Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 10-14)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَأَلْقِ } عطف على ما قبله من الجملة الاسمية الخبرية ، وقد تقدم أن سيبويه لا يشترط تناسب الجمل ، وأنه يجيز : جاء زيدٌ ومن أبوك ، وتقدمت أدلته أول البقرة . وقال الزمخشري : فإن قلت : علام عطف قوله : " وَأَلْقِ عَصَاكَ " ؟ قلت : على قوله : " بُورِكَ " لأن معنى : نودي أن بورك ، وقيل له : ألق عصاك ، والدليل على ذلك قوله : " وأن ألق عصاك " ، بعد قوله : أن يا موسى إني أنا الله على تكرير حرف التفسير ، كما يقول : كتبت إليه أن حجَّ واعتمر ، وإن شئت ، أن حجَّ وأن اعتمر . قال أبو حيان : وقوله إنه معطوف على " بُورِكَ " مُنَافٍ لتقديره ، وقيل له : ألق عصاك ، لأن هذه جملة معطوفة على " بُورِكَ " وليس جزؤها الذي هو معمول ، وقيل : معطوفاً على " بُورِكَ " ، وإنما احتاج إلى تقدير : وقيل له : ألق ، ليكون جملة خبرية مناسبة للجملة الخبرية التي عطفت عليها ، كأنه يرى في العطف تناسب الجمل المتعاطفة . والصحيح أنه لا يشترط ذلك ، ثم ذكر مذهب سيبويه . { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ } ، وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها ، سميت جانّاً ، لأنها تستر عن الناس . وقرأ الحسن ، والزهري ، وعمرو بن عبيد " جَأنٌّ " بهمزة مكان الألف ، وقد تقدم تقرير هذا عند { وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } [ الفاتحة : 7 ] على لغة من يهرب من التقاء الساكنين ، فيقول شأبَّة ودأبَّة . " وَلَّى مُدْبِراً " هرب من الخوف ، و " وَلَمْ يُعَقِّبْ " : لم يرجع ، يقال : عقب فلان : إذا رجع ، وكل راجع معقب . وقال قتادة : ولم يلتفت ، فقال الله : { يَٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } ، يريد : إذا أمَّنتهم لا يخافون ، وقيل : المراد إذا أمرتهم بإظهار معجز أن لا يخافوا فيما يتعلق بإظهار ذلك ، وإلا فالمرسل قد يخاف لا محالة ، لأن الخوف الذي هو شرط الإيمان لا يفارقهم ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أنا أخشاكم لله " . قوله : " تَهْتَزُّ " جملة حالية من ( هاء ) " رآها " ، لأن الرؤية بصريَّة ، وقوله : " كَأنَّهَا جَانٌّ " : يجوز أن تكون حالاً ثانية ، وأن تكون حالاً من ضمير " تَهْتَزُّ " ، فيكون حالاً متداخلة ، وقوله : " وَلَمْ يُعَقّبْ " يجوز أن يكون عطفاً على " وَلَّى " ، وأن يكون حالاً أخرى ، والمعنى : ولم يرجع على عقبه ، كقوله : @ 3933 - فَمَا عَقَّبُـوا إذْ قِيـلَ هَـلْ مِـنْ مُعَقِّـب وَلاَ نَـزلُـوا يَـومَ الكَرِيهَـةِ مَنْـزِلا @@ قوله : { إَلاَّ مَن ظَلَمَ } فيه وجهان : أحدهما : أنَّه استثناء منقطع ، لأنَّ المرسلين معصومون من المعاصي ، وهذا هو الظاهر الصحيح ، والمعنى : لكن من ظلم من سائر الناس ، فإنه يخاف فإن تاب وبدل حسناً بعد سوء فإنِّي غفورٌ رحيمٌ . والثاني : أنَّه متصلٌ ، وللمفسرين فيه عبارات ، قال الحسن : إنَّ موسى ظلم بقتل القبطي ، ثم تاب فقال : { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي } [ القصص : 22 ] . وقال ابن جريح : قال الله لموسى : أخفتك لقتلك النفس ، وقال : معنى الآية : لا يخيف الله الأنبياء إلاّ بذنب يصيبه أحدهم ، فإن أصابه أخافه حتى يتوب . وقيل : محمول على ما يصدر من الأنبياء من ترك الأفضل . وقال بعض النحويين : " إلا " هاهنا بمعنى ولا ، يعني : لا يخاف لديّ المرسلون ولا المذنبون التائبون ، كقوله تعالى : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [ البقرة : 150 ] . يعني ولا الذين ظلموا . وعن الفراء أنه متصل ، لكن من جملة محذوفة تقديره : وإنما يخاف غيرهم إلاَّ من ظلم . وردَّه النحاس : بأنه لو جاز هذا لجاز : لا أضربُ القوم إلاَّ زيداً أي : وإنما أضرب غيرهم إلا زيداً ، وهذا ضد البيان والمجيء بما لا يعرف معناه . وقدره الزمخشري بـ " لكن " ، وهي علامة على أنه منقطع - وذكر كلاماً طويلاً - فعلى الانقطاع يكون منصوباً فقط على لغة الحجاز ، وعلى لغة تميم يجوز فيه النصب والرفع على البدل من الفاعل قبله ، وأما على الاتصال : فيجوز فيه الوجهان على اللغتين ، ويكون الاختيار البدل ، لأن الكلام غير موجب . وقرأ أبو جعفر وزيد بن أسلم " أَلاَ " بفتح الهمزة وتخفيف اللام - جعلاها حرف تنبيه - و " مَنْ " شرطية ، وجوابها : " فَإِنِّي غَفُورٌ " والعامة على تنوين " حُسْناً " ، ومحمد بن عيسى الأصبهاني غير منوّن ، جعله فعلى مصدراً كرجعى ، فمنعها الصَّرف لألف التأنيث ، وابن مقسم بضم الحاء والسين منوناً ، ومجاهد وأبو حيوة ورويت عن أبي عمرو بفتحهما ، وتقدم تحقيق القراءتين في البقرة . قوله : " تَخْرُجْ " الظاهر أنه جواب لقوله " أَدْخِلْ " أي : إن أدْخلْتها تَخْرُجُ على هذه الصفة ، وقيل : في الكلام حذفٌ تقديره : وادْخِلْ يَدَكَ تَدْخُل ، وأخرجها تخرج ، فحذف من الثاني ما أثبته في الأول ، ومن الأول ما أثبته في الثاني ، وهذا تقدير ما لا حاجة إليه . قوله : " بَيْضَاء " حال من فاعل " تَخْرُجْ " ، و " مِنْ غَيْرِ سُوءٍ " يجوز أن يكون حالاً أخرى أو من الضمير في " بَيْضَاءَ " ، أو صفة لـ " بَيْضَاءَ " والمراد بالجيب : جيب القميص ، قال المفسرون كانت عليه مدرعة من صوف لا كم لها ولا إزار ، فأدخل يده في جيبه وأخرجها ، فإذا هي تبرق مثل البرق . قوله : " في تِسْعِ " فيه أوجه : أحدها : أنه حال ثالثة ، قاله أبو البقاء يعني من فاعل " تخرج " ، أي آية في تسع آيات ، كذا قدره . الثاني : أنه متعلق بمحذوف ، أي : اذهب في تسع آياتٍ ، وقد تقدم اختيار الزمخشري كذلك عند ذكر البسملة ، ونظره بقول الآخر : @ 3934 - فَقُلْـتُ إلَـى الطَّعَـامِ فَقَـالَ مِنْهُـمْ @@ وقولهم : بالرَّفاء والبنين وجعل هذا التقدير أقرب وأحسن . الثالث : أن يتعلق بقوله : " وأَلْقِ عَصَاكَ وأَدْخِلْ " . قال الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى : وألْقِ عَصَاكَ وَأَدْخِلْ يَدَكَ في تِسْع آيَاتٍ ، أي : في جملة تسع آياتٍ . ولقائل أن يقول : كانت الآيات إحدى عشرة منها اثنتان اليد والعصا ، والتِّسعُ الفَلْقُ ، والطُّوفان ، والجراد ، والقُمَّل ، والضَّفادع ، والدَّم ، والطَّمسة ، والجدب في بواديهم ، والنقصان من مزارعهم انتهى . وعلى هذا تكون ( في ) بمعنى ( مَعَ ) أي : هذه آية مع تسع آيات أنت مرسل بهن إلى فرعون وقومه ، لأن اليد والعصا حينئذ خارجتان من التسع ، وكذا قال ابن عطية ، أعني أنه جعل " فِي تِسْعِ " متصلاً بـ " أَلْقِ " و " أَدْخِلْ " ، إلا أنه جعل اليد والعصا من جملة التسع ، وقال : تقديره : تُمَهِّدُ لك ذلك وتيسِّر في تسع ، وجعل في الزجاج ( في ) بمعنى ( من ) ، قال كما تقول : خذ لي من الإبل عشراً فيها فحلان ، أي منها فحلان . قوله : " إلَى فِرْعَونَ " هذا يتعلق بما تعلق به " فِي تِسْع " إذا لم نجعله حالاً ، فإن جعلناه حالاً علقناه بمحذوف ، فقدّره أبو البقاء مرسلاً إلى فرعون . وفيه نظر ، لأنه كونٌ مقيَّدٌ ، وسبقه إلى هذا التقدير الزجاج ، وكأنهما أرادا تفسير المعنى دون الإعراب . وجوَّز أبو البقاء أيضاً أن تكن صفة لـ " آيَاتٍ " ، وقدَّره : واصلةً إلى فرعون ، وفيه ما تقدم . قوله : " مُبْصِرَةً " حال ، ونسب الإبصار إليها مجازاً ، لأن بها يبصر ، وقيل : بل هي من أبصر المنقولة بالهمزة من بصر ، أي : أنها تبصر غيرها لما فيها من الظهور ، ولكنه مجاز آخر غير الأول ، وقيل : هو بمعنى مفعول ، نحو " مَاءٌ دَافِقٌ " أي : مدفوق . وقرأ عليّ بن الحسين وقتادة بفتح الميم والصاد ، أي : على وزن أرض مسبعةٌ ، ذات سباعٍ ، ونصبها على الحال أيضاً ، وجعلها أبو البقاء في هذه القراءة مفعولاً من أجله ، وقد تقدم ذلك . ومعنى " مُبْصِرَةً " : بينة واضحة . { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } ظاهر . قوله : { وَجَحَدُوا بِهَا } أي : أنكروا الآيات ، ولم يقروا أنها من عند الله . قوله : { وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ } يجوز أن تكون هذه الجملة معطوفة على الجملة قبلها ، ويجوز أن تكون حالاً من فاعل " جَحدُوا " ، وهو أبلغ في الذم ، واستفعل هنا بمعنى " تَفَعَّلَ " ، نحو : استعظم واستكبر ، والمعنى : أنهم علموا أنها من عند الله ، وفائدة ذكر الأنفس أنهم جحدوا بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم وضمائرهم ، والاستيقان أبلغ من الإيقان . قوله : { ظُلْماً وَعُلُواً } يجوز أن يكونا في موضع الحال ، أي : ظالمين عالين ، وأن يكونا مفعولاً من أجلهما ، أي : الحامل على ذلك الظلم والعلو . وقرأ عبد الله وابن وثاب والأعمش وطلحة : " وَعِلِيّاً " بكسر العين واللام وقلب الواو ياء ، وتقدم تحقيقه في " عِتِيّاً " في مريم ، وروي عن الأعمش وابن وثاب ضم العين كما في " عِتيّاً " . وقرىء : " وَغُلُوّاً " بالغين المعجمة ، وهو قريب من هذا المعنى ، وأي ظلم أفحش من ظلم من استيقن أنها آيات بينة من عند الله ثم كابر بتسميتها سحراً بيناً ؟ والعلو : الترفع عن الإيمان ، والشرك وعدم الإيمان بما جاء به موسى ، كقوله : { فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ } [ المؤمنون : 46 ] . { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } . قوله : { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ } " كَيْفَ " خبر مقدم ، و " عَاقِبَةُ " اسمها ، والجملة في محل نصب على إسقاط الخافض لأنها معلقة لـ " انْظُرْ " بمعنى تَفَكَّرْ .