Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 35-35)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر الضربَ ذَكَرَ هذه المحاكمة ؛ لأنَّ بها يتبينّ المظلومُ من الظَّالِمِ . قال ابْنُ عَبَّاسٍ : { خِفْتُمْ } أي : علمتم قال : وَهَذَا بِخِلافِ قوله تعالى : { وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } ، فإنَّ ذلك محمول على الظَّنِّ ، والفرق بَيْنَ الموضِعَيْنِ في الابْتِدَاءِ يظهرُ له أمارات النُّشُوزِ ، فعند ذلِك يحصل الخَوْفُ ، وأمّا بَعْدَ الوعْظِ ، والهجر والضَّرْبِ إن أصرّت على النُّشُوزِ ، فقد حَصَلَ العِلْمُ بالنُّشُوزِ ، فَوَجَبَ حملُ الخَوْفِ ههنا على العِلْمِ . وقال الزَّجَّاجُ : القول بأن الخَوْفَ هاهنا بمعنى اليَقِيِنِ خطأ ، فإنّا لو عَلِمْنَا الشقاق عَلَى الحَقيقَةِ لم يحتج إلى الحُكمِ ، وأُجيبَ بأن وجود الشقاق وإن كانَ مَعْلُوماً ، إلاَّ أنا لا نَعْلم أن ذلك الشِّقاق صدر عَنْ هَذَا ، أو عَنْ ، ذلك ، فالحَاجَة إلى الحَكَمِيْنِ لمَعْرِفَةِ هذا المَعْنَى . قال ابْنُ الخَطيبِ : ويمكنُ أن يُقالَ : وُجود الشِّقَاقِ في الحَالِ مَعْلُومٌ ، ومثل هذا لا يَحْصلُ منهُ خَوْفٌ ، إنَّمَا الخَوْفُ في أنَّهُ هل يَبْقَى ذلك الشِّقَاقُ أم لا ، فالفَائِدَةُ في بعث الحكمين لَيْسَتْ إزالة الشِّقَاقِ الثَّابِت ، فإنَّ ذلك مُحَالٌ ، بل الفائِدَةُ إزالة ذلك الشِّقاق في المُسْتَقْبَلِ . قوله : { شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } فيه وجهان : أحدهما : أنَّ الشِّقَاقَ مضاف إلى " بَيْنَ " ومعناها الظَّرْفِيَّةُ ، والأصْلُ : " شقاقاً بينهما " ، ولكنَّهُ اتَّسع فيه ، فأضيف الحَدَثُ إلى ظَرْفِهِ وإضافة المصدر إلى الظرف جائزة لحصوله فيه ، وظرفيته باقية نحو : سَرَّنِي مسير اللَّيْلَةِ ، ويعجبني صَوْمُ يَوْم عَرَفَةَ ، ومنه : { بَلْ مَكْرُ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [ سبأ : 33 ] . والثَّاني : أنه خَرَجَ عن الظَّرفيَّةِ ، وبقي كَسَائِرِ الأسْمَاءِ ، كأنه أُريد به المُعَاشرة ، والمصاحبة بين الزَّوْجَيْنِ ، وإلى مَيْلُ أبي البقاء قال : والبَيْنُ هنا الوَصْلُ الكائنُ بين الزوجين " وللشقاق تأويلان : أحدهما : أن كل واحد منهما يفعل ما يَشُقُّ على صاحبه . والثاني : أن كل واحد منهما صار في شق بالعداوة والمباينة . فصل [ معاني الشقاق ] وقد ورد الشِّقاقُ على أربعة أوْجُهٍ : الأوَّلُ : بمعنى الخِلاَفِ كهذه الآية ، أي : خلاف بينهما . الثَّاني : الضَّلال ، قال تعالى : { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } [ الحج : 53 ] أي : في ضلال . الثَّالث : أن الشِّقَاقَ : العداوة قال تعالى : { وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ } [ هود : 89 ] أي : عداوتي ، و [ العداوة ] وممّا يشق على صاحبه . الرابع : أنّ كُلَّ واحدٍ منها صار في شقّ بالعداوة ، والمباينة . فصل [ هل البعث خطاب للإمام أم لآحاد الناس ] قوله { فَٱبْعَثُواْ } قال بعضهم : هذا خِطَابٌ للإمام ، أو نائبة وقال آخرون : هَذَا خطابٌ عامٌّ للجميع ، وليس حمله على البَعْضِ أولى من حَمْلِهِ على البَقِيَّةِ ، فَوَجَبَ حملُهُ على الكُلِّ ، فعلى هذا يَكُونُ أمراً لآحاد الأمّة سواء وجد الإمام ، أم لم يُوجَدْ ، فللصَّالحين أنْ يَبْعَثُوا حكماً من أهلِهِ ، وحكماً من أهْلِهَا للإصلاح ، ولأنَّ هذا يَجْرِي مَجْرَى دَفْع الضَّرَر ، ولكل أحد أنْ يَقُومَ به . قوله : { مِّنْ أَهْلِهِ } فيه وجهان : أحدُهُمَا : أنه متعلِّق بـ { فَٱبْعَثُواْ } فهي لابتداء الغاية . والثَّاني : أن يتعلَّق بمحذُوف ؛ لأنَّهَا صفة للنكِرَةِ ، أي : كائناً من أهله فهي للتَّبْغيضِ . فصل شَرْطُ الحَكَمَيْنِ أن يكونَا عَدْلَيْنِ ، ويجعلهما الحَاكِمُ حَكَمَيْنِ ، والأولى أنْ يكُونَ [ واحد من أهْلِهِ ، وواحد من أهْلِهَا ، لأنَّ أقاربهما أعرف بحالهما من الأجَانِبِ ، وأشدّ طلباً للصلاح ، فإن كانا ] أجنبيّين [ جَازَ ] . وفائدة الحكمين أن يخلو كُلّ واحد منهما بِصَاحِبِه ، ويستكشف منه حقيقةَ الحَالِ ، ليعرفَ رَغْبَتَهُ في الإقَامَةِ معه على النِّكَاحِ ، أو المُفَارَقَةِ ، ثمَّ يَجتمعُ الحكمان ، فَيَفْعَلاَنِ ما هو المَصْلَحَةُ من طلاقٍ ، أو خَلْع . وهل للحكمين تَنْفِيذُ أمْرٍ يُلْزِمُ الزَّوِجَيْنِ دون إذْنِهِمَا ، مثل : أن يطلق حَكَمُ الرَّجل ، أو يفتدي حَكَمُ المرْأةِ بشيءٍ من مالِهَا ؟ قال أبُو حَنِيفَةَ : لاَ يَجُوزُ . وقال غيره : يَجُوزُ . قوله : { إِن يُرِيدَآ } يَجُوزُ أن يَعُودَ الضميران في { إِنْ يُرِيدَآ } و { بَيْنَهُمَآ } على الزَّوْجَيْنِ ، أي : إن يُرد الزَّوجان إصلاحاً يُوفِّق اللَّهُ بَيْنَ الزوجين ، وأنْ يَعُودا على الحَكَمَيْنِ ، وأن يُعودَ الأوَّلُ على الحَكميْنِ ، والثَّانِي على الزَّوْجَيْنِ ، وأنْ يَكُونَ بالعكس وأُضْمِرَ الزَّوجان وإن لم يجر لهما ذكرٌ لدلاَلَةِ ذِكْر الرِّجَالِ والنِّسَاءِ عليهما . وجعل أبُو البقاءِ الضَّميرَ في { بَيْنَهُمَآ } عائداً على الزَّوْجينِ فقط ، سَوَاءٌ قيل بأن ضمير { يُرِيدُ ٱللَّهُ } عائداً على الحكمين ، او الزوجين . فصل قال القُرْطُبِيُّ : ويجزي إرسالُ الوَاحِدِ قال : لأن اللَّه - تعالى - حكم في الزنا بأربعة شهود ، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة الزَّانية أنَيْساً وحده ، وقالَ له : " إن اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا " قال : وإذا جَازَ إرسال الواحد فلو حَكَّمَ الزوجان واحداً أجْزَأ إذَا رَضِيَا بذلك ، وإنما خاطب الله الحكام دون الزوجين ، فإن أرسل الزوجان حَكَمَيْنِ وحَكما نفذ حكمهما ؛ لأن التحكيم عندنا جائز ، وينفذ فعلُ الحكم في كل مسألة ، إذا كان كل واحد منهما عدلاً . وأصل التوفيق المُوافَقَة ، وهي المُسَاوَاة في أمْرِ من الأمور ، فالتَّوْفِيق اللُّطف الذي يتفق عنده فعل الطاعة . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } والمراد : الوعيد للزَّوْجَيْنِ والحَكَمَيْنِ في طريق سُلُوك المُخَالفِ الحق .