Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 136-136)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في اتَّصال هذه الآية بما قَبْلَها وَجْهَان : أحدُهما : أنَّها مُتِّصِلةٌ بقوله : { كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ } [ النساء : 135 ] لأن الإنْسان لا يكون قَائِماً بالقِسْط ، إلا إذا كان راسخاً في الإيمان بالأشْيَاء المَذْكُورة في هَذِه الآيَة . الثاني : أنه - تعالى - لمَّا بين الأحْكَام الكَثِيرة في هَذِه السُّورة ، ذكر عَقِيبَهَا الأمر بالإيمانِ ، وفي هذا الأمْر وُجُوه : أحدُها : قال الكَلْبِيُّ ، عن أبِي صَالحٍ ، عن ابن عبَّاسٍ : نزلت هذه الآيَة في عَبْد اللَّه ابن سلام ، وأسد وأسَيْد ابْنَيْ كَعْب ، وثَعْلَبَة بن قَيْس ، وسلام ابن أُخْت عَبْد الله بن سلام ، وسلَمة ابن أخِيه ، ويامِين بن يَامِين ، فَهُؤلاء مُؤمِنُو أهْل الكِتَاب أتوا رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إنَّا نُؤمِنُ بك ، وبِكتابِك ، وبِمُوسى ، [ والتَّوْرَاة ] وبِعُزَيْر ، ونكفر بما سِوَاه من الكُتُب والرُّسُل ، فقال لهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم : " بل آمِنُوا باللَّه ، ورسُوله محمَّد ، والقُرْآن ، وبكل كِتَابٍ قَبْلَه " فقالوا : لا نَفْعَل ، فأنزل اللَّه : { يا أيها الذين آمنوا } يعني : بمحمّد [ والقُرآن ] وبموسى والتَّوْرَاة ، { آمنوا بالله ورسوله } : محمد { وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ } : من التَّوْراة ، والإنْجِيل ، والزَّبُور ، وسائر الكُتُب ؛ لأن المراد بالكِتَاب الجنس . وقيل : الخِطَاب مع المُنَافِقِين ، والتَّقْدير : يأيُّهَا الذين آمَنُوا باللِّسان ، آمنوا بالقَلْب ، ويؤيده قوله - تعالى - : { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } [ المائدة : 41 ] . وقيل : خِطَاب مع الَّذِين آمَنُوا وَجْه النَّهَار ، وكَفَرُوا آخِره ، والتقدير : يأيُّهَا الَّذِين آمَنُوا وجْه النَّهارِ ، آمنوا آخِره . وقيل : الخطاب للمُشْرِكين ، تقديره : يأيُّها الذين آمَنُوا باللاَّتِ والعُزَّى ، آمِنُوا . وقيل : المعنى : يأيها الذين آمَنُوا ، دُومُوا على الإيمان ، واثْبُتُوا عليْه ، أي : يأيُّها الذين آمَنُوا في المَاضِي والحَاضِر ، آمِنُوا في المُسْتَقْبَل ؛ كقوله : { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ محمد : 19 ] مع أنه كان عَالِماً بذلك . وقيل : المُراد بـ " الذين آمَنُوا " : جميع النَّاس ، وذلك يوم أخذ عَلَيْهم المِيثَاق . وقيل : يا أيُّها الَّذِين آمَنُوا على سبيل التَّقْلِيدِ ، آمِنُوا على سبيل الاسْتِدْلاَل . وقيل : يا أيها الَّذِين آمَنُوا بِحَسَب الاسْتِدْلاَلات الإجْمَاليَّةِ ، آمِنُوا بحسَبِ الدَّلائل التَّفْصيليَّة . وقرأ نافعُ والكوفيون : { والكتاب الَّذِي نزَّل على رَسُوله والكِتَاب الذي أنْزل من قبل } على بناء الفِعْليْن للفَاعِل ، وهو الله - تعالى - ، [ وابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو : ] على بنائهما للمَفْعُول ، والقائمُ مقامَ الفَاعِل ضَمِير الكِتَاب . وحُجَّة الأوَّلِين : قوله - تعالى - : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ } [ الحجر : 9 ] ، وقوله { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ } [ النحل : 44 ] ، وحجة الضم : قوله - تعالى - : { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [ النحل : 44 ] ، وقوله : { يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ [ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ ] } [ الأنعام : 114 ] . قال بعض العلماء : كلاهما حَسَن ، إلا أن الضَّمَّ أفْخَمُ ، كقوله : { وَقِيلَ يَٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ } [ هود : 44 ] . وقال الزَّمَخْشَرِيُّ : فإن قُلْتَ [ لِمَ ] قال : { نَزَّل على رسُوله } ، و { أَنزَلَ مِن قَبْل } ؟ . قلت : " لأنَّ القرآن نَزَل مُنَجَّماً مفرَّقاً في عِشْرِين سَنَة ، بخلاف الكُتُب قَبْله " ، وقد تَقَدَّم البَحْث معه في ذَلِكَ ، عند قوله - تعالى - : { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ } [ آل عمران : 3 ] وأن التَّضْعِيف في " نزَّلَ " للتَّعْدِية ، مرادفٌ للهَمْزَة لا للتَّكْثِير . فصل اعلم : أنه [ تعالى ] أمَرَ في هذه الآيَة بالإيمَانِ بأرْبَعة أشْيَاء : أوّلها : بالله . وثانيها : برسوله . وثالثها : بالكتاب الذي نزَّل على رسُوله . ورابعها : [ بالكتاب الَّذِي أنْزَل من قَبْل . وذكر في الكُفْر أمُوراً خَمْسةً : أولها : الكُفْر باللَّه . وثانيها : الكُفْر بملائِكَتِهِ . وثالثها : الكُفْر بكُتُبِه ] . ورابعها : الكُفْر برسُله . وخامسها : الكُفْر باليوم الآخر . ثم قال : { فقد ضل ضلالاً بعيداً } وهاهنا سُؤالات : السُّوال الأوَّل : لِمَ قدَّم في مراتب الإيمانِ ذكر الرَّسُول على ذكر الكِتَابِ ، وفي مراتب الكُفْر قَلَب القضيَّة ؟ . والجواب : لأن في مرتبة النُّزُول من الخَالِق إلى الخَلْق كان الكتاب مقدماً على الرسول ، وفي مرتبه العُرُوج من الخَلْق إلى الخَالِقِ ، يكُون الرَّسُول مُقَدَّماً على الكِتَاب . السُّؤال الثَّاني : لِمَ ذكر في مراتب الإيمان أموراً ثلاثة : الإيمان بالله ، وبالرسل ، وبالكتب ، وذكر في مَرَاتِب الكُفْر [ أموراً خَمْسَة : الكُفْر ] باللَّه ، وبالملائكة ، وبالرُّسُل ، [ وبالكُتُب ] ، وباليَوْم الآخِر ؟ . والجواب : لأنَّ الإيمان [ باللَّه و ] بالرُّسُل ، وبالكُتُب متى حَصَل ، فقد حَصَل الإيمان بالملائِكَة ، وباليوم الآخر لا مَحَالَة ، إذ رُبَّما ادّعى الإنْسَان أنه يُؤمِن باللَّه ، وبالرُّسُل ، وبالكُتُب ، ثم إنَّه يُنْكِرُ الملائكة ، وينكر اليَوْم الآخر ، ويزعم أنَّ الآيات الوَارِدَة في المَلائكة وفي اليوم الآخر ، مَحْمُولَة على التَّأوِيل . فلما احتمل هذا ؛ لا جرم نصَّ على أن مُنْكِر المَلاَئِكَة ، ومنكر اليَوْم الآخِر ، كافرٌ باللَّه . السؤال الثالث : كيف قِيلَ لأهلِ الكِتَاب : { وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ } مع أنهم كانوا مُؤمنين بالتوراة والإنجيل ؟ . والجواب : ما تقدَّم من أن المراد بالكِتَاب : الجنس ، فأمِرُوا أن يُؤمِنُوا بكل الكُتُب ؛ لأنَّهم لم يُؤمِنُوا بكُلِّها ؛ كما قالوا : نُؤمِنُ بِبَعْضٍ ونكْفُر ببعضٍ ، وأما قوله : { فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } ليس جواباً للأشياء المَذْكُورة ، بل المعنى : ومنْ يكْفُرْ بواحدٍ مِنْهَا .