Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 105-107)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في كيفية النَّظم وجُوهٌ : أحدُها : أنَّه - تعالى - لما شَرَح أحْوَال المُنافِقِين وأمْر بالمُحَارَبَة ، وما يتَّصِل بها من الأحْكَام الشَّرْعِيَّة ، مثل قَتْل المسلم خَطَأ وصَلاَة المُسَافِر ، وصلاة الخَوْف ، رجع بَعْد ذَلِك إلى بَيَان أحْوَال المُنَافِقِين ؛ لأنَّهم كانوا يُحَاوِلُون [ حَمْل ] الرَّسُول - عليه الصلاة والسلام - على أنْ يَحْكُم بالبَاطِل ويترك الحكمَ بالحَقِّ ، فأمره الله - تعالى - بألاَّ يلتَفِت إليْهِم في هذا البَابِ . وثانيها : أنه - تعالى - لمَّا بيَّن الأحْكَام الكَثِيرة في هذه السُّورة ، بيَّن أنَّها كلها إنَّما عُرِفَت بإنْزَال الله - تعالى - ، وأنَّه ليس للرَّسُول أن يَحِيد عَنْ شَيْءٍ منها ؛ طلباً لِرِضا القَوْمِ . وثالثها : أنَّه - تعالى - لما أمَر بالمجاهدة مَعَ الكُفَّار ، بَيَّن أن الأمْر وإن كَانَ كَذَلِك ، لكنه لا يَجُوزُ الخِيَانَة مَعَهُم ولا إِلْحَاق ما لَمْ يَفْعَلُوا بهم ، وأنَّ كُفْر الكَافِر لا يصحُّ المُسَامَحة له ، بل الوَاجِبُ في الدِّين : أن يحْكم له وعَلَيْه بِمَا أنْزَل اللَّه على رسُولِهِ ، وإن كان لا يَلْحَق الكَافِر حَيْفٌ ؛ لأجْل رِضَى المُنَافِقِ [ قول : " بالحَقِّ " : في محلِّ نصبٍ على الحَالِ المُؤكِّدة ، فيتعلَّق بمحذوفٍ ، وصاحبُ الحَالِ هو الكِتَابُ ، أي : أنزلناه مُلْتبساً بالحَقِّ ، و " لتحكمْ " : متعلِّق بـ " أنْزلنا " ، و " أراك " متعدٍّ لاثنين : أحدهما : العائدُ المَحْذُوفُ ، والثاني : كافُ الخطَابِ ، أي : بما أراكَهُ الله . والإراءَةُ هنا : يجوزُ أن تَكُون من الرَّأي ؛ كقولك : " رأيتُ رَأيَ الشَّافِعِي " ، أو من المَعْرِفة ، وعلى كلا التَّقْدِرين ؛ فالفعلُ قبل النَّقْل بالهَمْزة متعدٍّ لواحد ، وبعدَه مُتَعَدٍّ لاثنين ] . وقال أبو عَلِيٍّ الفَارِسِي : [ قوله ] " أرَاكَ اللَّهُ " إمّا أن يَكُون مَنْقُولاً بالهَمْزَة من " رَأيْت " ، الَّتِي يُرَاد بها رُؤْيَةُ البَصَر ، أو من " رَأيْت " [ الَّتِي ] تتعدَّى إلى مَفْعُولَيْن ، أو من " رأيْتُ " الَّتِي يُرَاد بها الاعْتِقَاد . والأوَّل : بَاطِلٌ ؛ لأنَّ الحُكْمَ في الحَادِثَةِ لا يُرَى بالبَصَر . والثاني : أيضاً بَاطِلٌ ؛ لأنَّه يَلْزَم أن يَتَعَدَّى إلى ثَلاَثَة مَفَاعِيل بسبب التعدية ومعلوم : أنَّ هذا اللَّفْظ لم يَتَعَدَّ إلاَّ إلى مَفْعُولين : أحدُهُما : كاف الخِطَابِ ، والآخر المَفْعُول المقدَّر ، وتقديره : بما أرَاكَهُ الله ، ولمَّا بَطَل القِسْمَان ، بقي الثَّالِث ، وهو أنَّ المُرَاد مِنْه : " رأيت " بمعنى : الاعْتِقَاد . فصل في معنى الآية معنى الآيَةِ : بما أعْلَمَكَ اللَّه ، وسُمِّي ذلك العِلْم بالرُّؤيَة ؛ لأن العِلْم اليَقِينِيِّ المُبَرَّأ عن الرَّيْب يكون جَارِياً مُجْرَى الرُّؤية في القُوَّة والظُّهُور ، وكان عُمَر يقُول : لا يَقُولَنَّ أحدُكُم قَضيتُ بما أرَانِي [ اللَّه ] ، فإن اللَّه - تعالى - لم يَجْعَلْ ذلك إلا لِنَبِيِّه صلى الله عليه وسلم ، وأما الوَاحِد منَّا فرأيُهُ يَكُون ظَنًّا ، ولا يكون عِلْماً . وإذا ثَبَت ذَلِكَ قال المحققون : دَلَّت هذه الآيَةِ على أنَّه - عليه الصلاة والسلام - ما كان يَحْكُم إلا بِالوَحْي والنَّصِّ ، وإذا كان كَذَلِك ، فيتفَرَّعُ عليه مَسْألتانِ : الأولَى : أن النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يَجُز لَهُ الاجْتِهَاد . والثانية : أنَّه - عليه الصلاة والسلام - إذا لم يَجُز له أنْ يحكم إلا بالنَّصِّ ، وجَبَ أن تكُونَ أمَّتُهُ كَذَلِكَ ؛ لقوله - تعالى - { وَٱتَّبِعُوهُ } [ الأعراف : 158 ] وإذا كان كَذَلِك ، حَرُمَ العَمَلُ بالقِيَاسِ . والجَوَابُ : أنه لما قَامَت الدَّلاَلَة على أنَّ القِيَاس حُجَّة ، كان العَمل بالقِيَاسِ عَمَلاً بالنَّصِّ في الحَقِيقَةِ ؛ لأنَّه يَصِير التَّقْدير : أنه - تعالى - قال : مَتَى غَلَب على ظَنِّك أن حكم الصُّورَة المَسْكُوت عنها ، مثل حُكْم الصُّورَة المَنصُوص عَلَيْها ، بسبب أمرٍ جامعٍ [ فاعْلم : أنَّه تكليفي في حَقِّك أن تَعْمَل ] بِمُوجِبِ ذلكِ الظَّنِّ ، وإذا كان كَذَلِك ، كان العَمَل بالقِيَاسِ عَمَلاً بالنَّصِّ . قوله : " للخائنين " متعلِّق بـ " خَصِيماً " واللامُ : للتَّعْلِيل ، على بَابِها ، وقيل : هي بِمَعْنى : " عن " ، ولَيْسَ بشيء ؛ لصِحَّة المَعْنَى بدون ذَلِك ، ومفعولُ " خصيماً " : محذوفٌ ، تقدِيرُه : " خَصِيماً البُرَآء " ، وخَصِيمٌ : يجو أن يَكُون مِثَال مبالغةٍ ، كضريبٍ ، وأن يكون بمعنى : مُفاعل ، نحو : خَلِيط وجَلِيس بمعنى : مُخاصِم ومُخالِط ومُجالِس . قال الوَاحِدِي : خَصْمُك الذي يُخَاصِمُك ، وجمعه : الخُصَمَاء ، وأصْلُه من الخصْم : وهُو ناحية الشَّيْءِ ، والخصْم : طَرْف الزَّاوِيَة ، وطَرَف الأشْفَار ، وقيل للخَصْمَين : خَصْمَان ؛ لأنَّ كل واحدٍ منهما في نَاحِيَةٍ من الحُجَّة والدَّعْوى ، وخُصُوم السَّحَابة : جَوَانِبها . فصل : في سبب نزول الآية روى الكلبي ، عن أبي صَالح ، عن ابن عبَّاسٍ ، قال : نزلت هذه الآية في رَجُلٍ من الأنْصَار ، يقال له : طعمة بن أبَيْرِق من بني ظَفر بن الحارث ، سرقَ دِرْعاً من جَارٍ له يُقَال له : قتادة بن النُّعْمَان ، وكانت الدِّرْع في جراب له فيه دَقِيقٌ ، فجعل الدَّقِيق يَنْتَثِر من خِرْق في الجِرَاب ، حتى انْتَهَى إلى الدَّار ، ثم خَبَّأها عند رَجُلٍ من اليَهُود ، يُقال له : زَيْد ابن السَّمِين ، فالتُمِسَتِ الدِّرْع عند طعمة ، فحَلَف بالله ما أخَذَها وما لَهُ بها من علم ، فقال أصْحَابُ الدِّرْع : لقد رَأينا أثر الدقيق حتى دخل دَارَه ، فلما حَلَف ، تركوه واتَّبَعُوا أثر الدقيق إلى مَنَزِل اليَهُودِيِّ ؛ فأخذوه منه ، فقال اليَهُودِيُّ : دفعها إليّ طعمة بن أبَيْرِق ، فجاء بنو ظفر وهم قوم طُعْمَة إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم ، وسألُوه أن يُجادل عن صَاحِبِهم ، وقالوا له : إنك إن لم تَفْعَل ، افْتَضَحَ صَاحِبُنا ، فهمَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعاقِب اليَهُودِي . ويُروى عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عَنْهُما في رواية أخْرى : أن طعمة سَرَق الدِّرْع في جِرَابٍ فيه نخالة ، فخرق الجِرَاب حَتَّى كان يَتَنَاثر منه النُّخَالة طُول الطَّرِيق ، فجاء به إلى دَارِ زيْد السَّمِين وتركه على بابه ، وحَمَل الدِّرْع إلى بَيْتِه ، فلما أصْبَح صاحِبُ الدِّرْع ، جاء على أثَر النُّخَالة إلى دار زَيْدٍ السَّمين ، فأخذه وحمله إلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، فهم النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يَقْطع يد زَيْد اليَهُودِي . وقال مقاتل : إن زيداً السَّمين أوْدَع درعاً عند طعمة فَجَحَدَها طعمة ، فأنْزَل الله تعالى قوله : { إِنَّآ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } بالأمْر ، والنَّهْي ، والفَصْل ، { لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ } : بما علّمَكَ الله وأوْحَى إليْك ، { وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ } : طعمة ، " خصيماً " : مُعيناً مُدَافِعاً عنه . وهذه القِصَّة تَدُلُّ على أن طعمة وقوْمَه كانوا مُنَافِقِين ؛ لأنهم طلبوا البَاطِل ، ويؤكِّدُه قوله - تعالى - : { وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ } [ النساء : 113 ] . ثم رُوي : أن طعمة هَرَب إلى مَكَّة وارتَدَّ ، وثَقَب حَائِطَاً ؛ ليَسْرِق ، فسقط الحَائِط عَلَيْه فمات . فصل قال الطَّاعِنُون في عِصْمة الأنْبِيَاء - عليهم الصلاة والسلام - : دلَّت هذه الآيةُ على صُدُور الذَّنْب من الرَّسُول - عليه الصلاة والسلام - فإنَّه لَوْلاَ أن الرسُول - [ عليه الصلاة والسلام ] أراد أن يُخَاصِم لأجْل الخَائِن ويذب عنه ، وإلاّ لما وَرَدَ النَّهْي عَنْه . والجوابُ : أنه لمَّا ثَبَتَ في الرِّواية : أنَّ قوم طعمة لما التمسُوا من الرَّسُول - عليه الصلاة والسلام - أن يَذُبَّ عن طعمة ، وأنْ يُلْحِق السَّرقة باليَهُودِيِّ توقف وانتظر الوَحْي ، فنزلت الآيَة ، وكان الغَرَضُ من هذا النَّهْي : تَنْبيه النبيّ - عليه الصلاة والسلام - على أنَّ طعمة كَذَّابٌ ، وأن اليَهُودِيَّ بريءٌ من ذَلِك الجُرْمِ . فإن قيل : الدَّليل على أنَّ الجُرْم قد وَقَعَ من النَّبِي - عليه الصلاة والسلام - قوله بعد ذلك : { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } والأمر بالاسْتِغْفَار ، يدل على صُدُور الذَّنْبِ . فالجواب : من وجوه : الأوَّل : لعله مَالَ طَبْعُهُ ، إلى نُصْرة طعمة ؛ بِسَبَبِ أنه كَانَ في الظَّاهِر من المُسْلِمِين ؛ فأمر بالاسْتِغْفَار لهذا القَدْر ، وحَسَنَاتُ الأبْرَار سَيِّئَات المُقَرَّبين . الثَّاني : أن القَوْم لما شَهِدُوا بِبَراءَة طعمة ، وعلى اليَهُودِيِّ بالسَّرِقَة ، ولم يَظْهَر للرَّسُول - عليه الصلاة والسلام - ما يُوجِب القَدْح في شَهَادَتِهم ، هَمَّ بأن يَقْضِي بالسَّرِقة عَلَى اليهودي ، ثمَّ لما أطْلَعَهُ اللَّه على كَذِب أولَئكَ الشُّهُود ، عَرَف أنَّ ذلك القَضَاء لو وَقَعَ ، لكان خَطَأ في نَفْسِه ، وإن كَانَ مَعْذُوراً عند اللَّه [ - تعالى - ] [ فيه ] . الثالث : قوله : " واستغفر الله " يُحْتَمل أن يكُون المُرادُ : واستغفر الله لأولئك الَّذين يَذُبُّون عن طعمة ، ويُرِيدُون أن يُظْهِرُوا بَرَاءَته . الرابع : قيل : الاسْتِغْفَار في حَقِّ الأنْبِياء بعد النُّبُوَّة على أحَدِ الوُجُوه الثَّلاثة : إما لِذَنْب تَقَدَّم قبل النُّبُوَّة ، أو لِذُنُوب أمَّته وقَرَابتِه ، أو لِمُبَاح جاء الشَّرْع بتحريمِهِ ، فيتركه بالاسْتِغْفَار ، والاسْتِغْفَار يَكُون مَعْناه : السَّمع والطَّاعة لحُكْمِ الشَّرْع . ثم قال : { وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ } أي : يَظْلمون أنفُسَهُم بالخِيَانَة والسَّرقة وقِبَلها . أمر بالاسْتِغْفَار على طَرِيق التَّسْبِيحِ ؛ كالرجل يَقُول : أسْتَغْفِر اللَّه ، على وجْه التَّسْبِيح من غَيْر أن يَقْصِد تَوْبةً من ذَنْبٍ . وقيل : الخِطَاب للنَّبِي صلى الله عليه وسلم ، والمراد : ابن أبَيْرقِ ؛ كقوله : { يَۤا أَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ } [ الأحزاب : 1 ] [ وقوله : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ } [ يونس : 94 ] والمراد بالذين يختانون طعمة ومن عاوَنَهُ من قَوْمِه ، والاخْتِيَان : كالخِيَانَةِ ؛ يقال : خَانَهُ واخْتَانَهُ ، وقد تقدَّم عِنْد قوْله : { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ } [ البقرة : 187 ] ، [ وإنما قال لطعمة وللذَّابِّين عنه : إنهم يختَانُون أنفُسَهُم ] ؛ لأن مَنْ قدم على المَعْصِيَة ، فقد حَرَمَ نفسه الثَّوَابَ ، وأوصَلَهَا إلى العِقَاب ، فكان ذلك مِنْهُ خِيَانة لِنَفْسِهِ ؛ ولِهَذا المَعْنَى ، قيل لِمَن ظَلَم غيره : إنَّه ظلم نَفْسَه ، وفي الآيَة تهديدٌ شَدِيدٌ على إعانَة الظَّالِم ؛ لأن الله - تعالى - عاتب النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم على همِّه بإعَانَة طعمة ، مع أنَّه لم يَكُن عَالِماً بظُلْمِهِ ، فكيف حَالُ من يَعْلم ظلم الظَّالِم ، ويعينُه عَلَيْه . ثم قال : { إنَّ اللَّه لا يُحِبُّ } أي : لا يَرْضى عن { مَنْ كَان خَوَّاناً أَثِيماً } يريد : خَوَّاناً في الدِّرْع ، أثيماً في رَمْيه اليَهُوديَّ . وقيل : إنَّه خطابٌ مع النَّبِي صلى الله عليه وسلم والمراد به : غيره ؛ كقوله : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } [ يونس : 94 ] . فإن قيل : قوله - تعالى - : { مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً } صيغة مُبالَغَة تَدُلُّ على تَكْرَار ذَلِكَ [ الفِعْل مع أن الصَّادِر عَنْه خِيَانة وَاحِدَة ، وإثمٌ واحدٌ . فالجواب : أنَّ الله - تعالى - عَلِم أنه ] كَانَ في طَبْعَ ذَلِكَ الرَّجُل الخيانة الكَثِيرة والإثْمِ الكَبِير ، فذكر اللَّفظ الدَّالَّ على المُبَالَغَة ؛ بسبَبِ ما كان في طَبْعِهِ من المَيْل إلى ذَلِك ، ويدُلُّ عليه : ما ذَكر [ أنَّه ] بعد هذه الوَاقِعَة هَرَبَ إلى مَكَّة ، وارتدّ ونَقَبَ حائِط إنْسَان ، لأجْلِ السرقة ، فسقط الحَائِطُ عليْه ومات ، ومن كانت خَاتِمَتُه كَذَلِك ، لم يُشَكّ في حَالِه ، وأيضاً : فإنَّه طَلَبَ من النبي - عليه الصلاة والسلام - أنْ يرفَعَ السَّرِقَةَ عَنْه ، ويُلْحِقَها باليَهُودِيِّ ، وهذا يُبْطِل رِسَالة الرَّسُول ، ومن حَاوَل إبْطَال رسَالة الرَّسُول وأراد كذبَهُ ، فقد كَفَر ؛ فلهذا المَعْنَى وَصَفَهُ اللَّه [ - تعالى - ] بالمُبَالَغَة في الخِيَانة والإثْمِ . وقد قيل : إذا عَثرْت من رَجُلٍ على سَيِّئَةٍ ، فاعلم أنَّ لها أخَوَاتٍ . وعن عُمَر - رضي الله عنه - : أنَّه أخذ يَقْطَع يَدَ سَارِقٍ ، فجاءَتُهُ أمُّه تَبْكِي وتقُول هذه أوّل سَرِقة سرقها فاعْفُ عنه ، فقال : كَذَبْت إنّ الله لا يؤاخِذُ عَبْدَه في أوّل الأمْر .