Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 101-101)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذَكَرَ الجِهَاد ذَكَرَ أحد الأمُور التي يَحْتَاج إليها المُجَاهِد ، وهو مَعْرِفَة كَيْفِيَّة أداء الصَّلاةِ في الخَوْف ، والاشْتِغَال بمُحارَبَة العَدُوِّ . " أن تقصروا " : هذا على حَذْفِ الخَافِضِ ، أي : في أن تَقْصُرُوا ، فيكونُ في مَحَلِّ " أنْ " الوَجْهَان المَشْهُوران ، وهذا الجَارُّ يتعلَّقُ بلفظِ " جُنَاح " أي : فََليْسَ عَلَيْكُم جُنَاحٌ في قَصْرِ الصَّلاة . قال الوَاحِدِيُّ : يُقَال : قَصَرَ فلان صَلاَتهُ ، وأقصرها وقَصَّرَها ، وكُلُّ جَائِزٌ . والجمهور على " تَقْصُروا " من " قَصَرَ " ثلاثياً ، وقرأ ابن عبَّاس : " تُقْصِروا " من " أقْصر " ، وهما لُغَتَان : قَصَر وأقْصَر ، حكاهما الأزْهَرِيُّ ، وقرأ الضَّبِيُّ عن رجاله بقراءة ابن عبَّاسٍ ، وقرأ الزُّهري : " تُقَصِّروا " مشدِّداً على التَّكْثِيرِ . قوله : " من الصَّلاة " في " مِنْ " وَجْهَان : أظهرهُما : إنها تَبْعِيضيَّةٌ ، وهذا مَعْنَى قول أبي البقاء ، وزعم أنه مَذْهَب سيبويه ، وأنَّها صفةٌ لمَحْذُوفٍ ، تقديرُه : شيئاً من الصلاة . والثاني : أنَّها زائدةٌ ، وهذا رأيُ الأخْفَش فإنه لا يَشْتَرِطُ في زِيَادتها شيئاً ، و " أن يَفْتِنَكم " : مفعُول " خفِْتُم " . وقرأ عبد الله بن مَسْعُود ، وأبَيُّ : " من الصَّلاة أن يفتنكُم " بإسقاط الجُمْلة الشَّرْطيّة ، و " أن يفتِنَكُم " على هذه القراءة ، مَفْعُولٌ من أجْله ، ولغةُ الحِجَاز : " فَتَنَ " ثُلاثياً ، وتميم وقَيْس : " أفْتَن " رُبَاعياً . فصل لفظ القَصْر مُشْعِرٌ بالتَّخْفِيف ؛ لأنه لَيْس صريحاً في أنَّ المُرادَ : هو القَصر في عَددِ الركعَات ، أي : في كيْفِيَّة أدائِها ، فلا جَرَم حصل في الآيَة قولان : الأوّل : قَوْل الجُمْهُور أنَّ المراد مِنْه : القَصْر في عدد الرَّكَعَات والقَائِلون بهذا القَوْلِ اختلفُوا على قَوْلَيْن : الأوّل : أن المراد مِنْهُ : صلاة المُسَافِر ؛ وهو أنَّ كُلَّ صَلاَةٍ تكُونُ في الحَضَر أرْبَع رَكَعَاتٍ ، فإنها تَصِير في السَّفَرِ رَكْعَتِيْنِ ، وعلى هَذَا إنَّما يَدْخُل القَصْر في الرُّبَاعِيَّة خاصَّة . الثاني : أنَّ المراد : صلاَة الخَوْف في السَّفَر ، وهو قَوْل ابن عبَّاسٍ ، وجَابِر بن عبد الله ، وجماعة ، قال ابن عبَّاس : فَرَضَ اللَّه صلاة الحَضَر أرْبَعاً ، وصلاة [ السَّفر ركعتَيْن ] ، وصلاة الخَوْفِ رَكْعَةً على لسان نَبِيِّكُم صلى الله عليه وسلم . القول الثاني : أن المُرَاد من القَصْر : التَّخْفِيف في كيْفِيَّة أداء الرَّكَعَات ، وهو أن يُكتفى في الصَّلاة بالإيمَاءِ والإشَارَة بدل الرُّكُوع والسُّجُود ، وأن يَجُوز المَشْيُ في الصَّلاة ، وأن تجُوز الصلاة عند تلَطُّخ الثَّوْب بالدَّمِ وهو الصَّلاة حال التِحَام القِتَال ، [ وهو مَرْوِيٌّ عن ابْن عَبَّاسِ وطاووس ، واحتَجُّوا : بأنَّ خوف فِتْنَة العَدُوِّ لا تَزُول فيمَا يُؤتَى بِرَكْعَتِيْن على تَمَامِ أوْصَافِهَا ، وإنما عَيَّن ذَلِكَ فيما يَشْتَدُّ فيه الخَوْف حَالَ التِحام القِتَال ] ، وهذا ضَعِيفٌ ؛ لأنه يُمْكِن إن يُقَال : إن المُسَافر إذا كانَت الصَّلاة قَلِيلَة الرَّكَعَاتِ ، فيمكنه أنْ يَأتِيَ بِهَا على وَجهٍ لا يَكُون خَصْمُه عَالِماً بَِكَوْنِهِ مُصَلِّياً أما إذا كثُرت الرَّكَعَات ، طالَت الصَّلاة ، ولا يُمْكِنُه أن يَأتِي بها على حين غَفْلَةٍ مع العَدُوِّ ، وحَمْل لفظِ القصْر على إسْقَاط [ بَعْض ] الرَّكَعَاتِ أوْلَى لوجوه : أحدُها : ما رُوِيَ عن يعلى بن أمَيَّة أنَّه قال : " قلت لعمر بن الخَطَّاب - رضي الله عنه - : كيف نَقْصُر وقد أمِنَّا ، وقد قال الله - تعالى - : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ } فقال : عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ ؛ فَسَأَلْتُ الرَّسُولَ - عليه الصلاة والسلام - فَقَالَ : " صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُم ، فاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ " وهذا يدلُّ على أن القَصْر المذكُور في الآية ، وهو القصْرُ في عَدَدِ الركَعَاتِ . الثاني : أن القَصْر عبارةٌ عن أن يؤتى بِبَعْض الشَّيْء ويقتصر عَلَيْه ، فإمَّا أن يُؤتَى بشَيٍْ آخَرَ ، فذلك لا يُسَمَّى قَصراً ، ومعْلُوم : أن إقامَة الإيماء [ مَقَامَ ] الرُّكُوع والسُّجُود ، وتَجويز المَشْي في الصَّلاة ، وتَجْوِيز الصَّلاة مع الثَوْب المُلَطَّخ بالدَّم ، ليس شيء من ذلك قَصْراً ؛ بل كُلُّها إثباتٌ لأحْكَامِ جديدةٍ ، وإقَامَة لشَيْءٍ مَقَامَ شَيْء آخَرَ . الثالث : أن " مِنْ " في قوله : " مِنَ الصّلاة " للتَّبْعيضِ ، وذلك يُوجِبُ جَوازَ الاقْتِصَارِ على بَعْضِ الصَّلاة . الرابع : أن لَفْظَ القَصْر كان في عُرْفِهِم مَخصُوصاً بتنْقِيصِ عددِ الرَّكَعَاتِ ، ولهذا لمَّا صلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهر رَكْعِتَيْنِ ، قال ذو اليَدَيْنِ : " أقصُرَتِ الصلاةُ أم نَسِيتَ ؟ " . الخامس : القَصْر بمعنى : تغير هَيْئَةٍ [ الصَّلاة ] المَذْكُورة في الآيةِ الَّتِي بَعْدَهَا توجب أن يكُون المُراد من هذه الآيَة بَيَان القَصْر ، بمعنى حذف بَعْض الرَّكعَات ، لئلا يَلْزَم التَّكْرَار . فصل هل الأفضل الإتمام أم القصر ؟ قصر الصَّلاة في السَّفر جَائِز بالإجْمَاعِ ، واخْتَلَفُوا في جواز الإتْمَام . فذهب أكْثَرُهُم إلى أن القَصْرَ واجِبٌ ، وهو قَوْل عُمَر وعَلِيِّ ، وابن عُمَر ، وجابر ، وابن عبَّاس ، وبه قال الحَسَن وعُمَر بن عَبْد العَزِيز ، وقتادة ، وهو قول مالِكٍ وأصحاب الرأي بما روتْ عائِشَة - رضي الله عنها - ، قالت : " الصَّلاةُ أوَّل ما فُرِضت [ رَكْعَتَيْن في الحَضَر والسَّفَر فأقِرَّتْ ] صَلاَة السَّفَر ، وأتِمَّت صَلاةُ الحَضَر " . وذهب قَومٌ إلى جواز الإتْمَام ، رُوِيَ ذلك عن عُثْمَان [ وسَعْد ] بن أبِي وَقَّاصٍ ، وبه قال الشَّافِعِيُّ إن شاءَ أتَمَّ ، وإن شاءَ قَصَر ، والقَصْر أفْضَل . فصل قال أهل الظَّاهِر : قَلِيلُ السَّفَر وكَثِيرُه سَوَاء ؛ لِظَاهِر الآية ، فإن الآيَة مرتَّبَةٌ من شَرْط وجَزَاء ، فإذا وُجِدَ الشَّرْط وهو الضَّرْب في الأرْض ، ترتَّبَ عَلَيْه [ الجزاء ] سواء كَانَ طَويلاً أوْ قَصِيراً ، وذلك مَرْوِيٌّ عن أنَسٍ ، وقال عَمْرو بن دِينَار : قال لي جَابر بن زَيد : أقْصِر بعَرَفَة . فإن قيل : هذا يَقْتَضِي حُصُول الرُّخْصَة عند انْتِقَال الإنْسَان من مَحَلَّة إلى مَحَلَّة . فالجواب : لا نُسَلِّم أنَّ هذا ضَرْب في الأرْضِ ، وإن سُلِّم ، فنقول : الإجْمَاع مُنْعَقِدٌ على أنَّه غير مُعْتَبَر ، فَهَذا تَخْصِيصٌ بالإجْمَاع ، والعامُّ بعد التَّخْصيص حُجَّة . وقال الجُمْهُور : إن السَّفر مات لم يتقدَّر بِمقْدَار مَخْصُوصٍ ، لم تَحْصُل فيه الرُّخْصَة ، وقالوا : أجْمَع السَّلَف على أنَّ أقَل السَّفِر مقدَّرٌ ، لأنه رُوِيَ عن عُمَر أنَّه يَقْصِر في يَوْم تامٍّ ؛ وبه قَالَ الزُّهرِي والأوْزَاعِيُّ . وقال ابْن عَبَّاس : يَقْصرُ إذا زَادَ علي يَوْم ولَيْلَة . قال أنَس : المُعْتَبَر خَمْسَة فَرَاسِخ ، وقال الحَسَن : مَسِيرة لَيْلَتَيْن . وقال الشَعْبِي ، والنَّخعِي ، وسعيد بن جُبَيْر : من الكُوفَة إلى المَدَائِن مسيرة ثلاثةَ أيّام ، وهو قول أبِي حَنِيفَة ، وروى الحَسَن بن زِيَاد ، عن أبي حنيفة : أنَّهُ إذا سَافَر إلى موضع يكون مَسيرة يَوْمَيْن ، وأكثر اليوم الثَّالِث ، جاز القَصْر ، وهكذا رَوَاهُ ابن سماعة ، عن أبِي يُوسُف ومحمَّد . وقال مَالِكٌ : أمْيَال بأمْيَال هَاشِم جَدَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي قدَّر أمْيَال البَادِية ؛ كل ميلٍ اثْنَا عَشَر ألف قدم ، وهي أرْبَعَةٌ آلاف خطوة ، فإن كل ثَلاثَة أقْدام خُطْوة ، قالوا : واختِلاَف النَّاس يدل على انْعِقَاد الإجْمَاع ، على أن الحُكْم غير مَرْبُوط بِمُطْلَق السَّفَر . قال أهل الظاهر : اضْطِرَابُهم يَدُلُّ على أنَّهم لم يَجِدُوا دَلِيلاً في تَقْدِير المُدَّة ، إذ لو وَجَدُوه لما حَصَل الاضْطِرَاب ، وأما سُكُوت [ سَائِر ] الصَّحَابَة ؛ فلعَلَّه كان لاعْتِقَادِهم أنّ الآية دَالَّة على ارتِبَاط الحُكْمِ بِمُطْلَقِ السَّفَر ، وإذا كان الحُكْم مَذْكُوراً في نَصِّ القُرْآن ، لم يكن بِهِم حَاجَةٌ إلى الاجْتِهَاد والاستِنْبَاطِ ؛ فلهذا سَكَتوا فاستدل الحَنفيَّة على تقدير المُدَّة بقوله - عليه الصلاة والسلام : " يَمْسَحُ المُسَافِر ثَلاَثَة أيّامٍٍ " وهو يدل على أنَّه إذَا لَمْ يَحْصُل المَسْح ثلاثة أيَّام ، لا يسَمَّى مسافِراً . واستدل الشَّافعيَّة بما رَوَى مُجَاهِدٌ وعطاء ، عن ابن عبَّاس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " يا أهْل مَكَّة ، لا تَقْصُروا في أدْنَى من أرْبَعة بُرُد من مَكَّة إلى عُسْفَان " قال أهل الظَّاهِر : وهذا تَخْصِيص لعُمُوم القُرْآن بخَيْر الوَاحِد ، وهو لا يَجُوز ؛ لأن القُرْآن مَقْطُوع به والخَبَر مَظْنُونٌ ، وقال عليه الصلاة والسلام : " إذا رُوِيَ عَنِّي حديثٌ فاعْرِضُوه على كِتَاب اللَّه - [ تعالى ] - ، فإن وَافق ، فَاقْبَلُوه ، وإلا فَرُدُّوهُ " وهذا مُخَالِفٌ لعموم الكِتَاب ، وأيْضاً فإنها أخْبَار وردَتْ في وَاقِعَةٍ تَعُمُّ الحاجَةُ إلى مَعْرفتها ؛ لأن الصَّحابة - رضي الله عنهم - كانُوا في أكْثَر الأوْقَات في السَّفَر والغَزْو ، فلو كَانَت الرُّخْصَة مَخْصُوصَة بِسَفَرٍ ، مقدَّر ، لعرفوها ونَقَلُوها نقلاً متواتراً ، لا سِيَّمَا وهو عَلَى خِلاف ظَاهِر القُرْآن ، وأيضاً : فدلائل الشَّافعيَّة ودلائل الحَنَفِيَّة متقابِلة مُتَدافعة فسقَطَت ووجبَ الرُّجُوع لِظَاهِرِ القُرْآنِ . فصل خصَّ أهلُ الظَّاهر جواز القصر بِحَال الخَوْف ؛ لقوله - تعالى - : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ } والمَشْرُوط بالشَّيْءِ عدمٌ ، عند عَدَمِ ذلك الشَّيءِ ، ولا يَجُوز دفع هذا الشَّرط بأخْبَار الآحَادِ ؛ لأن نَسْخَ القُرْآنِ بِخَبر الوَاحِدِ لا يَجُوز . قوله : { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } فقيل : إن يَفْتِنُوكم عن إتْمَام الرُّكُوع [ والسُّجُود ] ، وقيل : " أن يفتنكم " أي يغلبكم الَّذين كَفَرُوا في الصَّلاة ، ونَظِيرُه قوله : [ تعالى ] : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ } عن الصلاة ؛ لأن كُلَّ مِحْنَة ، وبَلِيّة ، وشِدَّة فهي فِتْنَة ، وجَواب الشَّرْط مَحْذُوف يَدُلُّ عليه ما قَبْلَه . وقيل : الكَلاَم تَمَّ [ عند قوله : " مِنَ الصَّلاة " ] والجملة الشَّرْطيةُ مُسْتَأنَفةٌ حتى قيلَ : إنها نَزَلَت بعد سَنَةٍ عن نُزُول ما قَبْلَها ، وجوابُه حينئذٍ أيْضاً مَحْذُوف ، ولكن يُقَدَّرُ من جِنْسِ ما بَعْدَه ، وهذا قَوْلٌ ضَعِيفٌ ، وتأخير نُزُولِهَا لا يَقْتَضِي استِئْنَافَهَا . فصل اخْتَلَفُوا متى يَقْصُر : فالجُمْهُور على أنَّ المُسَافِر لا يَقْصُر حتَّى يَخْرُج من بُيُوت القَرْيَة [ وحينئذٍ ] هو ضَارِبٌ في الأرْضِ ، وهو قول مَالِكٍ في المُدَوَّنة ، وروي عنه : أنَّه إذا كَانَت قَرْية تَجمع أهْلُها لا يَقْصُرُ حتى يُجَاوِزَها بثلاَثَةِ أمْيَالٍ ، وكذلك في الرُّجُوع ، وعن الحَارِث بن أبي رَبيعة : إذا أرَادَ السَّفَر ، يَقْصُرُ في مَنْزِلِه ؛ فيكون مَعْنَى قوله - [ تعالى ] - : { إِذَا ضَرَبْتُمْ [ فِي ٱلأَرْضِ } معناه ] : إذا أرَدْتُم السَّفَر . وعن مجاهد : لا يَقْصُر يَوْمَه الأوَّل حتى اللَّيْل ، وهذا شَاذٌّ ؛ لأن النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم صلى الظُّهْر بالمَدِينَة [ أرْبعاً ] ، وصلَّى العَصْرَ بذي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْن ، وبين المَدينَة وذي الحُلَيْفَة سِتَّة أمْيالٍ ، أو سَبْعَة . فصل وعلى المَسَافِر أن يَنْوِيَ القَصْرَ حين الإحْرَام ، فإن افْتَتَحَ الصَّلاة بنيَّة القصر ، ثُمَّ عزم على المُقَام في أثناء الصَّلاة ، جعلها نَافِلَةً ، فإن كان ذَلِكَ بَعْد أنْ صَلَّى منها رَكْعَةً [ واحِدَة ] ، أضَاف إليها أخْرى [ وسلَّم ] ثم صلى صلاة مُقِيم ، وقال الأبْهَرِيّ ، وابن الجَلاَّب : هذا - والله أعْلم - اسْتِحْبَابٌ ، ولو بَنَى على صَلاَته وأتمّها ، أجْزأتْهُ . قوله : { إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } [ و ] المعنى : إن العدَاوَة بَيْنَكُم وبَيْنَ الكَافِرين قَديمَةٌ ، والآن قد أظْهَرْتُم خلافَهُم في الدِّين فازْدَادَت عَدَاوتُهم لَكُم ، فمن شِدَّة العَدَاوة ، حارَبُوكم وقَصَدُوا إتلافكُم إن قَدَرُوا ، فإن طَالَتْ صَلاتُكُم ، فرُبَّمَا وَجَدُوا الفُرْصَة في قَتْلِكُم ؛ فلهذا رَخَّصْتُ لَكُم في قَصْر الصَّلاة . قوله " لكم " متعلِّقٌ بمَحْذُوف : لأنه حالٌ من " عَدُوّاً " ، فإنه في الأصْل صِفَةُ نَكِرَةٍ ، ثم قُدِّم عَلَيْها ، وأجاز أبُو البَقَاء أن يتعلَّق بـ " كَانَ " ، [ وفي المَسْألة ] كَلاَمٌ مرَّ تَفْصِيلُه . وأفْرد " عَدُوّاً " وإن كَانَ المُرَادُ به الجَمْعَ لأنَّ العدُوَّ يسْتَوِي فيه الوَاحِد والجمع ؛ قال - تعالى - : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ } [ الشعراء : 77 ] وقد تقدّم تَحْقِيقُه في البَقَرة . فصل في معنى الآية قوله : { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } متَّصِل بما بَعْدَه من صَلاَةِ الخَوْفِ ، منفصل عَمَّا قَبْلَه ، رُوِيَ عن أبي أيُّوبٍ الأنْصَارِي ، أنَّه قال : نَزل قَوْلُه : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ } هذا القَدْر ، ثمَّ بعد حَوْلٍ سألُوا رسُول الله صلى الله عليه وسلم عن صَلاَةِ الخَوْفِ ؛ فنزل : " إن خفتم " أي : وإن خِفْتُم { أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً ، وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ } . ومثله في القُرْآن كَثِيرٌ [ أن ] يجيء الخبر بِتَمَامِه ، ثم يُنسق عَلَيْه خبرٌ آخَر ، وهو في الظَّاهِر كالمُتَّصِل به ، وهو مُنْفَصِلٌ عنه ؛ كقوله - تعالى - : { ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ يوسف : 51 ] هذه حكاية عن امْرَأة العَزِيز ، وقوله : { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } [ يوسف : 52 ] ، إخبارٌ عن يُوسُف - عليه الصلاة والسلام - .