Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 114-114)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الوَاحِدِي : النَّجْوى في اللُّغَة سر بين اثْنَيْن ، يُقَال : ناجَيْت الرَّجل مُنَاجَاة ونِجَاء ، ويقال : نجوت الرَّجُل أنْجُو بِمَعْنَى : نَاجَيْتُه ، والنَّجْوى قد تكون مَصْدراً بمنزلة المُنَاجَاةِ ، قال - تعالى - : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } [ المجادلة : 7 ] وقد يُطْلَق على الأشْخَاص مَجَازاً ، قال - تعالى - : { وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ } [ الإسراء : 47 ] ومَعْنَاها : المُسَارّة ، ولا تكون إلا مِن اثْنَيْن فأكثَر . وقال الزَّجَّاج : [ النَّجْوى ] ما تفرَّد به الاثْنَان فأكْثر ، سِرًّا كان أو ظَاهِراً . وقيل : النَّجْوى جمع نَجِيّ ؛ نقله الكَرْمَاني ، والنَّجْوى مشتقَّةٌ من نَجَوْتُ الشيء ، أنْجُوه ، إذا خَلَّصْتَه وأفْرَدْتَه ، والنَّجْوة المُرْتَفِعُ من الأرْضِ ؛ لانْفِرَاده بارتفاعه عمَّا حَوْله . فصل فيمن المقصود بالآية ؟ والمراد بالآية : قَوْم طعمة . وقال مُجَاهد : الآية عَامَّة في حَقِّ جميع النَّاسِ ، والنَّجْوى : هي الإسْرَار في التَّدْبِير . وقيل : النَّجْوى : ما يَنْفَرِدُ بِتَدْبِيرِه قَوْمٌ ، سِرّاً كان أوْ عَلاَنِيَة ، ومَعْنَى الآيَة : لا خَيْر في كَثِيرٍ مما يُدَبِّرُونه بَيْنَهُم ، إلاَّ من أمَرَ بِصَدَقَة ، أوْ معروفٍ ، أو إصلاحٍ بين النَّاسِ فالاستِثْنَاء يكون مُتَّصِلاً ، وقيل : هو استِثْنَاء مُنْقَطِع بمعنى : لكن من أمر بِصَدقَةٍ ، وهذان القَوْلان مبنيّان على أن النَّجْوى يجوز أن يراد بها : المَصْدرُ كالدَّعْوى ؛ فتكون بِمعنَى : التناجي ، وأنْ يُرادَ بها : القَوْمُ المتناجُون إطلاقاً للمَصْدرِ على الوَاقِع منه مجازاً ، نحو : " رجلٌ عَدْلٌ وصَوْمٌ " . فعلى الأول يكون مُنْقَطِعاً ؛ لأنَّ مَنْ أمَر لَيْس تَنَاجِياً ؛ فكأنه قيل : لكنْ مَنْ أمَر بصدَقةٍ ، ففي نَجْوَاه الخيرُ ، والكوفِيُّون يقدِّرون المُنْقَطع بـ " بل " ، وجعل بعضهم الاستِثْنَاء متَّصِلاً ، وإنْ أُريد بالنَّجْوى : المصدرُ ، وذلك على حَذْفِ مُضَافٍ ؛ كأنه قيل : إلا نَجْوَى مَنْ أمر وعلى هذا يَجُوز في مَحَلِّ " مِنْ " وجهان : أحدهما : الخَفْضُ بدل من " نَجْوَاهُم " ؛ كما تقول : " ما مَرَرْتُ بأحد إلا زَيْدٌ " . والثاني : النَّصْب على الاستِثْناء [ كما تقول : مَا جَاءني أحَدٌ إلا زَيْدٌ ، على الاستثناء ؛ ] لأنَّ هذا استِثْنَاء الجِنْس من الجِنْس وإن جعلنا النَّجْوى بِمَعنى : المُتَناجين ، كان مُتَّصِلاً ، وقد عَرَفْتَ مِمَّا تقدَّم أن المنقطع مَنْصُوبٌ أبداً في لغة الحِجاز ، وأنَّ بَنِي تَمِيم يُجرونه مُجْرى المُتَّصِل ، بشرط توجُّه العَامِل عليه ، وأنَّ الكَلاَمَ إذا كان نفياً أو شبهه ، جاز في المُسْتَثْنَى الإتباعُ بدلاً ، وهو المختار ، والنَّصْبُ على أصْل الاستِثْنَاء ، فقوله " إلا مَنْ أمَر " : إما مَنصُوبٌ على الاستِثْنَاء المُنْقَطِع ، إنْ جَعَلْتَه مُنْقطعاً في لغة الحِجَاز ، أو على أصْلِ الاستِثْنَاء إن جعلته مُتَّصلاً ، وإمَّا مَجْرورٌ على البَدَلِ من " كثير " ، أو من " نجواهم " ، أو صِفَةٌ لأحدهما ؛ كما تقُول : " لا تَمُرُّ بجماعة من القَوْم إلا زيد " إنْ [ شئت ] جَعلْتَ زَيْداً تَابِعاً للجماعةِ أو للقوم ، ولم يجعله الزَّمَخْشَرِي تَابِعاً إلا " لِكَثير " قال : إلا نَجْوَى مَنْ أمَر ، على أنَّه مَجْرورٌ بَدَلٌ من " كَثِيرٍ " ؛ كما تقُولُ : " لا خير في قِيامهم إلا قيام زيدٍ " وفي التَّنْظِير بالمثال نظرٌ لا تَخْفَى مباينته للآية ، هذا كُلُّه إن جعلنا الاستِثْناء مُتصِلاً بالتَّأويلين المَذْكُورين ، أو مُنْقَطِعاً على لغة تميم ، وتلخَّص فيه سِتَّة أوْجُه : النَّصبُ على الانقطاع في لغة الحجاز ، أو على أصْلِ الاستثناءِ ، والجرُّ على البَدَل من " كَثِير " ، أو من " نَجْوَاهُم " ، أو على الصِّفَةِ لأحدهما . و " مِنْ نَجْوَاهُم " متعلقٌ بمحذُوفٍ ؛ لأنه صِفَةٌ لـ " كثير " في مَحَلِّ جَر . فصل إنَّما ذكر - تعالى - هذه الأقْسَام الثَّلاثة ؛ لأن عَمَل الخَيْر ، إمَّا أن يكُون بإيصَال المَنْفَعَةِ ، أو بدفع المَضَرَّة ، وإيصال الخَيْر : إمَّا أن يكُون من الخَيْرَات الجسْمَانِيَّة ، وهو إعْطاء المَالِ ، وإليه الإشارة بقوله : { إلا مَنْ أمَر بِصَدَقَةٍ } . وإمَّا أن يكُون من الخَيْرَات الرُّوْحَانية ، وإليه الإشارة بقوله : " أو مَعْرُوف " . وإمَّا إزالة الضَّرَرِ وإليه الإشارة بقوله : { أَوْ إصلاحٍ بَيْن النَّاسِ } . قوله " بَيْن " يجُوز أن يكون مَنْصُوباً بِنَفْس إصْلاح ، تقول : أصْلَحْت بَيْن القَوْم ، قال - تعالى - : { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } [ الحجرات : 10 ] ، وأن يتعلَّق بِمَحْذُوف على أنَّه صِفَة لإصلاح . [ و ] قوله : { ومن يَفْعَل ذَلك } أي : هذه الأشْيَاء ، { ابْتِغَاء مَرْضَات الله } أي : طَلَب رِضَاه ، و " ابْتِغَاء " مَفْعُول من أجْله ، وألِفُ " مَرْضَاتِ " عن وَاوٍ ، وقد تقدَّم تَحْقِيقُه . فإن قِيلَ : كَيْف قال : { إلاَّ مَنْ أَمَر } ثم قال : { وَمَن يَفْعَل ذَلِكَ } . فالجواب : أنَّه ذكر الأمْرَ بالخير ، ليَدُل به على فَاعِلِه ؛ لأنَّ الآمِرَ بالخَيْر لما دَخَل في زُمْرَة الخَيِّرين ، فبأن يَدْخل فَاعِل الخَيْر فيهم أوْلى ، ويجوز أن يُرَاد : ومن يأمُر بذلك ، فعبر عن الأمْر بالفعل ؛ لأنَّ الأمْر أيضاً فِعْل من الأفعال . ثم قال : " فسوف يُؤتيه " بالياء نظراً إلى الاسْمِ الظَّاهر في قوله : " مَرْضَات الله " ، وقرئ بالنُّون ؛ نظراً لِقَوله بعدُ : " نُولِّه ، ونُصْلِه " وهو أوقعُ للتَّعْظِيم .