Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 104-104)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر بَعْض الأحْكَام الَّتِي يحتَاج المُجَاهِد إلى مَعْرِفتها ، عاد مَرَّة أخرى إلى الحَثِّ على الجِهَاد ، فقال : " وَلاَ تَهِنُوا " أي : ولا تَضْعُفُوُا ، ولا تَتَوانَوْا ، الجمهورُ : على كَسْر الهاء ، والحَسن : على فتحها من " وَهِن " بِالكَسْر في الماضِي ، أو من " وهَن " بالفَتْح ، وإنما فُتِحَت العَيْن ؛ لكونها حَلْقِيةً ، فهو نحو : يَدَع . وقرأ عُبَيْد بن عُمَيْر : " تُهَانَوْا " من الإهانة مبنيَّاً للمَفْعُول ، ومعناه : لا تَتَعاطَوا من الجُبْنِ والخَوَر ، ما يكون سَبَباً في إهَانتكم ؛ كقولهم : " لا أرَيَنَّك هَهُنَا " . وقوله : { فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } أي : في طَلَبِهِم ، وسبب نزولها : أنَّ أبا سُفْيَان وأصْحَابَهُ لمَّا رَجَعُوا يوم أُحُد ، بعث رسُول الله صلى الله عليه وسلم [ طائفة ] في آثارِهِم ، فَشَكُوا ألَم الجِرَاحِ ، فقال - تعالى - : { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } أي لا تَضْعُفُوا في طلب أبِي سُفْيَان وأصْحَابَهُ ، { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ } : تتوجَّعُون من الجِرَاح ، " فإنَّهُمْ يَألَمُون " أي : يتوجَّعُونَ كما تألمون ، والمَعْنَى : أنَّ حصُول الألَمِ قدر مُشْتَركٌ بينكم وبَيْنَهُم ، فلمَّا لم يَكُنْ خوف الألَمِ مانِعاً لَهُم عن قِتَالِكُم ، فكيف يَصير مَانِعاً لكم عن قِتَالِهِم . قرأ يَحْيَى بن وَثَّاب ، ومنصور بن المُعْتَمِر : " تِئلمون فإنهم يِئلمون كما تِئلمون " بكسر حَرْفِ المُضارَعَةِ ، وابن السَّمَيْفَع : بكسر تَاءِ الخطَاب فقط ، وهذه لُغَةٌ ثَابِتَة ، وقد تقدم في الفَاتِحَة أنَّ مَنْ يَكْسِرُ حَرفَ المُضَارعة يَسْتَثْني التَّاء ، وتقدم شُذُوذ " تِيجَل " ووجْهه ، وزاد أبُو البقاء في قِرَاءة كَسْر حَرْف المُضَارعة قَلْبَ الهَمْزَة ياءً ، وغيرُه أطلق ذلك . وقرأ الأعْرَج : " أن تَكُونُوا تألَمون " بفتح هَمزة " أنْ " والمعنى : ولا تَهِنُوا لأنْ تَكُونوا تألمون . وقوله : { فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ } تعليل قوله : { وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ } [ أي : وأنتم مع ذَلِكَ تأمَلُون من الأجْر والثواب في الآخرة ، والنَّصَر في الدُّنْيَا ما لا يَرْجُون ] ، فأنتم أوْلَى بالمُصَابَرةِ على القِتَال من المُشْرِكين ؛ لأن المُؤمِنِين مُقِرُّون بالثَّوَاب والعِقَابِ ، والحَشْر والنَّشر ، والمُشْرِكون لا يقرون بذلِك ، فإذا كانُوا مع إنْكَارِهِم ذلك مُجِدِّين في القِتَالِ ، فأنتم أيُّهَا المؤمِنُون المُقِرُّون بأنَّ لكم في الجِهَادِ ثَوَاباً ، وعليكم في تَرْكِهِ عِقَاباً أوْلَى بالجِدَّ في الجَهَادِ . وقال بَعْض المُفَسِّرين : المراد بالرَّجَاء : الخَوْف ؛ لأنَّ كل رَاج خَائِفٌ ألاَّ يُدْرِك مأمُولَهُ ، ومعنى الآيَة وترجُونَ ، أي : تَخَافُون من عَذَاب اله ما لا يَخَافُون . قال الفرَّاء : ولا يكون الرَّجَاءُ بمعنى الخَوْف إلا مع الجدِّ ؛ كقوله - تعالى - : { قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ } [ الجاثية : 14 ] ، [ أي : لا يَخَافُون ] ، وقال - تعالى - : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [ نوح : 13 ] أي : لا تَخَافُون للَّه عِظَة ، ولا يجُوز : رَجَوْتُك ، يَعْنِي : خِفْتُك ، وأنت تُرِيد : رَجَوْتُك . قال ابن الخَطِيب : ويُحْتَمَل أنَّكم تَعْبُدون الإله ، العَالِم القَادِر ، السَّمِيع ، البَصِير ، فيصحُّ منكم أنْ تَرْجُوا ثَوَابَه ، وأما المُشْرِكُون : فإنَّهم يَعبدون الأصْنَام وهي جَمادَات ؛ فلا يَصِحٌّ منهم أنْ يَرْجُوا منها ثَوَاباً ، أو يَخَافُوا منها عِقَاباً . ثم قال : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } أي : لا يُكَلِّفُكُم إلاَّ ما يَعْلَم أنَّه سَبَب لِصَلاحِ دِينكُم ودُنْيَاكُم ، وقد تقدم [ أنَّه إذا ] ذكر " الحَكِيم " بعد قوله : " العَلِيم " فالمرادَ بالحَكيم : أنه العَالِمُ بَعَواقِب الأمُور ، وقالت المُعْتَزِلَةُ : المُرادُ بالحَكِيم : هو الَّذِي يضع الأسْبَاب للمصَالِح .