Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 102-102)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كما بيَّن قَصْر الصَّلاة يحَسبِ الكَمَِّيَّة في العَدَدِ ، بين في هذه الآيَة كَيْفِيَّتَها ، والضَّمِير في " فِيهِم " يعُود الضَّاربين في الأرضِ ، وقيل على الخَائِفَين . روى الكَلْبِيُّ ، عن أبِي صَالح ؛ عن ابن عبَّاس ، وجابر - رضي الله عنهم - : أن المُشْرِكِين لَمَّا رأوْا رسُول الله صلى الله عليه وسلم وأصْحَابَهُ قاموا في الظُّهْر يُصَلُّون جميعاً ، نَدِمُوا ألاّ كَانُوا أكبُّوا عليهم ، فقال بَعْضُهم لبعضٍ : دَعْهم فإنَّ لهم بَعْدَها صَلاة هي أحَبُّ إليهم من آبَائِهِم وأبْنَائِهِم ، يعني : صَلاَة العَصْر ، فإذا قَامُوا فيها فَشُدُّوا عليهم ، فاقْتُلُوهم ؛ فنزل جِبْرِيل فقال : يا محمَّد إنَّها صلاة الخَوْفِ ، وإن الله - عز وجل - يقُول : { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ } فعلَّمه صَلاَةَ الخَوْفِ . فصل : هل صلاة الخوف خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم قال أبُو يُوسف ، والحَسَن بن زِيَاد : صلاة الخَوْف كانت خَاصَّة للرسول - عليه الصلاة والسلام - ، ولا تجُوز لغيره ؛ لقوله - تعالى - : { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ } . وقال المُزَني : كانت ثَابِتَةً ثم نُسِخَتْ ، ومذهب الجُمْهُور : ثُبوتُها في حقِّ كل الأمَّة ؛ لقوله - تعالى - : { وَٱتَّبِعُوهُ } [ الأعراف : 158 ] وأن حكمها باقٍ ، وقد ورد كيفيَّة صَلاَة الخَوْفِ على سِتَّة أوْجُه مذكُورة في كُتُبِ الفِقْهِ . قال أحْمد بن حَنْبَل : كُلُّ حَدِيثٍ رُوِيَ في أبْواب صَلاةِ الخَوْفِ ، فالعَمَل به جَائِزٌ ، روي فيه سِتَّةُ أوْجُه ، أو سبْعَة أوْجُه . قوله : { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ } أي : شَهِيداً مَعَهُم في غَزَواتهم ، { فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ } أي : فَلْتَقِفْ ؛ كقوله - تعالى - : { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } [ البقرة : 20 ] أي : وَقَفُوا ، والمعنى : فاجْعَلْهم طَائِفَتَيْن ، فَلْتَقُم طَائِفة منهم مَعَك ، فَصَلِّ بهم . وقرأ الحسن " فَلِتَقُمْ " بِكَسْر لاَمِ الأمْر وهو الأصْل ، " وليأخذوا أسلحتهم " والضَّمير : إمَّا للمُصَلِّين ، أو لغيرهم ، فإنَ كان للمُصَلِّين ، [ فقالوا ] : يأخُذُون من السِّلاح ما لا يَشَغلُهُم عن الصَّلاة ؛ كالسَّيْف والخنجَر ؛ لأن ذلك أقْرَب إلى الإحْتِيَاط ، وأمْنَع للعدُوِّ من الإقْدَام عَلَيْهِم ، وإن كان لِغَيْر المُصَلِّين ، وهُم الطَّائِفَةُ الأخْرى التي تَحْرُس المُصَلِّين ، فلا كَلاَمَ . واحتار الزَّجَّاج عَوْدَه على الجَميع ، قال : " لأنه أهْيَب للعَدُوَِّ " . والسِّلاح : ما يُقَاتَل به ، وجمعه أسْلِحَة وهو مُذكَّر ، وقد يُؤنَّث باعْتِبَار الشَّوْكَة ، قال الطِّرمَّاحُ : [ الطويل ] @ 1876 - يَهُزُّ سِلاحاً لَمْ يَرِثْهَا كَلاَلَةً يشُكُّ بِهَا مِنْهَا غُمُوضَ المَغَابِنِ @@ فأعاد الضَّمير عليه كَضَمير المؤنَّثة ، ويقال : سلاح كحِمَار ، وسِلْحٌ كضِلْع ، وسُلَح كصُرَد ، وسُلْحَان كسُلْطان ؛ نقله أبو بكر دُرَيْد . والسَّلِيحُ : نبت إذا رَعَتْه الإبل ، سَمِنَتْ وغَزُرَ لبنُها ، وما يُلْقيه البَعِيرُ من جَوْفِه ، يقال له : " سُلاحٌ " بزنة غُلام ، ثم عُبِّر عن كُلِّ عَذِرة ، حتى قيل في الحُبَارَى ، " سِلاحُه [ سُلاحُه ] " . ثم قال - تعالى - : { فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ } يعني : غير المُصَلِّين من وَرَائِكُم يَحْرُسُونكم يريد : مكان الَّذِين هم تجاه العَدُو ، ثم قال - [ تعالى ] - : { وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ } وهم الَّّذِين كانُوا في تجاه العَدُوِّ ، وقرأ أبو حَيْوة : " وليأتِ " بناء على تذكيرِ الطَّائِفَةِ ، ورُوِيَ عن أبِي عَمْرو : الإظْهَارُ والإدْغَامُ في " ولتأتِ طَائَفَةٌ " . قوله : " لم يصلوا " الجُمْلة في محلِّ رَفْع ؛ لأنها [ صفة لـ " طَائِفة " بعد صِفَةٍ ، ويجُوز أن يكُون في مَحَلِّ نَصْب على الحَال ؛ لأن النَّكِرَة ] قَبْلَهَا تخصَّصَت بالوَصْفِ بِأخْرى . ثم قال { وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ } والمعْنَى : أنه - تعالى - جعل الحَذَر : الَّذِي هو التحذُّر والتَّيَقُّظ آلة يِسْتَعْمِلُها الغازي ؛ فَلِذَلِكَ جمع بينَه وبين الأسْلِحَةِ في الأخْذِ ؛ وجُعِلاَ مأخُوذَيْن ، وهذا مَجَازٌ ؛ كقوله : { تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ } [ الحشر : 9 ] في أحَد الأوْجُه . قال الوَاحِدِيِ رحمه الله تعالى : وفيه رُخْصَة للخَائِفِ في الصَّلاة ، بأن يَجْعَل بَعْضَ فكْره في غَيْرِ الصَّلاةِ . فإن قيل : لِمَ ذَكَرَ في الآيَةِ الأولى : " أسْلِحَتُهم " فقط ، وفي هذه الآيَة ذكر " حِذْرَهُم وأسلحتهم " ؟ فالجوابُ : أن في أوَّل الصلاة قلَّما يَنْتَبِهُ العَدُوُّ : لكون المُسْلِمِين في الصَّلاة ، بل يظُنُّون كونهمُ قَائِمين لأجْل المُحَارَبة ، وأما في الرَّكْعَة الثَّانِيَة ، فقد يَظْهَرُ للعَدُوِّ كونهم في الصَّلاة ، فَهَهُنا يتنهزُون الفُرصة في الهُجُوم عليهم ، فلذلك خَصَّ الله [ - تعالى - ] هذا المَوْضِع بزِيَادَة تَحْذِير . ثم قال : { ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم } قد تقدم الكلام في [ " لو " ] الواقعة بعد " وَدَّ " في البَقَرَة [ آية : 109 ] . وقرئ : " وأمتعاتكم " وهو في الشُّذُوذِ من حَيْث إنَّه جَمْع الجَمْعِ ، كقولهم : أسْقِيات وأعْطِيَات . { فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً } أي : بالقِتَالِ ، أي : يتمنَّون لو وَجدُوكُم عَافِلِين عن أسْلِحَتِكُم ، فيقْصِدُونكم ويَحْملُون عَلَيْكُم حملة وَاحِدَة . رُوِيَ عن ابْن عَبَّاس : وجابر : أن النَّبي صلى الله عليه وسلم صلَّى بأصْحَابِه الظُّهْر ، ورأى المُشْرِكُون ذَلِكَ ، فَقَالُوا بعد ذلك : بِئْسَ ما صَنَعْنَا ، حيث ما أقْدمْنَا عليهم ، وعَزَمُوا على ذَلِكَ عند الصَّلاة الأخْرَى ، فأطْلَعَ اللَّهُ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم على أسْرَارِهِم بِهَذِهِ الآيَةِ . فصل قال الإمامُ أحمد - رحمه الله تعالى - : صحَّ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صلاة الخَوْفِ من خمْسة أوْجُه أوْ سِتَّة [ أوْجُه ] ، كل ذلك جَائِزٌ . الأول : إذا كان العَدُوُّ من جهة القِبْلَة ، صف الإمَامُ المُسْلِمِين خَلْفه صَفَّيْن ، فصلّى بهم جَميعاً إلى أن يَسْجُد ؛ فَيَسْجُد معه الصَّفُ الذي يَلِيهِ ، ويَحْرُس الآخَر ، فإذا قَامَ الإمَامُ إلى الثَّانِيةِ سجد الآخَر ولَحِقَهُ ، فإذا سَجَدَ للثَّانِيةِ ، سجد معه الصَّفُّ الذي حَرَس ، وحَرَس الأوَّل ، فإذا جَلَس للتَّشَهُّد ، سجد الأوَّل ، ولحقه في التَّشَهُّد ويسلم بهم . الثاني : إذا كان العَدُوُّ في غَيْرِ جهة القِبْلَة جعل طَائِفَة [ تجاه العَدُوِّ ، وطائفةً ] تُصَلِّي مَعَهُ رَكْعَة ، فإذا قَامَ إلى الثَّانِيةِ ثَبَت قَائِماً وأتمَّت لأنفُسِها أخْرى ، [ وسلمت ومضت إلى العَدُوِّ ، وجاءت الأخْرَى ، فَصَلَّت معه الثَّانِية ، فإذا جَلَس ، أنهت لأنفُسِهَا أخْرَى ] . وتشهدت ثم سَلَّم بهم ، وإن كانَت الصَّلاةُ مَغْرباً ، صلّى بالأولى رَكعتين وبالثَّانية ركْعَة ، وإنْ كانت رُباعيَّة ، صَلَّى بكل طائِفَةً ركْعَتَيْن وأتمَّت الأولَى ، بالحَمْد لله في كل رَكْعةِ ، والأخرى تتم بالحَمْد للَّه وسُورة ، وهل تُفَارِقُهُ الأولَى في التِّشَهُّدِ ، أوْ في الثَّانِيَة على وَجْهَيْن ، وإن فَرَّقَهُم أرْبَعاً ، فصلى بكلِّ طَائِفَةٍ ركْعَة ، صحَّت صلاة الأولَى وبَطَلَت صَلاَةُ الإمَامِ والآخرين وإن عَلموا بطلان صلاته ، أما بُطْلان صَلاَة الإمَام ؛ فلأجل انْتِظَارِه ؛ لأنه لَمْ يَرد الشَّرع بِهِ ، وأمَّا بطلان صَلاَة الآخرين ؛ فلأنهم ائتمُّوا بمن صلاته بَاطِلَةٌ ، فأمَّا إذَا لم يعلموا ، فهم مَعْذُورُونَ . الثالث : أن يُصَلِّي بطائِفَةٍ رَكْعَة ، ثم تمْضِي إلى العَدُوِّ ، وتأتي الأخْرَى ، فيُصلي بها رَكْعَةً ويسلم وَحْدَه وتمضي ، ثم تأتي الأخرى فتتم صلاتها وتمْضِي هي : ثم تأتي الأولى فتتم صلاتها . الرابع : أن يُصَلِّي بِكُلِّ طائفة صَلاَةً ، ويُسَلِّم بِهَا . الخامس : أن يُصَلِّي [ بكلِّ ] الرُّباعيَّة تامَّة ، وتصلي مَعَهُ كل طَائِفةِ رَكْعَتَيْن ولا يَقْضِي شَيْئاً ، فتكون له تامَّة ولَهُم مَقْصُورَة . فصل إذا اشْتَدَّ الخَوْف عند التحام الحَرْب ، يصلي كَيْفَما أمْكَن رِجَالاً ورُكْبَاناً إلى القِبْلَة وإلى غيرها يومئُون إيماءً بالرُّكوع والسُّجود ، وكَذَلِك كلّ خَائِفٍ على نَفْسِهِ فإن لم يَقْدر على الإيمَاءِ أخَّرُوا الصَّلاة إلى انْكِشَاف الحَالَةِ . قال مَالِكٌ وجماعة : يصلي الطَّالِب والمَطْلُوب كُلُّ واحد منهما على دَابَّتِهِ ؛ كالخائف سَوَاء . وقال الأوْزَاعِيّ ، والشَّافِعي ، وفُقَهَاء المُحَدِّثين ، وابن عَبْد الحكم : ولا يصَلِّي الطَّالِب إلاَّ بالأرْضِ . قال القُرْطُبِي : وهو الصَّحيحُ ؛ لأنَّ الطَّلب تَطَوُّعٌ ، والمكْتُوبَة فَرْضٌ ، والفرض إنَّما يُصَلَّى بالأرْض حَيْثُ ما أمْكَن . [ ثم ] قال - تعالى - : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ } فقوله : " أنْ تَضَعُوا " ؛ كقوله " أنْ تَقْصُرُوا " وقد تقدم ، " وخُذوا حِذْرَكُم " رَخَّصَ في وَضْع السِّلاح في حَالِ المَطَر والمَرَضِ ؛ لأن السِّلاح [ يثْقُل حَمْلُه في هَاتين الحَالَتَيْن ، أو لأن حدته تَفْسُد بالبَللِ ، ولمّا رَخَّص في وَضْعَ السِّلاح ] حالَ المَطَرِ والمَرَضِ ، أمر بالتَّيَقُّظ والحَذَر ؛ لِئَلاَّ يَهْجم العَدُو عليهم . " روى الكَلْبِيُّ : عن أبي صَالِح ، عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - نزلت في رسُول الله صلى الله عليه وسلم ، وذَلِكَ أنَّه غَزا مُحَارِباً وبني أنمارٍ ، فنزلوا ولا يَرون من العَدُوِّ أحداً ، فوضع النَّاس أسْلِحَتَهُم ، وخرج رسُول الله صلى الله عليه وسلم لِحَاجَة له قد وضع سِلاحه ، حتى قطع الوَادِي والسَّماء تَرُشُّ ، فَحَالَ الوادي بَيْنَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم وبين أصْحَابه ؛ فجلس رسُول الله صلى الله عليه وسلم في ظلِّ شجرة ، فَبَصُر بِهِ غوْرَث بن الحَارِث المُحَاربي ، فقال : قَتَلَنِي الله إن لم أقْتُلْه ، ثم انْحَدَر من الجَبَل ومعه السَّيْف ، فلم يَشْعُر به رسُول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو قَائِمٌ على رَأسِه ، ومعه السيف قد سلَّه من غمده ، فقال : يا مُحَمَّد من يعصمك مني الآن ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله ، ثم قال : اللّهم اكفني غورث بن الحارث بما شئت ، ثم أهْوَى بالسَّيف إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم ليضْرِبَهُ ، فانكب لوجْهِهِ من زَلْخَةٍ زُلخَها بَيْنَ كَتِفَيْه ، وندر سَيْفَه ، فقام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه ، ثم قال : يا غَوْرَث ، من يَمْنَعُك مِنِّي الآن ؟ قال : لا أحَد ، قال : تَشْهد ألا إله إلاَّ الله ، وأن محمَّداً عبده ورسُوله ، وأعطيك سَيْفك ؟ قال : لا ولكن أشهد ألا أقاتِلك أبَداً ولا أعينُ عليك عدوّاً ، فأعطاه رسُول الله صلى الله عليه وسلم سَيْفَه ، فقال غَوْرَث : والله أنْتَ خَيْرٌ مِنِّي ، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أجلْ أنا أحَقُّ بذلك مِنْك ، فرجَعَ غَوْرَث إلى أصْحَابِه ، فقالوا : ويْلَك ما مَنَعَك مِنْهُ ، قال : لقد أهْوَيتُ إليه بالسَّيْف لأضربه فوالله ما أدْرِي من زَلَخَنِي بين كَتفي فخررت لوجِْهي ، وذكر حَالَه قال : وسكن الوادي ، فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الوادي وأصْحَابه فأخبرهم الخبر ، وقرأ هذه الآية : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ } " أي : من عدُوِّكم ، وقال سعيدُ بن جُبَير عن ابن عبَّاس في هذه الآية : كان عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْف جَرِيحاً . فصل أمر أولاً بأخذ الحَذَر والأسلحة ، فَدَلَّ على وُجُوبه ، ويؤكِّدُه قوله ههنا : لا جناح عليكم إن كانَ بِكُمْ أذَى من مَطَرٍ أَوْ كنتم مَرْضَى [ أن تضعوا أسلحتكم ] فخصَّ رفع الجُنَاح في وَضْع السِّلاح بهاتين الحَالَتين ، وذلك يَدُلُّ على أنَّ ما عَدَا هَاتَيْن الحَالَتَيْن ، يكون الإثْم والجناحُ حَاصِلاً بسبب وضع السِّلاحِ . وقال بعضُهم : إنه سُنَّةٌ مؤكَّدة ، ثم الشَّرط : ألاَّ يحمل سِلاحاً نجساً إن أمْكَنة ولا يَحْمِل الرُّمح إلاَّ في طَرف الصَّفِّ ، بِحَيْث لا يَتَأذَّى به أحَد . فصل دَلَّت الآيَة على وُجُوب الحَذَر من العَدُوِّ ، فتدلُّ على وُجُوب الحَذَرِ عن جَمِيع المَضَارِّ المظْنُونة ؛ كالعِلاَج بالدَّوَاء والاحترازِ عَنِ الوَبَاءِ وعن الجُلُوس تَحْتَ الجِدَارِ المَائِل . فصل قالت المُعتَزِلَة : الأمر بالحَذَر يدلُّ على كَوْن العَبْدِ قادراً على الفِعْل والتَّرْكِ ، وعلى جميع وجوه الحَذَر ، وذلك يَدُلُّ على أنَّ فِعل العَبْد لَيْسَ مَخْلُوقاً للَّه - تعالى - . وجوابه : المُعَارَضَة بِمَسْألة العِلْمِ والدَّاعي . ثم قال - تعالى - : { إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } أخْبر [ - تعالى - ] بأنه يُهِينهم ويَخْذُلهم ؛ تقوية لقُلُوب المُسْلِمِين .