِنْ وَرَثَةِ " إما أن يكون مفعولاً ثانياً ، أي : مستقراً أو كائناً من ورثة . وإما أن يكون صفة لمحذوف هو المفعول الثاني ، أي : وارثاً من ورثة . واعلم أنه لما طلب سعادة الدنيا طلب بعدها سعادة الآخرة ، وهي جنة النعيم ، وشبهها بما يورث لأنه الذي يغتنم في الدنيا ، فشبه غنيمة الآخرة بغنيمة الدنيا . قوله : { وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ } . لما فرغ من طلب السعادت الدنيوية والأخروية لنفسه طلبها لأشد الناس التصاقاً به ، وهو أبوه ، وفيه وجهان : الأول : أن المغفرة مشروط بالإسلام ، وطلب المشروط متضمن لطلب الشرط ، فقوله " واغْفِر لأَبِي " كأنه دعاء له بالإسلام . الثاني : أن أباه وعده بالإسلام لقوله : { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ } [ التوبة : 114 ] فدعا له قبل أن يتبين له ( أنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّه ) ، كما سبق في سورة التوبة . وقيل : إن أباه قال له : إنه على دينه باطناً وعلى دين نمروذ ظاهراً تقيَّة وخوفاً ، فدعا له لاعتقاده أن الأمر كذلك ، فلما تبين له خلاف ذلك تبرأ منه ولذلك قال في دعائه : { إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ } فلولا اعتقاده فيه أنه في الحال ليس بضال لما قال ذلك . قوله : { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } . ( قال الزمخشري ) : الإخزاء من الخزي ، وهو الهوان ، ومن الخزاية ، وهي الحياء . وهذه الآية تدل على أنه لا يجب على الله شيء كما تقدم في قوله : { وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ } . فإن قيل : لما قال أولاً : { وَٱجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } كان كافياً عن قوله : { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } . وأيضاً فقد قال الله تعالى : { إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ النحل : 27 ] فما كان نصيب الكفار فقط كيف يخافه المعصوم ؟ فالجواب : أن حسنات الأبرار سيئات المقربين ، فكذا درجات الأبرار خزي المقربين ، وخزي كل واحد بما يليق به . قال الزمخشري : في ( يبعثون ) ضمير العباد لأنه معلوم ، أو ضمير الضالين . قوله : { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ … } الآية . { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ } بدل من " يوم " قبله وجعل ابن عطية هذا من كلام الله تعالى إلى آخر الآيات مع إعرابه { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ } بدلا من { يَوْمَ يُبَعَثُون } . وردّه أبو حيان بأن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه آو آخر مثله مقدر . وعلى كلا هذين القولين لا يصح لاختلاف المتكلمين . واعلم أن الله تعالى قد أكرمه بهذا الوصف حيث قال : { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الصافات : 83 - 84 ] . قوله : { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ } فيه أوجه : أحدها : أنه منقطع ، أي { مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } فإنه ينفعه ذلك . وقال الزمخشري : ولا بد مع ذلك من تقدير المضاف ، وهو الحال المراد بها سلامة القلب ، وليست من جنس المال والبنين حتى يؤول المعنى إلى أن البنين والمال لا ينفعان ، وإنما ينفع سلامة القلب ، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى . قال أبو حيان : ولا ضرورة تدعو إلى حذف المضاف كما ذكر . قال شهاب الدين : إنما قدر المضاف ليتوهم دخول المستثنى في المستثنى منه لأنه متى لم يتوهم ذلك لم يقع الاستثناء ، ولهذا منعوا : صَهَلَتِ الخَيْلُ إلاَّ الإِبِلَ . إلاَّ بتأويل . الثاني : أنه مفعول به لقوله : " لاَ يَنْفَعُ " أي : لا ينفع المال والبنون إلا هذا الشخص فإنه ينفعه ماله المصروف في وجوه البِرِّ وبنوه الصلحاء ، لأنه علَّمهم وأحسن إليهم . الثالث : أنه بدل من المفعول المحذوف ، أو مستثنى منه ، ( إذ التقدير : لا ينفع مال ولا بنون أحداً من الناس إلا من كانت هذه صفته ، والمستثنى منه ) يحذف كقوله @ 3912 - وَلَـمْ يَنْـجُ إِلاَّ جَفْـنُ سَيْـفٍ وَمِئْـزَرا @@ أي : ولم ينج بشيء . الرابع : أنه بدل من فاعل " يَنْفَعُ " فيكون مرفوعاً . قال أبو البقاء : وغلب من يعقل فيكون التقدير : إلاّ مالُ من ، أو بنون من فإنه ينفع نفسه وغيره بالشفاعة . قال شهاب الدين : وأبو البقاء خلط وجهاً بوجه ، وذلك أنه إذا أردنا أن نجعله بدلاً من فاعل " يَنْفَعُ " قلنا : فيه طريقتان : إحداهما : طريقة التغليب ، أي : غلَّبنا البنين على المال ، فاستثنى من البنين فكأنه قيل : لا ينفع البنون إلا من أتى من البنين بقلب سليم فإنه ينفع نفسه بصلاحه وغيره بالشفاعة . والطريقة الثانية : أن نقدر مضافاً محذوفاً قيل " من " أي : إلاّ مال من ، أو بنو من ، فصارت الأوجه خمسة . ووجه الزمخشري اتصال الاستثناء بوجهين : أحدهما : إلا حالة { مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } وهو من قوله : @ 3913 - تَحِيَّـةُ بَيْنِهِـمْ ضَـرْبٌ وَجِيـعُ @@ وما ثوابه إلا السيف ، ومثاله أن يقال : هل لزيدٍ مالٌ وبنون ؟ فيقال : مالُه وبنُوه سلامة قلبِهِ ، يريد نَفْيَ المالِ والبنين عنه ، وإثبات سلامة قلبه بدلاً عن ذلك . والثاني : قال : وإن شئت حملت الكلام على المعنى وجعلت المال والبنين في معنى الغنى ، كأنه قيل : يوم لا ينفع غنى إلا من أتى الله ، لأن غنى الرجل في دينه بسلامه قلبه ، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه . فصل وفي " السليم " ثلاثة أوجه : قال ابن الخطيب : أصحها : أن المراد منه سلامه النفس عن الجهل والأخلاق الرذيلة . وقيل : السليم : الخالص من الشرك والشك ، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد ، وهذا قول أكثر المفسرين . وقال سعيد بن المسيب : القلب السليم هو الصحيح ، وهو قلب المؤمن ، لأن قلب الكافر والمنافق مريض ، قال الله تعالى : { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } [ البقرة : 10 ] . وقيل : السليم : هو اللديغ من خشية الله . وقيل : السليم : هو الذي سَلَّم وأَسْلَم وسَالَم واسْتَسْلَم .