Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 47-47)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

" وذلك أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كَلَّم أحْبَارَ اليَهُود : عَبْد اللَّهِ بن صوريا ، وكَعْبَ بن الأشْرَف ، فقال : يا مَعْشَر اليَهُود ، اتَّقُوا اللَّه وأسْلِمُوا ، والله إنكُم تَعْلَمُون أن الَّذِي جِئْتُم به الحَقّ ، قالوا : ما نَعْرِفُ ذلك ، وأصَرُّوا على الكُفْرِ ؛ " فَنَزَلَت هذه الآية . فإن قيل : كان يَجِبُ أن يأمُرهُم بالنَّظَرِ والتفكُّر في الدَّلاَئِل ، حتى يكُون إيمانُهُم اسْتِدْلاليّاً ، فلما أمرهُم بالإيمان ابْتِداءً ؛ فكأنه - تعالى - أمَرَهُم بالإيمَانِ على سَبِيل التَّقْليد . فالجوَابُ : أن هذا خِطابٌ مع أهْلِ الكتاب ، وكانُوا عَالِمين بِهَا في التَّوْرَاة ؛ ولهذا قال : { مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } أي : من الآيَاتِ الموْجُودَة فِي التَّوْرَاة الدَّالة على نُبُوَّة محمد - عليه الصلاة والسلام - . قوله : { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ } متعلِّق بالأمْرِ في قوله : { آمِنُواْ } ونطمِسُ يكون متعدِّياً ومنه هذه الآية ؛ ومثلها : { فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ } [ المرسلات : 8 ] لبنائه للمَفْعُول من غير [ حَرْف ] جَرٍّ ، ويكُون لازِماً ، يقال : طَمَسَ المَطَرُ الأعلامَ ، وطَمَست الأعْلامُ . قال كعب : [ البسيط ] @ 1808 - مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذَّفْرَى إذَا عَرِقَتْ عُرْضَتُهَا طَامِسُ الأعلامِ مَجْهُولُ @@ وقرأ الجُمْهُور : { نَّطْمِسَ } بكسر الميم ، وأبو رَجَاء بِضَمِّها ، وهما لُغَتَان في المُضَارِع ، وقدَّر بعضهم مُضافاً أي : " عيون وجوه " ويقوَّيه أن الطَّمْس للأعْيُن ؛ قال - تعالى - : { لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ } [ يس : 66 ] . فصل في معنى الطمس والخلاف فيه الطَمْسُ : المَحْوُ ؛ تقول العرب في وصف المفَازَةِ : إنها طَامِسَةُ الأعلامِ ، وطَمس الطَّرِيق إذا دَرَسَ ، وقد طَمَسَ اللَّه على بَصَرِه ؛ إذا أزَالَهُ ، وَطَمَست الرِّيحُ الأثَر : إذا مَحَتْهُ ، وطَمَسْت الكِتَاب : إذا مَحَوْتَه ، واخْتَلَفُوا في المراد بالطَّمْسِ هُنَا . فقال ابن عباس : نَجْعَلُهَا كَخُفِّ البَعِير . وقال قتادة والضَّحَّاك : نُعْميها . وقيل : نمحو آثارهَا وما فيها من أعْيُن ، وأنْف ، وَفَم ، وحَاجِب . وقيل : نجعل الوُجُوه منابِتَ الشَّعَر ، كوُجُوهِ القِرَدَةِ ، وقيل : يجعلُ عَيْنَيْهِ في القَفَا ؛ فَيَمْشِي القَهْقَرَى ، وقيلَ : المرادُ بـ " الوجوهِ " : الوجَهَاءُ ، والرؤسَاءُ . ورُوِيَ : أنَّ عبد الله بْنَ سلامٍ ، ولمّا سَمِعَ هذه الآية ؛ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أنْ يأتِيَ أهْلُهُ ، ويدَهُ على وَجْهِهِ ، وأسْلَم ، وقال : يا رسُولَ الله ، ما كنتُ أرَى أنْ أصِلَ إليْك ؛ حَتَّى يتحولَ وَجْهِي إلى قَفَايَ ؛ وكذلك كعبُ الأحْبَارِ ، لَمَّا سَمِعَ هذه الآيةَ ، أسْلَمَ في زَمَنِ عُمَرَ ، فقال : يا رَبِّ ، آمَنْتُ ، يا رَبِّ ، أسلمتُ ؛ مخافَةَ أنْ يُصِيبَه - وعيدُ هذه - الآية . فإن قيلَ : قد أوعدهم بالطمْسِ إنْ لم يُؤمِنُوا ، ولَمْ يَفْعَلْ ذلك بِهم ؟ فالجوابُ : أنَّ الوَعِيدَ باقٍ ، ويكونُ طَمْسٌ ، ومَسخٌ في اليهود ، قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ ، وقيل : إنَّه جَعَل الوِعيدَ : إمَّا الطمسَ ، وإمَّا اللَّعْنَ ، وقد فَعَلَ أحَدَهُمَا ، وهو اللَّعْنُ . وقيل : كان هذا وَعِيداً بشرطٍ فلما أسْلَمَ عبد الله بن سلام ، وأصحابُه ، رفع ذلك عن الباقينَ ، وقيل : أرَادَ بِهِ في القيامةِ . وقال مُجَاهِدٌ : أراد بقوله { نَّطْمِسَ وُجُوهاً } ، أيْ : يترُكهُم في الضَّلاَلَة ، فيكون المرادُ طَمْسَ وَجْهِ القَلْبِ ، والردَّ عن الهُدَى . وقال ابنُ زَيْدٍ : نَمْحُو آثَارَهُمْ مِنْ وجُوهِهِم ، ونَوَاصيهم التي هم بها وقد لحقَ اليهودَ ، ومضى ، وتأويل ذلك في إجْلاءِ قُُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ إلى الشَّام ، فرد اللَّهُ وُجُوهَهُم على أدْبَارِهم ، حين عادوا إلى أذْرِعَاتٍ ، وأريحاء من الشامِ . قوله : { عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ } فيه وَجْهَانِ : أظهرهُمَا : أنَّهُ متعلقٌ بـ { فَنَرُدَّهَا } . والثَّاني : أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ ؛ لأنه حالٌ من المفعولِ في { فَنَرُدَّهَا } ؛ قَالَهُ أبُو الْبَقَاءِ . قوله : { أَوْ نَلْعَنَهُمْ } عطفٌ على نَطْمِس ، والضميرُ في " نلعنهم " يَعُودُ على الوُجُوهِ ، على حَذْفِ مُضَاف إلَيْهِ : أيْ : وُجُوه قَوْم ، أوْ عَلَى أن يُرَادَ بِهمُ : الوُجَهَاءَ والرؤساءَ ، أو يعودَ على الَّذين أوتُوا الكِتَابَ ، ويكونُ ذلك التِفاتاً مِنْ خَطَابٍ إلى غَيْبةٍ ، وفيه اسْتِدْعاؤهُم للإيمانِ ؛ حيثُ لم يُوَاجِهْهُمْ باللَّعْنَةِ بَعْدَ أن شَرَّفَهُم بكوْنِهم مِنْ أهْل الكتابِ . فصل في المراد باللعن قال مُقَاتِلٌ ، وغَيْرهُ : المرادُ باللَّعْنِ : مَسْخُهُمْ قِرَدَةً ، وخَنَازِير ، فإنْ قيل : قد كان اللّعْنُ حَاصِلاً قبل هذا الوعيد . فالجوابُ : أن هذه اللَّعْنَةَ بعد الوعيد ، أزْيَدُ تأثيراً في الخِزْيِ ، وقيل : المرادُ بهذا اللَّعْن ، الطَّرْدُ ، والإبْعَادُ [ و ] قولهُ { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ } : أمرٌ واحدٌ أُريدَ به الأمُورُ ، وقيل : هو مصدرٌ واقعٌ موقعَ المفعولِ به ، أيْ : مَأمُوره ، أي : ما أوْجَدَه كائِنٌ لا مَحَالَة . قال ابنُ عبَّاس : يريدُ لا رَادَّ لِحُكْمَه ، ولا ناقِضَ لأمْرِه ، وعلى [ مَعْنَى ] أنه لا يَبْعُدُ عليه شَيءٌ [ يُريدُ ] أن يَفْعَلهُ ، وإنَّما قال : { وَكَانَ } إخباراً عن جريان عادةِ اللَّهِ في الأنْبِياءِ المتقدِّمِينَ ، أنَّه مَتَى أخْبرهم بإنْزَال العَذَابِ عليْهم فعل ذلك لا مَحَالة . فصل : دفع شبهة الجبائي احتجَّ الجُبَّائِيُّ بهذه الآيةِ على أنَّ كلامَ اللَّهِ مُحْدَثٌ ؛ لأنَّ المفعولَ مَخْلُوقٌ . فالجوابُ : أنَّ الأمْرَ في اللُّغَةِ ، جاءَ بمعنى الشَّأنِ ، والطَّريقَةِ ، والفِعْلِ ؛ قال تعالى : { وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } [ هود : 97 ] .