Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 34-34)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وجه النَّظْم : أنَّ النِّسَاءَ لمّا تَكلَّمْنَ في تَفْضيل [ الله ] الرِّجال عليهن في الميراثِ ؛ بيَّن في هذه الآيَةِ أنَّهُ إنَّمَا فضَّل الرِّجَال على النِّسَاءِ في الميراث ؛ لأنَّ الرِّجالَ قوَّامون على النساء ؛ فهم وإن اشْترَكُوا في اسْتِمْتَاعِ كُلّ واحدٍ منهم بالآخر ، فاللَّهُ أمَرَ الرِّجَالَ بالْقِيَامِ عليهنَّ والنفقة ، ودفع المَهْرِ إليهنَّ . وَالْقَوَّامُ ، والقَيِّمُ بمعنى واحد ، والقوام أبْلَغُ ، وهو القيم بالمصالح ، والتَّدْبِيرِ ، والتَّأدِيبِ ، والاهتمام بالْحِفْظِ . قال مُقَاتِلٌ : " نزلت في سَعْد بْنِ الرَّبيعِ ، وكان من النقباء وفي امرأته حبيبةَ بِنْتِ [ زَيْدِ ابْنِ خارجة بن أبي زهير ] . وقال ابْنُ عَبَّاس ، والكلْبِيُّ : " امرأته عَميرَةُ بِنْتُ محمد بْن مَسْلَمةَ ، وذلك أنَّها نَشَزَتْ عليه ، فَلَطَمَهَا , فانْطلقَ أبُوها معها إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال : أفَرْشْتُهُ كريمَتِي فلطمَهَا ، وإنَّ أثَرَ اللَّطْمَةِ بَاقٍ في وَجْهِهَا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اقتصِّي منه ثم قال : اصبري حتى أنظر ، فنزلت هذه الآية ، فقال النبي عليه السلام : أردْنَا أمراً ، وأرَادَ اللَّهُ أمْراً ، والَّذِي أرَادَ اللَّهُ خَيْر ، ورَفَعَ الْقِصَاصَ " . قوله : { عَلَى ٱلنِّسَآءِ } متعلق بـ { قَوَّامُونَ } وكذا " بما " والباء للسَّبَبيَّةِ ، ويجوز أن تكُونَ لِلْحَالِ ، فتتَعلَّق بِمحذُوفٍ ؛ لأنَّهَا حَالٌ من الضَّميرِ في { قَوَّامُونَ } تقديره : مُسْتَحِقِّينَ بتفضيل اللِّهِ إيَّاهُمْ ، و " مَا " مَصْدَريَّةٌ ، وقيل : بمعنى الَّذِي ، وهو ضعيفٌ لحذف العائِدِ من غَيْرِ مُسَوِّغ . والبعضُ الأوَّلُ المُرادُ به الرِّجالُ ، والبَعْضُ الثَّاني : النسَاءُ ، وعَدلَ عَنِ الضَّميريْن فلم يَقُل : بما فَضَّلَهم اللَّهُ عَلَيْهِنَّ ، للإبهام الذي في بَعْض . فصل في دلالة الآية على تأديب النساء دَلَّت الآيةُ عَلَى تأديبِ الرِّجَالِ نساءهم ، فإذا حَفِظْنَ حُقُوقَ الرِّجَالِ ، فلا يَنْبَغِي أن يُسِيءَ الرِّجُلُ عِشْرَتَها . فصل اعلم أنَّ فَضْلَ الرِّجَالِ على النِّسَاءِ من وُجُوهٍ كثيرةٍ ؛ بعضها صفات حقيقيَّة ، وبعضها أحْكَامٌ شرْعيَّةٌ ، فالصِّفَاتُ الحقيقيَّة [ أن ] عُقُولَ الرِّجَالِ وعُلُومَهُم أكْثَر ، وقُدْرَتهم على الأعْمَالِ الشَّاقَّة أكْمَل ، وفيهم كذَلِكَ من الْعَقْلِ والْقُوَّةِ والكِتَابَةِ في الغالب والفُرُوسيَّةِ ، والرَّمْي ، وفيهمُ العُلَمَاءُ ، والإمَامَةُ الكُبْرَى [ والصغرى ] ، والجهادُ والأذانُ ، والخطبةُ ، والجمعةُ ، والاعْتِكَافُ ، والشَّهَادَةُ على الحدود والقِصَاص ، وفي الأنْكِحَةِ عند بعضِهِم ، وزيادة نصيب الميراث ، والتَّعْصيب ، وتحمل الدِّية في قتل الخَطَأ ، وفي القَسَامَةِ ، وفي ولايةِ النِّكَاحِ ، والطَّلاقِ ، والرَّجْعَةِ ، وعَدَدِ الأزْوَاجِ ، وإليهم الانتساب . وأمّا الصِّفَاتُ الشَّرعيَّةُ فقوله تعالى : { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } والمرادُ : عطية المَهْرِ ، والنَّفَقَة عليها ، وكُلُّ ذلك يَدُلُّ على فَضْل الرِّجَالِ على النِّسَاءِ . قوله تعالى : { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ } يَتَعَلَّقُ بما تَعَلَّق به الأوَّلُ ، و " مَا " يَجُوزُ أنْ تكُونَ بمعنى " الّذِي " من غير ضَعْفٍ ؛ لأنَّ للحذف مسوِّغاً ، أي : { وبما أنفقوه من أموالهم } . { مِنْ أَمْوَالِهِمْ } متعلّق بـ { أَنْفَقُواْ } ، أو بمحذوف على أنَّهُ حال من الضَّمير المحذُوف . فصل قال القُرْطبِيُّ : قوله : { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } يدلُّ على أنَّهُ متى عجز عن نَفَقَتِهَا ، لم يَكُن قوَّاماً عليها [ وإذا لم يكن قوّاماً ] كان لها فَسْخُ العَقْدِ ؛ لزوال المَقْصُودِ الَّذي شُرع لأجْلِهِ النِّكَاحُ ، فدلَّ ذلك على ثبوت فَسْخِ النِّكَاحِ عند الإعسار بالنَّفَقَةِ ، والكِسْوَةِ ، وهذا مَذْهَبُ مَالِكٍ والشَّافعيّ ، وأحْمدَ . وقال أبو حنيفة : لا يُفْسَخُ لقوله تعالى : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } [ البقرة : 280 ] . قوله : { فَٱلصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ [ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ } ] " الصَّالحات " مبتدأ ، وما يَعْدَهُ خبران لَهُ ، و " للغيب " مُتعلِّق بـ " حَافظاتٌ " و " أل " في " الغيب " عوض من الضَّميرِ عند الكُوفييِّنَ كقوله : { وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } [ مريم : 4 ] ، أي : رأسي وقوله : [ البسيط ] @ 1791 - ب - لميَاءُ في شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لَعَسٌ وَفِي اللِّثَاتِ وفِي أنْيَابِهَا شَنَبُ @@ أي : لثاتها . والجمهور على رفع الجلالةَ من { حَفِظَ ٱللَّهُ } وفي " مَا " على هذه القراءة ثلاثَةُ أوْجُه : أحدُهَا : أنَّهَا مَصْدَريَّةٌ ، والمعنى : بحظ اللَّه إيَّاهُنَّ أي : بتوفيقه لهن ، أو بالوصيَّةِ منه تعالى عليهنَّ . والثاني : أن تكُونَ بمعنى الذي ، والعَائِدُ محذوفٌ ، أي : بالَّذي حفظه اللَّهُ لَهُنَّ مِنْ مُهُورِ أزواجهِنَّ ، والنّفقة عليهن ، قاله الزَّجَّاجُ . والثَّالِثُ : أن تكُونَ " مَا " نكرة موصوفة ، والعَائِدُ محذوفٌ أيضاً ، كما تقرَّرَ في المَوْصُولَةِ ، بمعنى الَّذِي . وقرأ أبُو جَعْفَرٍ بنصب الجَلاَلَةِ . وفي " مَا " ثلاثة أوجه أيضاً : أحدُهَا : أنَّها بمعنى الَّذِي . والثَّانِي : [ أنها ] نكرةٌ موصُوفَةٌ ، وفي { حَفِظَ } ضمير يعُودُ على [ " ما " ] أي : بما حفظ من البرِّ والطَّاعَةِ ، ولا بدّ من حَذْفِ مضافٍ تقديره : بما حَفِظَ دين اللَّه ، أو أمر اللَّه ؛ لأنَّ الذَّات المقدَّسة لا يحفظها أحَدٌ . والثَّالِثُ : أنْ تكُونَ " مَا " مَصْدريَّة ، والمعنى : بما حفظن اللَّه في امتثال أمره ، وَسَاغَ عَوْدُ الضَِّميرِ مُفْرَداً على جَمْعِ الإنَاثِ ؛ لأنَّهُنَّ في معنى الجنس كأنه قيل : " فمن صلح " فَعَاد الضَّميرِ مُفْرداً بهذا الاعتبارِ ، ورُدَّ هذا الوجه بِعَدَمِ مُطَابَقَةِ الضَّميرِ لما يعودُ عليه وهذا جوابه ، وجعله ابْنُ جِنّي مثل قول الشَّاعِرِ : [ المتقارب ] @ 1792 - … فإنَّ الحَوَادِثِ أوْدَى بِهَا @@ أي : أوْدَيْنَ ، وَيَنْبَغِي أن يُقَالَ : الأصْلُ بما حفظت اللَّه ، والحوادث أوْدَتْ ، لأنَّهَا يَجُوزُ أنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى [ جمع ] الإنَاثِ كَعَوْدِهِ عَلَى الوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ ، تقول : النِّسَاءُ قَامَتْ ، إلاَّ أنَّهُ شَذَّ حذفُ تَاءِ التَّأنيثِ مِنَ الْفِعْلِ المُسْندِ إلى ضَميرِ المُؤنَّثِ . وقرأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ - وهي في مُصْحَفِهِ كَذَلِكَ - " فالصوالح قوانت حوافظ " بالتكسير . قال ابْن جني : وهي أشْبَهُ بالمَعْنَى لإعطائِهَا الكَثْرَة ، وَهِيَ المَقْصُودَةُ هُنَا ، يعني : أن " فَوَاعِل " من جُمُوعِ الكَثْرَةِ ، وجمع التَّصحيح جمع قلَّةٍ ، ما لم تَقْتَرِنْ بالألف واللاَّمِ . وظاهِرُ عِبَارَةَ أبِي البَقَاءِ أنه لِلقِلَّةِ ، وَإنْ اقْتَرَنَ بـ " أل " فإنَّهُ قال : وجمع التَّصحيح لا يدلّ على الكثرة بوضعِهِ ، وقد استعمل فيها كقوله تعالى : { وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } [ سبأ : 37 ] . وفيما قالهُ [ أبُو الفتح ] وأبُو البقاءِ نَظَرٌ ، فإنَّ " الصَّالِحات " في القراءةِ المَشْهُورَةِ مُعَرَّفَةٌ بِأل ، وقَد تَقَدَّمَ أنَّه تكُونُ لِلْعُمُومِ ، إلاَّ أنَّ العموم المفيد للكثرة ، ليس مِنْ صيغَةِ الجَمْعِ ، بل مِنْ " ألْ " ، وإذا ثَبَتَ أن " الصَّالِحَاتِ " جمع كَثْرَةٍ ، لَزِمَ أنْ يكُونَ " قَانِتَات " و " حَافِظَات " للكثرة ؛ لأنَّهُ خبرٌ عن الجميعِ ، فَيُفِييدُ الكَثْرَةَ ، ألا تَرَى أنَّكَ إذا قلت : الرِّجَالُ قَائِمُونَ ، لَزِمَ أنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرِّجَالِ قَائِماً ، ولا يجوز أن يكُونَ بعضُهم قاعداً ، فإذاً القراءةُ الشَّهيرةُ وافيةٌ بالْمعنى [ المقصود ] . فصل قال الواحديُّ : لفظ القنُوتِ يُفيدُ : الطَّاعَةَ ، وَهُوَ عَامٌّ في طَاعَةِ اللَّهِ ، وطاعة الأزْوَاجِ ، وما حَالُ المرأةِ عِنْدَ غَيْبَةِ الزَّوْجِ فقد وصفها اللَّهُ بقوله : { قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ } ، واعْلَمْ أنَّ الغيب ، خلاف الشَّهَادَةِ ، والمعنى : كَوْنُهنَّ حافِظَاتٌ بموجب الغَيْب ، وهو أنْ تَحْفَظَ نَفْسَهَا عن الزِّنَا ؛ لئلا يلحق الزَِّوْج الغَائب عار الزِّنَا ، ويلحقُ به الوَلَد المتكون من نُطْفَةِ غيرِهِ ، وتحفظ ماله لئلا يضيع ، وتحفظ مَنْزِلَهُ عَمَّا لا يَنْبَغِي ، قال عليه السَّلامُ : " خَيْرُ النِّسَاءِ امرأةٌ إن نَظَرْتَ إلَيْهَا سَرَّتْكَ ، وَإنْ أمرتها أطاعَتْكَ ، وإنْ غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ في مَالِكَ ونفسها " وتلا هذه الآية . قوله : { وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } لما ذكر الصالحات ذكر بعده غير الصَّالحات فقال : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهنّ } والخَوْفُ عِبَارَةٌ عَن حَالَةٍ تَحْصُلُ في القَلْبِ ، عند حُدُوثِ أمر مَكْرُوهٍ في المُسْتَقْبل . قال الشَّافِعيُّ - رضي الله عنه - : دَلالَةُ النُّشوُزِ قَدْ تكُونُ قَوْلاً ، وقد تكُونُ فِعْلاً ، فالقول مثل أن تلبيه إذا دَعَاهَا ، وتخْضَعُ لَهُ بالقَوْلِ إذَا خَاطَبَهَا ثُم تغيَّرتْ ، والفِعْلُ إن كَانَتْ تَقومُ إلَيْهِ إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا ، أوْ تُسارعُ إلى أمره وتبادر إلى فراشه باستبشار إذا التمسها ، ثم [ إنها ] تغيرت عَنْ كل ذلك ، فهذه إمارَاتٌ دالةٌ على النُّشوزِ ، فحينئذٍ ظنَّ نُشُوزهَا ، فهذه المقدمَاتُ تُوجِبُ خَوْفَ النُّشُوزِ ، وأمّا النشوز فهو معصية الزَّوْج ، ومُخَالَفَتَهُ ، وأصْلُهُ مِنْ قولهم : نَشَزَ الشّيْءُ إذا ارتفع ، ومنه يُقالُ للأرضِ المرتفعة : " نَشَزٌ " ، يُقَالُ : نَشَزَ الرَّجُلُ ينشِز [ وينشُز ] إذا كان قاعداً فَنَهض قَائِماً ، ومنه قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ } [ المجادلة : 11 ] ارتفعوا أو انهضوا إلى حرب أو أمر من أمور اللَّهِ تعالى . وقال أبُو منْصُورٍ اللُّغَويُّ : " النُّشُوزُ كرَاهِيَةُ كُل واحد من الزَّوْجَيْنِ صاحِبَهُ ، يقال : نَشَزَتْ تَنْشُزُ ، فهي نَاشِزٌ بغير هاء ، وهي السَّيِّئَةُ العِشْرَةِ " . وقال ابْنُ دُرَيْدٍ : " نَشَزَتْ المرْأةُ ، وَنَشَسَتْ ، ونَشَصَتْ بمعنى واحد " . قوله : " فعظوهنّ " ، أي : بالتخويف من اللَّه تعالى ، فَيُقَالُ : اتَّقي الله فإنَّ عليك حقّاً لي ، وارجعي عمّا أنْت عليه ، واعْلَمِِي أنَّ طاعتي فرضٌ عليك ، فإنْ أصرَّت على النُّشوزِ ، فيهجرها في المَضْجَعِ . قال ابْنُ عَبَّاسٍ : يوليها ظَهْرَهُ في الفِرَاشِ ، ولا يُكَلِّمُها " . وقال غيره : " يَعْتَزِلُ عَنْهَا إلى فِرَاشٍ آخر " . قال الشَّافعيُّ : " ولا يزيد في هجره في الكلام على ثَلاثٍ ، فإذَا هجرها في المَضْجَع ، فإن كانت تَبْغَضُه ، وافقها ذلك الهجران ، فيكونُ ذلك دليلاً على كمال النُّشوزِ " . ومنهم من حَمَلَ الهِجْرَانَ في المَضَاجِعِ على تَرْكِ المُبَاشَرَةِ . وقال القرطبي : وقيل : اهْجرُوهُنَّ مِنَ الهُجْرِ ، وهو القَبيحُ من الكَلاَمِ ، أي : غلظُوا عليْهِنَّ فِي القَوْلِ ، وضاجعوهن للجماع وغيره و [ قال ] معناه سفيان [ الثَّوْرِي ] ، وروي عن ابْن عَبَّاسٍ . وقيل : شدّوهن [ وثاقاً ] في بيوتهن ، من قولهم : هجر البعيرَ ، أي : ربطه بالهجار ، وهو حَبْلٌ يُشَدُّ به البعيرُ ، وهذا اختِيارُ الطَّبري ، وقدح في سائر الأقْوالِ ، ورَدَّ عليه القاضِي أبُو بَكْرٍ بْن العَرَبِيّ وقال : " يا لها من هَفْوَة عالمٍ بالقرآن والسُّنَّةِ ، والَّذي حملَهُ على [ هذا ] التأويلِ حديثٌ غريبٌ ، رواه ابْنُ وهب عن مالكٍ : أنَّ أسْمَاءَ بنتَ أبي بكر الصّديق امرأةَ الزُّبَيْرِ بنِ العَوّامِ كانت قد نَشَزَتْ على زوجها فقد شعر واحدة بالأخْرَى ثم ضَرَبَهَا " الحديث . فرأى الرَّبط والعقد ، مع احْتِمَالِ اللَّفْظِ ، مع فعل الزُّبَيْرِ ، فأقدم على هذا التَّفْسيرِ " . قال القرطبيُّ : وهذا الهَجْرُ غَايَتُهُ عِنْدَ العُلَمَاءِ شهر ، كما فعل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حين أسَرَّ إلى حَفْصَة حديثاً ، فأفشته إلى عَائِشَةَ - رضي الله عنها - . قوله : { فِي ٱلْمَضَاجِعِ } فيه وجهان : أحدها : أنَّ " في " على بابها من الظرفيَّةِ متعلّق بـ { َٱهْجُرُوهُنَّ } أي : اتركوا مضاجعتهن ، أي : النَّوْمَ مَعْهُنَّ دون كلامِهِنَّ ومؤاكلتهنَّ . والثَّاني : أنها للِسَّبَبِ . قال أبُو البقاءِ : { وَٱهْجُرُوهُنَّ } بسبب المضاجع ، كما تَقُولُ : في هذه الجِنَايَةِ عُقُوبَةٌ ، وجعل مكي هذا الوجه مُتَعَيِّناً ، ومنع الأول ، قال : ليس { فِي ٱلْمَضَاجِعِ } ظرفاً للهجران ، وإنَّمَا هو سَبَبٌ لِهِجْرَانِ التَّخَلُّفِ ، ومعناه : فاهجروهنّ من أجل تخلفهن عن المُضاجَعَةِ معكم ، وفيه نَظَرٌ لا يخفى . وكلام الوحِدِي يُفْهِم أنَّهُ يجوزُ تعلَّقه بـ { نُشُوزَهُنَّ } ، فإنه قال - بعدما حكى عن ابْنِ عَبَّاسٍ كلاماً - : والمعنى على هذا : " واللاتي تخافون نشوزهن في المضاجع " ، والكلامُ الذي حَكاهُ عن ابن عباس هو قوله : هذا كُلُّهُ في المَضْجَعِ ، إذا هي عَصَتْ أن تَضْطَجِعَ مَعَهُ ، ولكن لا يجوزُ ذلك ؛ لئلاّ يلزمَ الفَصْلُ بين المَصْدَرِ ومعموله بأجنبيّ . وقدّر بعضهم مَعْطُوفاً بعد قوله : " واللاتي تخافون " ، أي : واللاتي تخافون نشوزهن ، ونَشَزْنَ ، كأنَّهُ يريد أنَّهُ لا يجوُزُ الإقدام على الوَعْظِ ، وما بعده بِمُجَرَّدِ الخَوْفِ . وقيل : لا حَاجَةَ إلى ذلك ؛ لأنَّ الخَوْفَ بمعنى اليقين [ قال تعالى { فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً } [ البقرة : 182 ] ، قال ابن عباسٍ : تخافون بمعنى تتيقّنون ] ، وقيل : غلبة الظنِّ في ذلك كافِيَةٌ . قوله : { وَٱضْرِبُوهُنَّ } يعني : أنَّهُنّ [ إن ] لم ينزعن مع الهجران فاضربُوهُنَّ ، يعني ضرباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، ولا شَائِنٍ . قال عَطَاءٌ : " [ هو ] ضَرْب بالسِّواكِ " . وقال عليه السَّلامُ في حقّ المرْأةِ : " أنْ تُطْعِمَهَا إذَا طَعِمَتْ ، وتكسوها إذا اكْتَسَيت ، ولا تضرب الوَجْهَ ، ولا تهجر إلاَّ في البَيْتِ " . قال الشافِعيُّ : يكُونُ دون الأرْبَعينَ . وقال بعضُهُم : لا يَبْلغُ به عِشْرِينَ ، لأنَّهُ حدٌّ كامِلٌ في حَقِّ العبد ، ويكونُ بحيث لا يُفْضي إلى الهَلاَكِ ، ويَكُونُ مفرقاً على بدنها ، ولا تجوزُ الموالاة في مَوضعٍ واحدٍ ، ويتقي الوجه . قال بعضُ العُلَمَاءِ : يكُونُ الضَّرْبُ بمنديلٍ مَلْفُوفٍ ، أو بِيَدِهِ ، ولا يَضْرِبُهَا بالسِّياطِ ، ولا بالعَصَا ، وبالجملة فالتَّخفيفُ مراعى في هَذَا البَابِ . قال الشَّافعيُّ : " الضَّرْبُ مُبَاحٌ وتركُهُ أفْضَلُ " . واختلفوا : هل هذا الحُكْمُ على الترتيبِ ، أم لا ؟ قال عَلِيُّ بْنُ أبي طالبٍ - رضي الله عنه - : يَعِظُهَا بِلِسَانِهِ ، فإنْ أبَتْ هَجَرَهَا فِي المَضْجَعِ [ فإن أبَتْ ضَرَبَهَا ] ، فإن لم تَتَّعِظْ بالضَّرْبِ بَعَثَ الحكم [ مِنْ أهْلِهِ ] . وقال آخرون : هذا الترتيب مراعى عند خَوْف النُّشُوزِ أمّا عند تحقق النشوز ، فلا بأس بالجمع بين الكُلِّ . قوله : " [ فإن أطعنكم ] فلا تبغوا عليهن سبيلاً " في نَصْبِ " سبيلاً " وجْهَانٍ : أحدهما : أنه مفعول به . والثَّانِي : أنَّهُ على إسْقَاطِ الخَافِضِ ، وهذان الوَجْهَانِ مبنيان على تفسِير البَغْي هنا ما هو ؟ فقيل : هو الظٌّلْمُ من قوله : { فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ } [ القصص : 76 ] ، فعلى هذا يَكُونُ لازِماً ، و " سبيلاً " منصوب بإسْقَاطِ الخَافِضِ أي : كسبيل . وقيل : هو الطَّلب ، من قولهم : بَغَيْتُه ، أي : طلبته ، وفي { عَلَيْهِنَّ } وجهان : أحدهما : أنه متعلّق بـ { تَبْغُواْ } . والثَّاني : أنَّهُ مُتَعَلِّق بمحذوفٍ على أنَّهُ حالٌ من { سَبِيلاً } ، لأنه في الأصلِ صفة النكرة قُدِّم عليها . فصل قال بعضُهُم : معناه : لا تتجنّوا عليهنَّ بقولٍ ، أو فِعْل . قال ابْنُ عيينَةَ لا تكلِّفوهُنَّ محبتكم ، فإنَّ القلب ليس بأيديهن ، ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } مُتعالياً عن أنْ يكلّف العبادَ ما لا يُطيقُونَهُ ، فلذلك لا تُكلفوهنّ محَبَتَكُم ، فإنهن لا يطقنَ ذِلكَ . وقيل : إنَّهُ مع عُلُوِّهِ ، وكبريائه لا يُؤاخِذُ العَاصي إذَا تَابَ ، فأنتم أولى إذا تابت المرأةُ من نُشُوزِهَا بأن تقبلوا تَوْبَتَهَا ، وقيل : إنَّهُنَّ إن وضعفن عن دَفْعِ ظلمكم فاللَّهُ سبحانه كبيرٌ عليٌّ قاهر يَنْتَصِفُ لَهُنَّ مِنْكُمْ .