Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 36-36)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لمَّا أرشد كُلَّ وَاحِدٍ من الزَّوْجَيْنِ إلى المُعَاملة الحسنة [ مع الآخر ، أرشد في هَذهِ الآية إلى سَائِرِ الأخْلاَق الحَسَنة ] وذكر منها [ هَهُنا ] عَشْرَة أنْوَاع : الأول : قوله - تعالى - : { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } قال ابن عبَّاسٍ : وَحِّدُوهُ ، واعلم أن العِبَادة عبارةٌ عن كل عَمَل يُؤْتَى به لمجَرَّد أمْر اللَّه - تعالى - بذلك ، ولما أمَر بالعبَادَةِ ، أمر بالإخلاصِ فيها : فقال { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } . قال القرطُبي : ذكر العُلَمَاء أن من تطهَّر [ تَبَرُّداً ] أو صام [ حميَّة ] لِمعدَتِهِ ، ويرى مع ذَلِكَ التَّقرُّب لم يُجْزِه ؛ لأنه مَزَج [ نية ] التَّقرُّب بنيَّة دُنْيَويَّة ، ولذا إذا أحسَّ الإمام بداخِلٍ وهو رَاكِعٌ لم يَنْتَظِرْه ، لأنه يُخْرِج ذكر [ الله ] بانتظاره عن كَوْنِه خالصاً - لله - تعالى . ثم قال { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } وتقدم الكلام على نظير هذا في البَقَرَةِ ، واتَّفقوا على أن ههنا مَحْذوفاً ، والتَّقْدير : " وأحسنوا بالوالدين إحساناً " ؛ كقوله : " فضرب الرقاب " أي : فاضْربُوها ، وقرأ ابن أبي عَبْلَة : " إحسان " بالرَّفع على أنَّه مُبْتَدأ ، وخبره الجَارّ [ والمجرور ] قَبْلَهُ . والمراد بهذه الجُملَةِ : الأمر بالإحسان وإن كانت خبريةً ؛ كقوله - تعالى - : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } [ يوسف : 18 ] . قوله : { وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } فأعاد الباء ، وذلك لأنها في حق هذه الأمَّة ، فالاعتناء بها أكثر ، وإعادة الباء تدل على زيادة تأكيد فناسب ذلك هنا ، بخلاف آية البَقَرَة ، فإنَّها في حقِّ بني إسْرائيل ، والمراد الأمْر بصلَة الرَّحم ، كما ذكر في أول السُّورة بقوله : { وَٱلأَرْحَامَ } [ النساء : 1 ] . واعلم أن الوَالِدَيْنِ من القَرَابة أيضاً ، إلا أنَّهما لمّا تَخَصَّصَت قرابتهما بكَوْنِهمَا أقرب القَرَابات ، لا جرم خصّهما بالذِّكْر . { وَٱلْيَتَامَىٰ } فاليتيم مَخْصُوص بنوعَيْن من العَجْز : أحدهما : الصِّغر . والثاني : عَدَمُ المُنْفِق ، ومن هذا حَالهُ كان في غَايَة العَجْزِ واستِحْقَاقِ الرحمة . قوله { وَٱلْمَسَاكِينِ } فالمسْكين وإن كان عدِيم المالِ ، إلا أنَّه لكبره يمكنه أن يَعْرض حالَ نَفْسَه على الغَيْرِ ؛ فيجتلب به نَفْعَاً أو يدفعَ به ضرراً ، وأما اليتيمُ ، فلا قُدرة له ؛ فلهذا المعنى قدَّم الله اليتيم في الذِّكر على المِسْكِين ، والإحْسَان إلى المِسْكِين إما بالإجْمَالِ إلَيْهِ ، وإمّا بالرَّدِّ الجميل ، لقوله : { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } [ الضحى : 10 ] . وقوله : { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } الجمهور على خفض الجارّ ، والمراد به القَرِيب النَّسِيب ، وبالجار الجُنُب : لبعيد النَّسِيب . وعن مَيْمُون بن مَهْرَان : والجار ذِي القُرْبَى ، أُريد به الجارِ القريب ، قال ابن عطيَّة : وهذا خطأ ؛ لأنَّه على تأويله جمع بين ألَ والإضافة ، إذ كان وَجْه الكَلاَمِ : وجار ذي القُرْبَى [ الجار القريب ] ، ويمكن جوابُه على أن ذِي القُرْبَى ، بدل من الجارِّ على حَذْفِ مُضَافٍ ، أي : والجار ذِي القُرْبَى ؛ كقوله : [ الخفيف ] . @ 1793 - نَصَرَ اللَّهُ أعْظُماً دَفَنُوهَا بسجِسْتَانَ طَلحة الطَّلحَاتِ @@ أي : أعْظُم طَلْحَة ، [ ومن كلامهم ] : لو يعلمُون العِلْم الكبيرة سنة ، أي : علم الكبيرة سنّه ، فحذف البَدل لدلالة الكلام عليه . وقرأ بعضهم : " والجار ذا القربى " نصباً ، وخرجه الزَمَخْشَرِي على الاخْتِصَاص لقوله - تعالى - : { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ } [ البقرة : 238 ] والجُنُب صِفَة على فُعُل ، نحو : " ناقة سُرُح " ، ويَسْتَوي فيه المُفْرَدَ والمثَنَّى والجُمُوع ، مذكراً أو مؤنَّثاً ، نحو : " رجال جنب " وقال - تعالى - : { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً } [ المائدة : 6 ] ، وبعضهم يثنيه ويجمعه ، ومثله : شُلُل ، وعن عَاصِم : والجَار الجَنْبِ ، بفتح الجيم وسُكُون النون وهو وَصْفٌ أيضاً بمعنى المُجَانِب ، كقولهم : رجل عَدْل ، وألفُ الجَار عن واو ؛ لقولهم : تجاورُوا ، وجَاوَرْتُه ، ويُجْمَع على جيرة وجِيَران ، والجَنَابَةِ البُعْد ؛ قال [ الطويل ] @ 1794 - فَلاَ تَحْرمَنِّي نَائلاً عَنْ جَنَابَةٍ فَإنِّي امْرُؤٌ وَسْطَ القبابِ غَريبُ @@ لأن الإنْسَان يُتركُ جَانباً ، ومنه { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [ إبراهيم : 35 ] ، وأصله من الجَنَابَة ، ضِدّها القَرَابَة ، وهو البُعْدُ ، يقال : رَجُلٌ جُنُبٌ ، إذا كان غريباً مُتَبَاعِداً عن أهله ، ورَجُل أجْنَبِيٌّ ، وهو البَعيد منك في القَرَابة ، ومنه الجَنَابَة من الجِمَاع ؛ لتباعده عن الطَّهَارَةِ وعن الصَّلاة حَتَّى يَغْتَسِل ، وهذان الجنبانِ ؛ لبُعْد كلِّ واحدٍ منهما عن الآخر . فصل : في الإحسان إلى الجار قالت عَائِشَة - رضي الله عنها - : " يا رسُول اللَّه ، إن لي جارَيْن ، فإلى أيهما أُهْدِي ، قال : إلى أقربِهِمَا منكِ باباً " وعن ابْن عُمر ؛ قال : قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم : " ما زال جِبْريلُ يُوصِيني بالجَارِ ، حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُورِّثُهُ " وقال - عليه السلام - : " لا يَدْخُلُ الجَنَّة من لا يَأمَنْ جَارُهُ بَوائِقَهُ ، ألاَ وَإنَّ الجَوارَ أرْبَعُون " وكان الزهري يقول : أرْبَعُون يَمْنَة ، وأربعون يَسْرَة ، وأربعون أمَامَه ، وأرْبَعُون خَلْفه . وعن بي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - : " قيل : يا رسُول الله ، إن فُلانَة تَصُوم النَّهار وتصلي بالَّيْلِ ، وفي لِسَانِها شَيءٌ يؤذي جِيرانَهَا ، [ فقال : " لا يَحْفَظُ ] حق الجَارِ إلا مَنْ رَحم اللَّه ، وقليل ما هُم ، أتدرون ما حَقُّ الجَارِ : إن افْتَقَر أغْنَيْتَه ، وإن استقْرَضَ أقْرَضْتَه ، وإن أصابه خير هَنَّيْتَه ، وإن أصَابه شَرٌّ عَزَّيته ، وإن مَرِض عُدْتَه ، وإن مَاتَ شَيَّعْت جَنَازته " . وقال نَوْف الشَّامِي : { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } المُسْلِم ، [ والجار ] الجُنُب : اليَهُودي والنَّصْرَاني . قال القرطبي : وعلى هذه فالوصاية بالجارِ ، مأمُورٌ بها مَنْدُوب إليها ، مسلِماً كان أو كَافِراً ، وهو الصَّحيح ، والإحْسَان قد يكون بِمَعْنَى المُوَاسَاة ، وقد يكون بِمَعْنَى حُسْن العِشْرَةِ ، وكَفّ الأذَى ، والمُحَامَاة دُونَه . وقال - عليه الصلاة والسلام - : " الجيرَان [ ثلاثة : ] فجارٌ له ثلاثة حُقُوقٍ ، وجار له حَقَّان وجارٌ له حَقٌّ واحد " . فأما الجار الَّذِي له ثلاَثَةُ حُقُوقٍ : فالجار القَريب المُسْلِم ، له حقُّ الجِوار ، وحق القَرَابَة ، وحَقّ الإسْلام . والجارُ الذي له حَقَّان : فهو الجَار المُسْلِم فله حق الإسلام ، وحق الجِوَارِ . والجار الذي له حَقٌّ واحد : هو الكَافِر ، له حق الجِوَار . وقال بَعْضُ العُلَمَاءِ : { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } هو القريب المَسْكَن منك ، { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } هو البعيد المَسْكَن منك . قال القَرْطُبِي : وأحَاديثُ إكرامِ الجَارِ جاءت مُطْلَقَةٌ غير مُقَيَّدة ، حتى الكَافِر وفي الخبر " قالُوا : يا رسُول اللَّه ، أنطعمهم من لُحُوم النُّسُك ؟ قال : " لا تطعم المشركين من نسك المسلمين " فنهيه - عليه السلام - عن إطْعَام المُشْرِكين من نُسُك المُسْلِمِ ، يحتمل النُّسُك لوَاجب الذي لا يجُوزُ للنَّاسِك أن يَأكُل مِنْهُ ، ولا أن يُطْعِمَهُ الأغْنِيَاء ، فأما غير الوَاجِبِ الذي يُجْزِيه إطعام الأغنياء ، فيجوز أن يُطعِمَهُ أهْل الذِّمَّة " قال - عليه الصلاة والسلام - لِعَائِشَةَ - رضي الله عنها - عند تفريقِ لَحْمِ الأضحِيَة : " أهْدِي جَارَنَا اليَهُودِيّ " " . قوله : { وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ } قال مُجاهد ، وابن عَبَّاس ، وعِكرمة ، وقتادة : يعني : الرفيق في السَّفَر ، وقال عَلِيّ وعبد الله ، والنَّخعِي : وهو المرْأة تكون إلى جِنْبِهِ . وقال ابن جُرَيْج ، وابن زِيْد : هو الذي يَصْحَبُك رجاء نَفعِك ، وقيل : هو الَّذِي صحبك إما رفيقاً في سَفَرٍ ، وإما جًاراً مُلاصِقاً ، وإما شريكاً في تَعَلُّم أو حرْفَة ، وإما قاعداً إلى جَنْبِك في مَجْلس وَاحِدٍ أو مَسْجِد أو غير ذلك ، من أدْنى صُحْبَة التأمَت بينك وبَيْنَه . وقوله : { بِٱلجَنْبِ } في الباء وجْهَان : أحدهما : أن تكون بمعنى " في " . والثاني : أن تكون على بَابِها وهو الأوْلَى ، وعلى كلا التَّقْدِيرَيْن تتعلّق بمحذُوف ؛ لأنها حَالٌ من الصَّاحِبِ . قوله : { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } قيل : هو المُسافِرِ الذي انْقَطع عن بلده ، وقيل : هو الضَّيْف ، قال - عليه السَّلام - : " من كان يُؤمِن باللَّه واليَوْمِ الآخر فليُكْرِم ضَيْفَهُ " . وقوله : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْْ } [ النساء : 3 ] يجوز أن يُرَاد بـ " ما " غير العَبِيد والإمَاء حَمْلاً على الأنْوَاع ؛ لقوله - تعالى - { مَا طَابَ لَكُمْ } [ النساء : 3 ] وأن يكون أُريد جميع ما مَلَكَهُ [ الإنسان ] من الحَيَوانات ، فاختلط العَاقِلُ بغيره ، فأتى بـ " ما " . فصل روت أمّ سَلَمة - رضي الله عنها - : " قالت : كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ في مَرَضِه : " الصَّلاة وما ملكت أيمانكم " وقال - عليه السلام - : " هم إخْوَانكُم جَعَلهم الله تَحْتَ أيْدِيكم ، فمن جعل اللَّه أخَاه تحت يَده ، فَلْيُطْعِمْه ممّا يَأكُل ، وليلبسه مما يَلْبِس ، ولا يُكَلِّفْه من العَمَل ما يغلبه [ فإن كَلَّفَهُ مَن العَمَل مَا يغلبه ] فَلْيُعِنْهُ عليه " . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } : المُخْتَال هو ذُو الخُيَلاَء والكِبْر . قال أهل اللغة : هو التيَّاه ، والمُخْتَال اسم فاعِلٍ من اخْتَال يَخْتَال ، أي : تَكَبَّر وأعْجِب بنَفْسِهِ ، وألفهُ عن ياءٍ ؛ كقولهم : الخُيَلاَءُ والمَخِيلَة ، وسُمِع أيضاً : خَالَ الرَّجُل يخال خَوْلاً بالمعنى الأوَّل ، فيكون لهذا المَعْنَى مَادَّتَان خَيَلَ وَخَوَلَ . قال ابن عبَّاس : " يريد المُخْتَال العَظِيم في نَفْسِهِ ، الذي لا يَقُوم بحقُوقُ أحَد " . والفَخُور صيغة المُبَالَغَة ، وهو الَّذِي يعد مَنَاقِب نَفْسِه ومحاسنه ، وقال ابن عبَّاس : الفَخُور الذي يَفْخَر على عِبَاد الله بما أعْطَاه من أنْواع نِعَمِهِ . وقال - عليه السلام - : " بينما رجل يتبختر في بردين ، وفد أعْجَبَتْه نَفْسُه ، خسف الله به الأرْض ، فهو يتجْلجَل فيها إلى يَوْم القِيَِامَة " . وقال - عليه السلام - : " لا يَنْظُر اللَّه إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيْلاَء يوم القِيامَة " .