Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 69-76)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ … } الآيات . اعلم أنه تعالى عادَ إلى ذَمِّ الذين يجادلون في آيات الله ، أي في إنكار آيات الله ودفعها والتكذيب بها ، فعَجَّبَ تعالى منهم بقوله : { أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } ؟ كيف صُرِفُوا عن دين الحق وهذا كما يقول الرجل لمن لا يسمع نصحه : إلى أين يُذْهَبُ بك ؟ ! تعجباً من غفلته . قوله : " الذين كذبوا " ، يجوز فيه أوجه ، أن يكون بدلاً من الموصول قبله ، أو بياناً له أو نعتاً أو خبر مبتدأ محذوف ، أو منصوباً على الذم ، وعلى هذه الأوجه ، فقوله : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } جملة مستأنفة ، سيقت للتهديد . ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر الجملة من قوله : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } ودخول الفاء فيه واضح . فصل المعنى هم الذين كذبوا بالكتاب أي بالقرآن وبما أرسلنا به رسلنا من سائر الكتب ؛ قيل : هم المشركون . وعن محمد بن سِيرِين وجماعة : أنها نزلت في القَدَرِيَّة . قوله : { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ } فيه سؤال ، هو أن " سوفَ " للاستقبال ، و " إِذْ " للماضي ، فقوله : { فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم } مثل قولك : سَوْفَ أَصُومُ أَمْسِ ، والجواب : جوزوا في " إذ " هذه أن تكون بمعنى " إذا " ؛ لأن العامل فيها محقق الاستقبال وهو فسوف يعلمون . قالوا : وكما تقع " إذَا " موضع إِذْ في قوله تعالى : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } [ الجمعة : 11 ] كذلك تقع إِذْ مَوْقِعَهَا . وقد مضى نَحْوٌ من هذا في البقرة عند قوله تعالى : { وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } [ البقرة : 165 ] قالوا : والذي حسن هذا تيقن وقوع الفعل ، فأخرج في صورة الماضي . قال شهاب الدين : ولا حاجة إلى إخْراج " إِذْ " عن موضوعها ؛ بل هي باقية على دَلاَلتِهَا على المعنى ، وهي منصوبة بقوله : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } نصب المفعول به ، أي فسوف يعلمون يوم القيامة وقت الأغلال في أعناقهم أيْ وقتَ سببِ الأغلال ، وهي المعاصي التي كانوا يفعلونها في الدنيا ، كأنه قيل : سيعرفون وقت معاصيهم التي تَجْعَلُ الأغلال في أعناقهم وهو وجه واضح غاية ما فيه التصرفُ في إذ يجعلها . وهو وجه واضح غاية في ما فيه التصرف في إذ يجعلها مفعولاً بها . ولا يضر ذلك ، فإن المعربين غالب أوقاتهم يقولون : منصوب " باذْكُرْ " مُقَدَّراً ، أو لا يكون حينئذ إلا مفعولاً به لاستحالة عمل المستقبل في الزمن الماضي . وجوز أن يكون منصوباً باذْكُرْ مقدراً ، أي اذكر لهم وَقْتَ الإِغلال ؛ ليخالفوا ويَنْزَجِرُوا ، فهذه ثلاثة أوجه خيرها أوسطها . قوله : " والسَّلاَسِلُ " العامة على رفعها ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه معطوف على الأغْلاَلِ . وأخبر عن النوعين بالجار ، فالجال في نية التأخير والتقدير : إذ الأَغْلاَلُ والسَّلاَسِلُ في أعنقاهم . الثاني : أنه مبتدأ ، والخبر محذوف لدلالة خبر الأول عليه . الثالث : أنه مبتدأ أيضاً ، وخبره الجملة من قوله : " يُسْحَبُونَ " ولا بُدَّ مِن ذكر ضمير يعود عليه منها ، والتقدير : والسلاسل يُسْحَبُونَ بِهَا ، حذف لِقُوَّة الدَّلالةِ عليه . " فَيُسْحَبُونَ " مرفوع المحل على هذا الوجه . وأما في الوجهين المتقدمين فيجوز فيه النصب على الحال من الضمير المنويّ في الجار ، ويجوز أن يكون مستأنفاً . وقرأ ابنُ عَبَّاسٍ وابنُ مسعُودٍ وزَيْدُ بْنُ عَلِيِّ وابْنُ وَثَّابٍ ، والحسن في اختياره " والسَّلاَسِلَ " نصباً يَسْحَبُونَ بفتح الياء ، مبنياً للفاعل ، فيكون السلاسل مفعولاً مقدماً ، ويكون قد عطف جملة فعلية على جملة اسمية . قال ابن عباس في معنى هذه القراءة : إذا كانوا يَجُرُّونَهَا فهو أشد عليهم يكلفون ذلك ولا يطيقونه . وقرأ ابن عباس وجماعة " والسَّلاَسِل " بالجر يُسْحَبُونَ مبنياً للمفعول وفيها ثلاثةُ تأويلاتٍ : أحدها : الحمل على المعنى وتقديره إِذْ أَعْنَاقُهُم في الأغلالِ والسلاسلٍ فلما كان معنى الكلام على ذلك حمل عليه في العطف . قال الزمخشري : ووجه إنه لو قيل : " إِذْ أَعْنَاقُهُمْ في الأغلال مكان قوله : إِذ الأَغْلاَلُ في أعناقهم " لكان صحيحاً مستقيماً ، فلما كانتا عبارتين مُعْتَقِبَتَيْنِ ، حمل قوله : " والسلاسل " ( عليه ) على العبارة الأخرى . ونظيره : @ 4347ـ مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرةً وَلاَ نَاعِبٍ إلاَّ بِبَيْنٍ غُرَابُهَا @@ كأنه قيل : بمصلحين . وقرىء : بالسَّلاَسلِ . وقال ابن عطية : تقديره : إذا أعناقهم في الأغلال والسلاسلِ فعطف على المراد من الكلام لا على ترتيب اللفظ ؛ إذ ترتيبه فيه قلب ، وهو على حد قول العرب : أَدْخَلْتُ القَلَنْسُوَةَ فِي رَأْسِي . وفي مصحف أًُبيٍّ : وفي السلاسِل يَسْحَبُونها . قال أبو حيان بعد قول ابن عطية والزمخشري المتقدم : ويسمى هذا العطف على التوهم ، إلا أن قولهم : إدخال حرف الجر على مصلحين أقرب من تغيير تركيب الجملة بأسرها ، والقراءة من تغيير تركيب الجملة السابقة بأسرها ، ونظير ذلك قوله : @ 4348ـ أَجِـدَّكَ لَـنْ تَرَى بـثـُعَـيْـلبَـاتٍ وَلاَ بَيْدَاءَ نَـاجِيَـةً ذَمُـولاَ وَلاَ مُتَدارِكٍ واللَّيْـلُ طِفْـلٌ بِبعْضِ نَوَاشِغِ الوَادِي حُصُـولاَ @@ التقدير : لَسْتَ براءٍ ولا بمتداركٍ . وهذا الذي قالاه سبقهما إليه الفَرَّاءُ فإِنه قال : " من جر السلاسل حمله على المعنى " ، إذ المعنى أعناقهم في الأغلال والسلاسل . الوجه الثاني : أنه عطف على " الحميم " ، فقدم على المعطوف عليه وسيأتي تقرير ذلك . الثالث : أن الجر على تقدير إضمار الخافض ويؤيده قراءة أُبَيٍّ : " وفِي السَّلاَسِلِ " وقرأ غيره : وبالسَّلاَسِلِ وإلى هذا نحا الزجاج ، إلاَّ أنَّ ابْنَ الأنباريِّ ردَّه وقال : لو قلت : " زيد في الدار " لم يحسن أن تضمر " في " فتقول : زيد ( في ) الدار ثم ذكر تأويل الفراء وخرج القراءة عليه . ثم قال : كما تقول : " خَاصَمَ عَبْد اللهِ زَيْداً العَاقِليْنِ " ، بنصب " العاقلين " ورفعه ؛ لأن أحدهما إذا خاصم صاحبه فقد خاصمه الآخر . وهذه المسألة ليست جارية على أصول البصريين ، ونصّوا على منعها وإنما قال بها من الكوفيين ابْنُ ( سَـ ) ـعْدَانَ . وقال مَكيّ : وقد قرىء : والسَّلاَسلِ بالخفض على العطف على الأعناق ، وهو غلط ؛ لأنه يصير الأغلال في الأعناق وفي السلاسل ولا معنى للأغلال في السَّلاَسل ؟ قال شهاب الدين : وقوله : على العطف على الأعناق ممنوع بل خفضه على ما تقدم . وقال أيضاً : وقيل : هو معطوف على " الحميم " وهو أيضاً لا يجوز ؛ لأن المعطوف المخفوض ، لا يتقدم على المعطوف عليه لو قلت : " مَرَرْتُ وَزَيْدٍ بِعَمْرو " لم يجز ، وفي المرفوع يجوز ، نحو : قَام وَزَيْدٌ عَمْرٌ ، ويبعد في المنصوب لا يحسن رأيتُ وَزَيْداً عَمْراً ، ولم يُجِزْهُ في المخفوض أحدٌ . قال شهاب الدين : وظاهر كلامه أنه يجوز في المرفوع منعه ، وقد نصوا أنه لا يجوز إلا ضرورة بثلاثة شروط : أن لا يقع حرف العطف صدراً ، وأن يكون العامل متصرفاً ، وأن لا يكون المعطوف عليه مجروراً وأنشدوا : @ 4349ـ … عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللهِ السَّلاَمُ @@ إلى غير ذلك من الشواهد مع تنصيصهم على أنه مختص بالضرورة . و " السَّلاَسِلُ " معروفة ، قال الراغب : " وتَسَلْسَلَ الشيءُ اضطرب كأنه تُصُوِّر منه تسلسلٌ متردد فتردد لفظه تنبيهاً على تردد معناه . وماء سلسل متردد في مقره " . والسَّحْبُ : الجر بعنف ، والسَّحابُ من ذلك لأن الريح تَجُرُّهُ ، أو لأنه يجر الماء ، وسجرت التَّنُّورَ أي ملأته ناراً وهيجتها ، ومنه البحر المسجور ، أي المملوء ، وقيل : المضطرب ناراً ، وقال الشاعر ( ـ رحمة الله عليه ـ ) : @ 4350ـ إِذَا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورةً تَرَى حَوْلَهَا النَّبْعَ والشَّوْحَطَا @@ فمعنى قوله تعالى هنا : { ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } أي يوقد بهم ، كقوله تعالى : { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } [ التحريم : 6 ] والسَّجِيرُ : الخليلُ الذي يَسْجُرُ في مَوَدَّة خليله ، كقولهم : فُلاَنٌ يَحْتَرِقُ فِي مَوَدَّةِ فُلاَنٍ . فصل هذه كيفية عقابهم ، والمعنى أنه يكون في أعناقهم أغلال وسلاسل ثم يسحبون بتلك السلاسل في الماء المُسَخَّنِ بنار جهنم ، ثم تُوقَدُ بهم النار { قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني الأصنام { قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا } أي فقدناهم وغابوا عن عيوننا فلا نراهم ، ثم قالوا : { بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً } أنكروا ، كقولهم في سورة الأنعام : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] وقيل : معناه لم نكن ندعو من قبل شيئاً يضر وينفع . وقال الحسين بن الفضل : أي لم نكن نصنع من قبل شيئاً أي ضاعت عبادتنا لها كما يقول من ضاع عمله : " ما كنت أعمل شَيْئاً " . ثم قال تعالى : { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } قال القاضي : معناه أنه يُضِلُّهم عن طريق الجنة ، ولا يجوز أن يقال : بضلهم عن الحجة ، وقد هداهم في الدنيا ، وقال { يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم حتى أنهم لو طلبوا الآلهة ، أو طلبتهم الآلهة لم يجد أحدهما الآخر . قوله تعالى : { بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ } أي ذلكم العذابُ الذي نزل بكم { بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ } تَبْطُرون وتَأشِرُونَ { فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } تفرحون وتختالون . وقيل : تفرحون من باب التجنيس المحرف ، وهو أن يقع الفرق بين اللفظين بحرف . قوله : { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ } أي السبعة المقسومة لكم { خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } المخصوص بالذم محذوف ؛ أي جهنمُ أو مَثْوَاكُمْ ، ولم يقل : فبئس مدخل ؛ لأن الدخول لا يدوم وإنما يدوم الثّواء ، فلذلك خصه بالذم ، وإن كان أيضاً مذموماً .