Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 87-89)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفي قوله : { جَزَآؤُهُمْ } وجهان : أحدهما : أن يكون مبتدأ ثانياً ، و { أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ } في محل رفع ؛ خبراً لـ " جَزَاؤُهُمْ " والجملة خبر لـ " أولئك " . والثاني : أن يكون " جَزَاؤُهُمْ " بدلاً من " أولَئِكَ " بدل اشتمال ، و { أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ } خبر " أولئك " . وقال هنا : { جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ } وقال - هناك - : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ } [ البقرة : 161 ] دون " جزاؤهم " قيل : لأن هناك وقع الإخْبار عمن توفِّيَ على الكُفْر ، فمن ثَمَّ حتم الله عليه اللعنة ، بخلافه هنا ، فإن سبب النزول في قوم ارتدوا ثم رجعوا للإسلام ، ومعنى : " جَزَاؤُهُمْ " أي : جزاء كفرهم وارتدادهم ، وتقدم القول في قراءة الحسن " النَّاس أجمعون " وتخريجها . قوله : " خالدين " حال من المضير في " عَلَيْهِمْ " والعامل فيها الاستقرار ؛ أو الجارّ ؛ لقيامه مقام الفعلِ ، والضمير في " فِيهَا " للَّعنة ، ومعنى الخلود في اللعن فيه وجهان : الأول : أنهم يوم القيامة لا تزال تلعنهم الملائكةُ والمؤمنون ، ومَنْ معهم في النار ، ولا يخلو حالٌ من أحوالهم من اللعنة . الثاني : أن اللَّعْنَ يوجب العقابَ ، فعبَّر عن خلود أثر اللعن بخلود اللعنِ ، ونظيره قوله : { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً خَالِدِينَ فِيهِ } [ طه : 100 - 101 ] وقال ابن عباس : قوله : " خالدين فيها " أي في " جهنم " ، فعلى هذا الكناية عن غير مذكور . و { لاَ يُخَفَّفُ } جملة حالية أو مستأنفة ، و { إِلاَّ ٱلَّذِينَ } استثناء متصل . فصل اعلم أن لعنة الله مخالفة للعنة الملائكة ؛ لأن لعنته بالإبعاد من الجنة ، وإنزال العذاب ، واللعنة من الملائكة ، ومن الناس هي بالقول ، وكل ذلك مستحق لهم بسبب ظلمهم وكفرهم . فإن قيل : لم عَمَّ جَمِيع النَّاس ، ومَنْ يُوافِقهُ لا يَلْعَنُهُ ؟ فَالجوابُ مِن وُجوهٍ : أحدها : قال أبو مُسْلِمٍ : لَهُ ان يَلْعَنَهُ ، وَإن كَانَ لاَ يَلْعَنُهُ . الثاني : أنَّهُم فِي الآخرةِ يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، لِقَوْلِهِ تَعالَى : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } [ الأعراف : 38 ] وقال : { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [ العنكبوت : 25 ] وعلى هَذا فَقَدْ حَصَلَ اللَّعْنُ للكفارِ ومن يوافقهم . الثالث : كأن الناسَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ ، والْكُفَّار لَيْسُوا مِن النَّاس . الرابع : وهو الأصح - أنَّ جميعَ الْخَلقِ يَلْعَنُونَ المُبْطِلَ والكَافِرَ ، وَلَكِنَّهُ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ أنَّهُ لَيْسَ بمُبْطِلٍ وَلا بكافرٍ فَإذا لَعَن الكافِرَ - وَكَانَ هُو فِي عِلم اللهِ كَافراً - فَقَدْ لَعَنَ نَفْسَه ، وَهُوَ لا يَعْلَم ذَلكَ . قوله : " لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون " مَعْنَى الإنْظَار : التَّأخِيْرُ ، قَالَ تَعالى : { فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَة } [ البقرة : 280 ] والمَعْنَى : لاَ يُخَفَّفُ ، وَلا يُؤخَّر من وَقتٍ إلى وَقْتٍ ، ثُم قَال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } ثمَ بَيَّن أن التوبة وحدَها لا تَكْفِي ، حَتَّى يُضافَ إليها العملُ الصالحُ ، فَقالَ : { وَأَصْلَحُواْ } أي : أصلحوا باطنهم مع الحق بِالمُراقَباتِ ، وَمَعَ الْخَلْقِ بالعِبَادَاتِ ، وَذَلِكَ أنَّ الحَارثَ بن سُويد لَمَّا لَحِق بالكُفَّار نَدِم ، وأرسل إلى قومه أن سَلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَفَعَلُوا فَأنْزَلَ اللهُ { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فَحَمَلَهَا إليه رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ ، وَقَرأها عَلَيهِ ، فَقَالَ الْحَارثُ : إنك واللهِ ما عَلِمْتُ - لَصَدُوقٌ ، وَإنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأصدقُ منك ؛ وإنَّ اللهَ - عَزَّ وجل - لأصْدَقُ الثلاثة ، فرجع الحارثُ إلى المَدِينَةِ ، وَأسْلَمَ ، وحسن إسلامه . وفي قوله : { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وجهان : الأول : أن الله غفور لقبائحهم في الدنيا بالستر ، رحيم في الآخرة بالعفو . الثاني : غفور بإزالة العقاب ، رحيم بإعطاء الثواب ، ونظيره قوله : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَف } [ الأنفال : 38 ] . ودخلت الفاء في قوله : " فإن الله " لشبه الجزاء ؛ إذ الكلام قد تضمَّن معنى : إن تابوا فإن الله يغفر لهم .