Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 115-116)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تقدّم في آل عمران أن المُضَارعَ المَجْزُوم ، والأمْرَ من نحو : " لم يَرْدُدْ " و " رَدَّ " يجُوزُ فيه الإدغامُ وتركُه ، على تَفْصيلٍ في ذلك وما فيه من اللُّغَات وتقدم الكلام في المَشَاقَّةِ والشِّقَاقِ في البقرة ، وكذلك حُكمُ الهَاء في قوله : " نُؤته " و " نُصْلِه " . وهذه الآيَة [ نَزَلَتْ ] في طعمة بن أبَيْرِق ، وذلك أنَّه لمَّا ظهرت عليه السَّرِقَةُ ، خاف على نَفْسِهِ من قَطْع اليد والفضيحة ، فهربَ مرتَدّاً إلى مَكَّة . فقال - تعالى - : { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ } أي : يُخَالِفُه ، { مِن بَعد ما تَبَيَّنَ لَهُ ٱلهُدَى } : من التَّوحيد والحُدُودِ ، { ويتَّبعْ غَيْر سَبِيلِ ٱلمُؤْمِنِين } أي : غير طَرِيق المُؤمِنِين ، { [ نولِّه ] مَا تَوَلَّى } أي : نَكِلُه [ فِي الآخِرَة ] إلى مَا تولَّى في الدُّنيا { وَنُصْلِه جَهَنَّم وَسآءَت مَصِيراً } فانْتَصب مَصِيراً على التَّمْيِيز ؛ كقولهم : " فُلانٌ طَابَ نَفْساً " . رُوِيَ أن طعمة نَزَل على رَجُل من بني سليم من أهْل مكَّة ، يُقال له : الحجَّاج بْن علاط ، فَنَقب [ بَيْتَ الحَجَّاج ، لِيَسْرِقَه ، ] فسقط عليه حَجَرٌ فلم يَسْتَطِع أن يَدْخُل ، ولا أن يَخْرُج ، فأخذ لِيُقْتَل ، فقال بَعْضُهُم : دَعُوه ، فقد لَجَأ إلَيْكُم ، فتركوه ، وأخْرَجُوه من مكة ، فَخَرَج مع تُجَّار من قُضاعة نَحو الشَّام ، فنزلوا مَنْزِلاً ، فَسَرقَ بَعْضَ مَتَاعِهِم وهرب ، فَطَلَبُوه ، وأخَذُوه ورموه بالحِجَارة ؛ حتَّى قتلوه ، فَصَار قبره تِلْك الحِجَارة ، وقيل : إنه رَكِبَ سفينةً إلى جدة ، فسرق فيها كِيساً فيه دَنَانِير فأُخِذَ ، وألْقِي في البَحْر ، وقيل : إنه نزل في حَرَّة بني سَليم ، وكان يَعْبُد صَنَماً لهم إلى أنْ مَاتَ ، فأنزل الله - تعالى - : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } أي : ذَهَب عن الطَّرِيق ، وحُرِمَ الخَيْر كُلَّه . وقال الضَّحَّاك عن ابْن عبَّاسٍ : إنَّ هذه الآيَة نَزَلت في شَيْخٍ من الأعْراب ، جَاءَ إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا نَبِيَّ الله ، إنِّي شيخٌ مُنْهَمِكٌ في الذُّنُوب ، إلاَّ أني لَمْ أشْرِكْ باللَّه شيئاً منذ عَرَفْتُه وآمنت به ، ولمْ أتَّخِذْ من دُونِه ولِيّاً ، ولَمْ أواقع المَعَاصِي جُرْأة على اللَّه ، وما توهَّمْت طَرْفَة عَيْن أنِّي أعجِزُ اللَّه هَرَباً ، وإنِّي لَنَادِمٌ تَائِبٌ ، مستغفرٌ ، فما حالي ؟ فأنزل اللَّه هذه الآية . فصل في استدلال الشافعي رضي الله عنه بهذه الآية على حجية الاجماع رُوِيَ أن الشَّافِعِي - رضي الله عنه - سُئِلَ عن آيَة في كِتَاب اللَّه - تعالى - تدلُّ على أنَّ الإجْمَاع حجَّة ، فقرأ القُرآن ثلاثمِائَة مرَّة ، حتَّى وَجَد هذه الآيَة ، وتقرير الاسْتِدْلال ، أن اتِّباع غَيْر سَبِيل المُؤمِنين حَرَامٌ [ فوجب أن يكُون اتِّباع سَبِيل المؤمنين وَاجِباً ] بيان المقدِّمة الأولى : أنه - تعالى - ألحق الوَعِيد بمن يُشَاقِقُ الرَّسُول ، ويتَّبع غير سَبِيل المُؤمنين ، ولو لم يَكُن ذلك مُوجِباً ، لكان ذلك ضمّاً لما لا أثَر لَهُ في الوَعِيد إلى مَا هُو مُسْتَقِلٌّ باقْتِضَاء ذَلِك الوَعِيد ، وإنَّه غير جَائز ، وإذا كان اتِّبَاعُ غير سَبيل المُؤمنين حَرَاماً ، لزم أن يَكُون اتِّباع سَبيلِ المؤمنين وَاجباً ، وإذا كان عَدَم اتِّبَاعهم حَرَاماً ، كان اتِّباعُهُم وَاجباً ، لأنَّه لا خُرُوجَ عن طَرفَي النَّقِيضِ . فإن قيل : لا نُسَلِّم أنَّ عدم اتِّبَاعِ سَبيل المؤمنين ، يصدق عَليْه أنَّه اتِّباعٌ لغير سَبِيل المُؤمِنين ، فإنه [ لا يَمتنِع ألاَّ ] يتَّبع لا سبيل [ المؤمنين ] ولا غير سَبِيل المُؤمنين . الجوابُ : أنَّ المتابعة عِبَارةٌ عن الإتْيَان بِمثْل ما فعل الغَيْر ، وإذا كَانَ من شَأن غير المُؤمنين ألاَّ يَتَّبِعُوا سبيل المؤمنين ، فكُلُّ من لَمْ يَتَّبع سَبِيل المؤمنين ، فقد أتَى بِمِثْل ما فعل غَيْر المُؤمنين ؛ فوجب كَوْنُه مُتَّبِعاً لهم . ولقائل أن يَقُول : الاتِّبَاع ليس عِبَارة عن الإتْيَان بِمِثْل فِعْل الغَيْر ، وإلا لزم أن يُقَال : الأنْبِيَاءُ والملائِكةُ يتبعون لآحَاد الخَلْق من حَيْثُ إنَّهُم يوحِّدُون اللَّه [ - تعالى - ] لما أن كُلَّ واحد من آحَاد الأمَّة يوحِّد اللَّه - تعالى - ، ومعلوم أنَّ ذلك لا يُقَال ، بل الاتِّباع عِبَارة عن الإتْيَان بمثل فِعْل الغَيْر ، لأجْل أنه فِعْل ذلك الغَيْر ، ومن كان كذلك فمن تركَ مُتابعَة سبيل المؤمنين ؛ لأجل أنَّه ما وَجَد على وُجُوب مُتَابَعَتِهم دَلِيلاً ، فلا جَرَم لم يَتَّبِعْهُم ، فهذا شَخْصٌ لا يكون مُتَّبِعاً لغير سَبِيل المُؤمنين . وقال ابن الخَطِيب : وهذا سُؤال قَوِيٌّ على هذا الدَّلِيل ، وفيه أبْحَاث أخَر دَقِيقَةٌ ذكرناها في كِتَاب المَحْصُول . فصل قوله - تعالى - : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } الآية قد تقدَّم بيان سَبَبِ نُزُولها ، والفائِدَةُ في تكرارها ؛ أن اللَّه - تعالى - ما أعَاد آيَةً من آيَاتِ الوعيد بِلَفْظِ واحدٍ مرَّتَيْن ، وقد أعَادَ هذه الآيَة بِلَفْظ واحِدٍ ، وهي من آيات الوَعْد ، فدل ذلك على أنَّه - تعالى - خصَّ جَانِبَ الوَعْد والرَّحْمَة بمزيد التَّأكيد . فإن قيل : لمَ خَتَم تلك الآية بقوله : " فَقَدِ افْتَرَى " وهذه بقوله : " فَقَدْ ضَلَّ " . فالجوابُ : أنَّ ذلك في غَاية المُنَاسَبة ، فإن الأولى في شأن أهْل الكِتَاب من أنَّهم عِنْدَهم علمٌ بصِحَّة نبوته - عليه الصلاة والسلام - ، وأن شريعته ناسِخَةٌ لجَمِيع الشَّرائعِ ، ومع ذلك فقد كَابَرُوا في ذلك ، فافْترُوا على الله - تعالى - ، وهذه في شأنِ قَوْمٍ مُشْركين غير أهْلِ كِتَابٍ ولا عِلْمٍ ، فناسَب وَصْفُهم بالضَّلال ، وايضاً : فقد تقدَّم ذكر الهُدَى ، وهو ضدُّ الضلال .