Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 14-17)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } تقدم الكلام عليه ، " وَاسْتَوَى " أي : بلغ أربعين سنة - ( قاله ابن عباس - ) وقيل : استوى : انتهى شبابه ، { آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } أي : الفقه والعقل والعلم في الدين ، فعلم موسى وحكم قبل أَنْ يبعث نبياً ، { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } ، وهذا يدل على أنه ليس المراد بالحكم النبوة ، لأنه جعل إيتاءه الحكم والعلم مجازاة على إحسانه ، والنبوة لا تكون جزاء على العمل . قوله : " وَدَخَلَ المَدِينَة " أي : ودخل موسى المدينة . قال السدي : مدينة منف من أرض مصر ، وقال مقاتل : قرية تدعى حانين على ( رأس ) فرسخين من مصر ، وقيل : عين شمس ، قوله : { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ } في موضع الحال إمّا من الفاعل أي : كائناً على حين غَفْلَة ، أي : مُستخفياً ، وإِمَّا من المفعول ، وقرأ أبو طالب القارىء " عَلَى حِينَ " بفتح النون ، وتكلَّفَ أبو حيان تخريجها على أنه حمل المصدر على الفعل في أنه إذا أضيف الظرف إليه جاز بناؤه على الفتح ، كقوله : @ 3977 - عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا @@ و " مِنْ أَهْلِهَا " صفة لـ " غَفْلَةٍ " ، أي : صادرة من أهلها . فصل اختلفوا في السبب الذي لأجله دخل موسى المدينة على حين غفلة من أهلها ، فقال السُّدِّي : إن موسى كان يسمى ابن فرعون ، فكان يركب في مراكب فرعون ، ويلبس مثل ملابسه ، فركب فرعون يوماً وليس عنده موسى ، فلما جاء موسى قيل له : إن فرعون قد ركب ، فركب في أثره ، فأدركه المقيل بأرض منف ، فدخلها نصف النهار وليس في طرقها أحد , فذلك { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } . وقال ابن إسحاق : كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يسمعون منه ويقتدون به ، فلما عرف ما هو عليه من الحق فارق فرعون وقومه وخالفهم في دينهم حتى ذكر ذلك منه ، وأخافوه وخافهم ، فكان لا يدخل قرية إلا خائفاً مستخفياً . وقال ابن زيد : إِنَّ موسى ضرب رأس فرعون ونتف لحيته ، فأراد فرعون قتله ، فقالت امرأته : هو صغير ، جِىءْ بجمرة فأخذها فطرحها في فيه ، فبها عقد لسانه ، فقال فرعون : لا أقتله ، ولكن أخرجوه عن الدار والبلد ، فأخرج ولم يدخل عليها حتى كبر ، فدخل { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ } . قوله " يَقْتتلانِ " صفة لـ " رَجُلَيْنِ " ، وقال ابن عطية : حالٌ منهما ، وسيبويه - وإن كان جوَّزها من النكرة مطلقاً - إلاَّ أَنَّ الأكثر يشترطون فيها ما يُسوِّغُ الابتداء بها . وقرأ نعيمُ بن ميسرة " يقتلان " بالإدغام ، نقل فتحة التاء الأولى إلى القاف وأدغم . قوله { هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ } مبتدأ وخبر في موضع الصفة لـ " رَجُلَيْنِ " ، أو الحال من الضمير في " يَقْتتلانِ " وهو بعيدٌ لعدمِ انتِقالهَا . وقوله : " هذَا " و " هذا " على حكاية الحال الماضية ، فكأنهما حاضران ، أي : إذا نظر الناظر إليهما ، قال : هذا من شيعته وهذا من عدوه . وقال المبرد : العرب تشير بهذا إلى الغائب ، وأنشد لجرير : @ 3978 - هذَا ابنُ عَمِّي في دِمَشْقَ خَلِيفَة لَوْ شِئْتُ سَاقَكُمْ إِليَّ قَطِينا @@ ( فصل ) { هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ } من بني إسرائيل ، { وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ } من القبط . قال مقاتل : كانا كافرين إلا أنَّ أحدهما من القبط والآخر من بني إسرائيل ، لقول موسى عليه السلام له : { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } [ القصص : 18 ] . والمشهور أَنَّ الإسرائيلي كان مسلماً ، قيل : إنه السامري ، والقبطي طبَّاخ فرعون . قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : لمَّا بلغ موسى أشده لم يكن أحد من آل فرعون يخلُص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم حتى امتنعوا كل الامتناع . وكان بنو إسرائيل قد عزوا بمكان موسى ، لأنهم كانوا يعلمون أنه منهم . قوله " فَاسْتَغَاثَهُ " هذه قراءة العامة من الغوث أي طلب غوثه ونصره ، وقرأ سيبويه وابن مقسم والزعفراني بالعين المهملة والنون من الإِعانة . قال ابن عطية : هي تصحيف وقال ابن جبارة صاحب الكامل : الاختيار قراءة ابن مقسم ، لأَنَّ الإِعانة أوْلَى في هذا الباب قال شهاب الدين : نسبة التصحيف إلى هؤلاء غير محمودة ( كما أن تغالي ) الهذلي في اختيار الشاذة غير محمود . قوله : " فَوَكَزَهُ " أي : دفعه بجميع كَفِّه ، والفرق بين الوَكْزِ واللَّكْزِ : أَنَّ الأول بجميع الكف والثاني : بأطراف الأصابع ، وقيل بالعكس ، وقيل : اللكز في الصدر ، والوكز في الظهر ، والنَّكْزُ كاللَّكْزِ قال : @ 3979 - يَا أَيُّهَا الجَاهِلُ ذُو التَّنَزِّي لا تُوعِدني حَبَّةٌ بِالنَّكْزِ @@ وقرأ ابن مسعود " فَلَكَزَهُ " و " فَنَكَزَهُ " باللام والنون . قوله : " فَقَضَى " أي : موسى ، أو الله تعالى ، أو ضمير الفعل أي : الوكز " فَقَضَى عَلَيْهِ " أي : أماته ، وقتله ، وفرغ من أمره ، وكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه ، فندم موسى ولم يكن قصده القتل ، فدفنه في الرمل ، و { قَالَ : هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } فقوله : " هذَا " إشارة إلى القتل الصادر منه ، و { مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } أي : من وسوسته وتسويله . فصل احتج بهذه الآية من طعن في عصمة الأنبياء من وجوه : أحدها : أن ذلك القبطي إما أن يكون مستحق القتل أو لم يكن كذلك ، فإن استحق القتل فلم قال : { هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } ؟ ولم قال : { ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ } ؟ وقال في سورة أخرى { فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } [ الشعراء : 20 ] . وإن لم يستحق القتل كان قتله معصيةً وذنباً . وثانيها : أنَّ قوله : { وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ } يدل على أنه كان كافراً حربياً ، فكان دمه مباحاً ، فَلِمَ استغفر عنه ؟ والاستغفار من الفعل المباح غير جائز لأنه يوهم في المباح كونه حراماً . وثالثها : أَنَّ الوكز لا يحصل عنه القتل ظاهراً . فكان ذلك قتل خطأ ، فَلِمَ استغفر منه ؟ والجواب عن الأول : لم لا يجوز أن يقال إنه لكفره مباح الدم ؟ وأما قوله { هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } ففيه وجوه : الأول : أنَّ الله تعالى وإن أباح قتل الكفار ، إلاَّ أنه كان الأَولى تأخير قتلهم إلى زمان آخر ، فلما قتل ترك ذلك المندوب ؛ وهو قوله : { هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } . الثاني : أنَّ قوله : " هذَا " إشارة إلى عمل المقتول لا إلى عمل نفسه . ( الثالث : أنَّ قوله : " هذَا " إشارة إلى المقتول ) . ( يعني أنه من حزب الشيطان ) وجنده ، يقال : فلان من عمل الشيطان أي من أحزابه . وأما قوله { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي } ( فعلى نهج قول آدم عليه السلام ) { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } [ الأعراف : 23 ] والمراد أحد وجهين : إما على سبيل الانقطاع إلى الله ، والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه وإِنْ لم يكن هناك ذنب قط أو من حيث حرم نفسه الثواب بترك المندوب . وأما قوله " فَاغْفِرْ لِي " أي : فاغفر لي ترك هذا المندوب . وفيه وجه آخر ، وهو أن يكون المراد { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } حيث قتلت هذا الملعون ، فإنَّ فرعون لو عرف ذلك لقتلني به ، " فَاغْفِرْ ليْ " ، فاستره عليَّ ولا توصل خبره إلى فرعون ، " فَغَفَرَ لَهُ " أي : ستره عن الوصول إلى فرعون ، ويدل على هذا قوله { رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } فلو كانت إعانة المؤمن هنا سبباً للمعصية لما قال ذلك ، وأما قوله { فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } [ الشعراء : 20 ] فلم يقل إني صرت بذلك ضالاً ، بل اعترف أنه كان ضالاً أي : متحيراً لا يدري ما يجب عليه . وأما قوله : إنْ كان كافراً حربياً فَلِمَ استغفر من قتله ؟ قلنا : كون الكافر مباح الدم أم يختلف باختلاف الشرائع ، فلعلّ قتلهم كان حراماً في ذلك الوقت ، أو كان مباحاً لكن الأولى تركه على ما قررناه . وأما قوله : كان قتل خطأ ، قلنا : لا نسلم ، فلعل الرجل إن كان ضعيفاً وموسى عليه السلام كان في نهاية الشدة فوكزه كان قاتلاً قطعاً ، ثم إن سلمنا ذلك ولكنه - عليه السلام - كان يمكنه أن يخلص الإسرائيلي من يده بدون الوكز الذي كان الأولى تركه ، فلهذا أقدم على الاستغفار . على أَنَّا وإن سلمنا دلالة هذه الآية على صدور المعصية ، لكنَّا بيَّنَّا أَنهُ لا دلالة البتة فيه ، لأنه لم يكن رسولاً في ذلك الوقت فيكون ذلك قبل النبوة لا نزاع فيه . فصل قالت المعتزلة : الآية تدل على بطلان قول من نسب المعاصي إلى الله ، لأنه - عليه السلام - قال : { هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } ، فلو كانت بخلق الله لكانت من الله لا من الشيطان ، وهو كقول يوسف - عليه السلام - { مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ } [ يوسف : 100 ] ، وقول فتى موسى { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } [ الكهف : 63 ] ، وقوله تعالى : { لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ } [ الأعراف : 27 ] ، وتقدم الكلام على ذلك . قوله : " بِمَا أَنْعَمْتَ " يجوز في الباء أن تكون ( قسماً و ) الجواب مقدراً : لأَتوبنَّ ، وتفسيره : فَلنْ أكُونَ ، قال القفال : كأنه أقسم بما أنعم الله عليه أن لا يظاهر مجرماً ، أي : بنعمتك عليَّ ، وأنْ تكون متعلقة بمحذوف ومعناها السببية ، أي : اعصمني بسبب ما أَنعمتَ به عليَّ ، ويترتب عليه قوله : { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً } ، و " مَا " مصدرية أو بمعنى الذي ، والعائد محذوف ، وقوله : " فَلَنْ " نفيٌ على حقيقته ، وهذا يدل على أنه قال : لِمَ أنعمت عليَّ بهذا الإنعام فإني لا أكون معاوناً لأحد من المجرمين بل أكون معاوناً للمسلمين ، وهذا يدلّ على أَنَّ ما أقدم عليه من إعانة الإسرائيلي على القبطي كان طاعة لا معصية ، إذ لو كان معصية لنزل الكلام منزلة قوله : " إنك لمَّا أنعمت عليَّ بقبول توبتي من تلك المعصية . وقال الكسائي والفراء : إنه خبر ومعناه الدعاء ، وإنَّ " لَنْ " واقعة موقع " لا " ، كأنه قال : ولا تجعلني ظهيراً ، قال الفراء : في حرف عبد الله { وَلاَ تَجْعَلْنِي ظَهِيراً } قال الشاعر : @ 3980 - لَنْ تَزَالُوا كَذلكُم ثُمَّ لا زلْـ ـتَ لَهُمْ خَالِداً خُلُودَ الجِبَالِ @@ قال شهاب الدين : وليس في الآي والبيت دلالة على وقوع " لن " موقع " لا " ، لظهور النفي فيهما من غير تقدير دعاء . فصل قال ابن عباس : { بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } بالمغفرة ، { فَلَنْ أَكُوْنَ ظَهِيراً } عوناً " لِلْمُجْرِمينَ " . أي : للكافرين وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافراً ، وهو قول مقاتل ، وقال قتادة : لن أعين بعدها على خطيئة . قال ابن عباس : لم يستثن فابتلي به في اليوم الثاني : ( وهذا ضعيف ، لأنه في اليوم الثاني ترك الإعانة ، وإنما خاف منه ذلك العدو ، فقال : { إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً } [ القصص : 19 ] إلاّ أنه لم يقع منه ) .