Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 84-84)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - تعالى - : " فقاتل " : في هذه الفَاءِ خَمْسَةُ أوجه : أحدها : أنَّها عاطفةٌ هذه الجُمْلَة على جُمْلة قوله : { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ النساء : 74 ] . الثاني : أنها عاطفتها على جُمْلَةِ قوله : { فَقَاتِلُوۤاْ أَوْلِيَاءَ ٱلشَّيْطَانِ } [ النساء : 76 ] . الثالث : أنَّها عاطِفتُها على جُمْلَة قوله : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ } [ النساء : 75 ] . الرابع : أنها عاطفتها على جملة قوله : { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 74 ] . الخامس : أنها جوابُ شرط مُقَدَّر ، أي : إنْ أرَدْت فقاتل ، وأولُ هذه الأقْوَال هو الأظْهَر . فصل لما أمر بالجِهَاد في الآيات المُتقدِّمة ورغب فيه ، وذكر قِلَّة رغبة المُنَافِقِين في الجِهَاد ، عاد [ إلى ] الأمْر بالجِهَاد في هَذِه الآية . قوله : { لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } في هذه الجُمْلَة قولان : أحدهما : أنها في محلِّ نَصْب على الحَالِ من فاعل " فقاتِلْ " أي : فقاتِلْ غير مُكَلَّفٍ إلا نَفْسك وحدها . والثاني : أنها مُسْتأنفة أخْبَرَه - تعالى - أنه لا يكلِّف غَيْرَ نَفْسِه . والجمهور على " تُكَلَّفُ " بِتَاء الخِطَاب ورفْع الفعل مبنيّاً للمفعُول ، و " نفسك " هو المفعُول الثاني ، وقرأ عبد الله بن عُمَر : " لا تُكَلِّفْ " كالجَمَاعة إلا أنه جزمه ، فقيل : على جَواب الأمْرِ ، وفيه نظرٌ ، والذي يَنْبَغِي أن يكُون نَهْياً ، وهي جملة مُسْتأنفة ، ولا يجُوز أن تكون حَالاً في قراءة عبد الله ؛ لأنَّ الطَّلَب لا يكون حالاً ، وقرئ " لا نكلف " بنُون العَظَمَة ورفع الفِعْل ، وهو يَحْتَمِل الحال والاستئنَاف المُتقدِّمَيْن . فصل في سبب نزول الآية روي أن رسُول الله صلى الله عليه وسلم واعد أبا سُفيان بعد حَرْب أحد موسم بدر الصُّغْرى في ذِي القَعْدَة ، فلما بلغ المِيعَادُ دعَا النَّاس إلى الخُرُوج فكرهه بَعْضُهُم ؛ فأنزل الله : { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ } أي : لا تَدَع جِهَاد العَدُوِّ ولو وحدك ، فإن اللَّه قد وعدك بالنُّصْرة ، و { حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ } [ الأنفال : 65 ] أي : حثَّهُم ورغَّبْهم في الثَّواب ، فَخَرَج رسُول الله صلى الله عليه وسلم في سَبْعِين رَاكِباً فَكَفَاهُم اللَّه القِتَالَ . والتَّحْرِيض : الحَثُّ على الشيءِ ، قال الرَّاغِب : كأنه في الأصْل إزالةُ الحَرَض ، نحو : " قَذَيْتُه " أي : أزَلْت قَذَاهُ وأحْرَضْتُه : أفسَدْتُه كأقذيته ، أي : جَعَلْتُ فيه القَذَى ، والحَرَضُ في الأصْل : ما لا يُعْتَدُّ به ولا خَيْر فيه ، ولذلك يقال للمُشْرِف على الهَلاكِ ؛ " حَرَض " ؛ قال - تعالى - : { حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً } [ يوسف : 85 ] وأحرصه كذا ، قال : [ البسيط ] @ 1846 - إنِّي امْرؤٌ هَمٌّ فأحْرَضَنِي حَتَّى بلِيتُ وَحَتَّى شَفَّنِي السَّقَمُ @@ فصل دلَّت الآية على أنَّه لو لم يُساعده على القِتَالِ غيره ، لم يجز له التَّخَلُّفُ عن الجِهادِ ألْبَتَّة ، والمعنى : لا تؤاخذ [ إلا ] بفعلك دون فِعْل غَيْرِك ، فإذا أدَّيْت فرضك لا تُكَلِّف بِفَرْض غَيْرِك ، واعْلَم : أنَّ الجِهَاد في حَقِّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم واجِبٌ ، فإنه على ثِقَة من النَّصْر والظَّفْرِ ؛ لقوله - [ تعالى ] - : { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ المائدة : 67 ] ، وقوله هَهُنَا : { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وعسى من الله : جَزْمٌ وَاجِبٌ فلزمه الجِهَاد وإن كان وحده بِخِلاف أمَّته ، فإنه فَرْضُ كِفَايَة ، فما لَمْ يَغْلِب على الظَّنِّ أنه يُفيد ، لم يَجِبْ . وقوله : { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : قِتَال المُشْركين والبَأس أصله المكرُوه ، يقال : ما عَلَيْكَ من هذا الأمْر بَأسٌ ، أي : مَكْرُوه ، ويقال : بِئسَ الشَّيْء هذا إذا وُصِف بالرَّدَاءَة : قال - تعالى - : { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } [ الأعراف : 165 ] والعَذَاب قد يُسَمَّى بأساً ؛ لكونه مَكْرُوهاً ؛ قال - تعالى - : { فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا } [ غافر : 29 ] ، { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ } [ الأنبياء : 12 ] { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 84 ] قوله : { وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } " بأساً " و " تنكيلاً " : تمييز ، والتَّنْكِيل تفعيل من النَّكْل وهو القَيْد ، ثم اسْتُعْمِل في كُلِّ عذاب يقال : نَكَلْت فُلاناً ؛ إذا عَاقَبْتَه عقوبَةً تَنْكِلُ غَيْره عن ارتِكَابِ مِثْله ، من قَوْلِهِم : نَكَل الرَّجُل عن الشَّيءِ ، إذا جَبُن عَنْه وامْتَنَع منه ؛ يُقَال : نَكَلَ فلان عن اليَمين ؛ إذا خَافَه ولم يُقْدِم عَلَيْه ، قال - تعالى - : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا } [ البقرة : 66 ] وقال في حَدِّ السَّرقَة : { جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ } [ المائدة : 38 ] ، فقوله : { وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً } أي : أشد صَوْلَةً وأعظم سُلْطَاناً ، { وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } أي : عُقُوبة ، وبيان هذا التَّفَاوُت أنَّ عذاب الله دَائِم ، وعذاب غَيْره لا يَدُوم ، وعذاب الله لا يَقْدِر أحدٌ على التَّخَلُّص مِنْهُ ، وعذاب غَيْره يتخلَّص مِنْه .