Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 113-113)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال القُرْطُبِي : ما بَعْد " لَوْلاَ " مرفوعٌ بالابْتِدَاء عند سِيبَويْه ، والخَبَر مَحْذُوف لا يَظْهَر ، والمَعْنَى : ولولا فَضْلُ اللَّه عَليكَ ورَحْمَتُه بأن نبَّهك على الحَقِّ ، وقيل : بالنُّبُوءَة والعِصْمَة ، { لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ } عن الحق . قال شهاب الدين : في جواب " لولا " وجهان : أظهَرُهُمَا : أنه مَذْكُورٌ ، وهو قوله : " لَهَمَّتْ " . والثاني : أنه مَحْذُوفٌ ، أي : لأضلُّوك ، ثم اسْتأنَفَ جُمْلة فقال : " لَهَمَّتْ " أي : لقد هَمَّتْ . قال أبو البقاء في هذا الوَجْه ، ومثلُ حذفِ الجَوابِ هنا حَذْفُه في قوله : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } [ النور : 10 ] وكأنَّ الذي قَدَّر الجوابَ مَحْذُوفاً ، استشكل كَوْنَ قوله : " لهمتْ " جواباً ؛ لأنَّ اللَّفْظ يقتضي انْتِفَاء هَمِّهم بذلك ، والغرضُ : أنَّ الواقع كوْنُهم همُّوا على ما يُرْوَى في القصَّة ؛ فلذلك قدَّره مَحْذُوفاً ، والذي جَعَلَه مثبتاً ، أجَابَ عن ذلك بأحَدِ وَجْهَيْن : إمَّا بتَخْصيص الهَمِّ ، أي : لَهَمَّتْ هَمّاً يؤثِّر عندك . وإمَّا بتخصيص الإضْلال ، أي : يُضِلُّوك عن دينك وشريعتك ، وكلا هذيْن الهمَّيْن لم يقع . و " أَن يضلُّوك " على حَذْف الباء ، أي : بأن يُضِلُّوك ، ففي مَحَلِّها الخِلافُ المَشْهُور ، و " مِنْ " في " مِنْ شَيء " زائدةٌ ، و " شيء " يراد به المَصْدرُ ، أي : وما يَضُرُّونك ضَرَراً قليلاً ، ولا كثيراً . فصل هذا قول للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ لَوْلا أن خَصَّكَ الله بالنُّبُوَّة والرَّحمة ، " لهمت طائفة " : لقد هَمَّتْ طائفة ، أي : أضْمَرَت طَائِفَة منهم ، يعني : قَوْم طعمة ، " أَن يضلوك " أي : يُخَطِّئُوك في الحُكْم ، ويُلْبِسُوا عليك الأمْر ؛ حَتَّى تدافع عن طعمة ، { وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ } يعني : يرجع وَبالُهُ عليهم ، { وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ } فيه وَجْهَان : الأوَّل : قال القفَّال - رحمه الله تعالى - وما يضُرُّونك في المُسْتَقْبل ، فوعده - تعالى - بإدَامَة العِصْمَة لما يُرِيدُون من إيقَاعِه في البَاطِل . الثَّاني : المَعْنَى : أنَّهم وإنْ سَعوْا في إلْقَائك فأنْتَ ما وقَعْتَ في البَاطِل : لأنَّك بنيت الأمر على ظَاهِر الحَال ، وأنت ما أمرت إلا بِبِنَاءِ الأحْكَام على الظَّاهِر . ثم قال : { وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة } وهذا مؤكد لذلك الوَعْد إن فَسَّرْنا قوله : { وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ } بالوَعْد والعِصْمَة في المُسْتَقْبل ، يعني : لما أنْزَل عليك الكتاب والحكمة ، وأمر بِتَبْلِيغ الشَّريعة إلى الخَلْقِ ، فكيف يَلِيقُ بحكمته ألاَّ يَعْصِمَك عن الوُقُوع في الشُّبُهَات ، وإن فَسَّرْنا الآية بأنَّه - عليه الصلاة والسلام - كان مَعْذُوراً في بناء الحُكْم على الظَّاهر ، كان المَعْنَى : وأنزل عليك الكتاب والحكمة ، وأوْجَبَ فيها بِنَاء أحكام [ الشَّرْع ] على الظَّاهر ، فكيف يَضُرُّك بناء الأمْر على الظَّاهِر . قال القُرْطُبِي : قوله [ تعالى ] : { وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة } ابْتِداء كلام . وقيل : " الواو " للحال ؛ كقوله " جئتك والشمس طالعة " ، والكلام مُتَّصِلٌ ، أي : [ ما يَضُرُّونك من شَيْء مع إنْزَال اللَّه عليك ] القُرْآن ، " والحِكْمَة " : القَضَاء بالوَحْي . ثم قال : { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ } . قال القَفَّال : هذه الآيَة تَحْتَمِلُ وَجْهَيْن : أحدهما : أن يكُون المُراد [ ما يتعَلَّق ] بالدِّين ؛ كما قال : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [ الشورى : 52 ] فيكون تَقْدِير الآيَة : أنْزَل عليك الكتاب والحِكْمة ، وأطْلَعَك على أسْرَارِهَا ، مع أنَّك قبل ذَلِك لم تكن عَالِمَاً بشيء منهما ، فكَذَلِكَ يفْعَل بك في مُسْتَأنف أيَّامك ، لا يَقْدِر أحدٌ من المُنَافِقِين على إضلالك . الثاني : أن المُراد : وعَلَّمك ما لم تكُن تَعْلَم من أخْبَار الأولِين ؛ فكذلك يُعَلِّمك من حِيَل المُنَافِقِين وَوُجوه كَيْدِهِم ، ما تَقْدِر [ به ] على الاحتراز عن كَيْدهم ومَكْرِهِم . { وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } . وهذا يَدُلُّ على أنَّ العِلْم أشْرَف الفَضَائِلِ والمَنَاقِب ؛ لأنَّ الله - تعالى - ما أعْطَى الخَلْق من العِلْم إلا القَلِيل ؛ لقوله - تعالى - : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 85 ] ثم إنَّه سمَّى ذلك القَلِيل عَظِيماً ، وسمَّى جَمِيع الدُّنْيَا قَلِيلاً ، لقوله [ - تعالى - ] : { قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } [ النساء : 77 ] وذلك يَدُلُّ على شَرَف العِلْم .