Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 66-68)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } لما أورد على المشركين تلك الأدلة الدالة على إثبات إله العالم أمره بهذا القول ؛ ليصرفهم عن عبادة الأوثان ، وبين وجه النهي في ذلك وهو ما جاءه من البينات ، وهو ما تقدم من الدلائل على أن إله العالم قد ثَبَتَ كونُهُ موصوفاً بصفات الجَلاَل والعظمة على ما تقدم وصريحُ العقل يشهد بأن العبادة لا تليق إلا به ، والأحجار المنحوتة والأخشاب المُصوَّرة لا تصلح أن تكون شريكاً له فقال : وأمرت أَنْ أُسْلِمَ لرب العالمين ، وذلك حين دُعِيَ إلى الكفر . قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ … } لما استدل على إثبات الإلهية بدليل الآفاق وذكر منها الليل والنهار والأرض والسماء ، ثم ذكر الدليل على إثبات الإله القادر بخلق الأنفس وهو نوعان : أحدهما : حسن العودة ورزق الطيّبات ؛ ذكر النوع الثاني وهو : تكوين البدن من ابتداء كونه نُطفةً وجَنيناً إلى آخر الشَّيْخُوخَة والموت فقال : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } ، قيل : المراد آدم . قال ابن الخطيب : وعندي لا حاجة إلى ذلك لأن كل إنسان فهو مخلوق من المَنِي ومن دَم الطَّمْثِ والمَنِي مخلوق من دم فالإنسان مخلوق من الدّم ، والدم إنما يتولد من الأغذية والأغذية إما حيواينة وإما نباتية ، والحال في ذلك الحيوان كالحال في تكوين الإنسان فكانت الأغذية إما حيوانية وإما نباتية ، والحال في ذلك الحيوان كالحال في تكوين الإنسان فكانت الأغذية كلها منتهية إلى النبات والنبات إنما يكون من التراب والماء فثبت أن كل إنسان مُتَكَوِّن من التراب ، ثم إن ذلك التراب يصير نطفةً ثم علقةً ، ثم بعد كونه علقة مراتب إلى أن ينفصل من بطن الأم . والله تعالى ترك ذكرها ههنا لأنه ذكرها في آيات أُخَر ، قال : { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } أي أطفالاً { ثُمَّ لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ } . ( قال الزمخشري : قوله : لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) متعلق بفعل محذوف ، تقديره ثم يبعثُكم لِتبلغُوا أَشُدَّكُمْ ، { ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ } أي : أن يصير شَيْخاً ، أو من قبل هذه الأحوال إذا خرج سَقْطاً ثم قال : { وَلِتَبْلُغُوۤاْ أَجَلاً مُّسَمًّى } أي ولتبلغوا جميعاً { أَجَلاً مُّسَمًّى } وقتاً محدوداً لا تُجَاوِزُونَه وهو وقت الموت . وقيل : يوم القيامة ، { وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ } أي لكي تعقلوا توحيد ربكم وقدرته وتستدلوا بهذه الأحوال العجيبة على وحدانية الله تعالى . ثم قال : { هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ } والمعنى أنه تعالى لما ذكر انتقال الأجسام من كونها تراباً إلى أن بلغت الشيخوخة ، واستدل بهذه التغييرات على وجود الإله القادر قال بعده : { هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ } أي كما أن الانتقال من الحياةِ إلى الموت وبالعكس ، يدل على الإله القادر . ( و ) قوله : { فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ } فيه وجوه : الأول : معناه أنه لم ينقل هذه الأجسام من صفة إلى صفة أخرى بآلةٍ تعينه إنما يقول له كن فيكون . الثاني : أنه عبر عن الإحياء والإماتة بقوله : { كُن فيَكُونُ } فكأنه قيل : الانتقال من كونه تراباً إلى كونه نطفةً إلى كونه علقةً انتقالاتٌ تَحْصُل على التدريج قليلاً . وأما صَيْرُورَتُهُ حَيَّا فهي إنما تحصل بتعليق جَوْهَر الرُّوح ، وذلك يحدث دفعة واحدة فلهذا عبر عنه بقوله : " كن فيكون " . الثالث : أنَّ من الناس من يقول : إن الإنسان إنما يتكون من المَنِي والدَّم في الرحم في مدة معينة بحسب الانتقالات من حال إلى حال ، فكأنه قيل : إنه يمتنع أن يكون كل إنسان عن إنسان آخرَ ؛ لأن التسلسل محالٌ ، ووقوع الحادث في الأزل محال فلا بد من الاعتراف بإنسان هو الناس وحينئذ يكون حدوث ذلك الإنسان لا بواسطة المَنِي والدم بل بإيجاد الله تعالى ، ابتداءً ، فعبر الله تعالى عن هذه المعنى بقوله : { كُن فيَكُونُ } .