Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 26-28)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } لما بين في الآية المتقدمة أنه ليس لأولئك الكفار حجة إلا تقليد الآباء ، ثم بين أنه طريق باطل ، وأن الرجوع إلى الدليل أولى من التقليد أردفه بهذه الآية ، وهو وجه آخر يدل على فساد التقليد من وجهين : الأول : أنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه تبرأ من دين آبائه بناء على الدليل وذلك أن تقليد الآباء في الأديان إما أن يكون محرماً أو جائزاً . فإن كان محرماً فقد بطل القول بالتقليد ، وإن كان جائزاً فمعلوم أن أشرف آباء العرب هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنهم لا يشرفو ( ن ) ولا يفتخرو ( ن ) إلا بكونهم من أولاده . وإذا كان كذلك فتقليد هذا الأب الذي هو أشرف الآباء أولى من تقليد سائر الآباء . وإذا ثبت أن تقليده أولى من تقليد غيره فنقول : إنه ترك دين الآباء وحكم بأن اتباع الدليل أولى من متابعة الآباء ، فوجب تقليده في ترجيح الدليل على التقليد . الوجه الثاني : أنه تعالى بين أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما عدل عن طريقة أبيه إلى متابعة الدليل لا جَرَم جعل الله دينَه ومذهَبه باقياً في عَقِبِهِ إلى يوم القيامة ، وأما أديان آبائه فقد اندرست وبَطُلَتْ . فثبت أن الرجوع إلى متابعة الدليل يبقى محمود الأثر إلى قيام الساعة ، وأن التقليدَ ينقطع أثره . قوله : " بَرَاءُ " العامة على فتح الباء ، وألف وهمزة بعد الراء وهو مصدر في الأصل وقع موقع الصفة وهي بَريءٌ ، وبها قرأ الأعمش . ولا يثنى " بَرَاءٌ " ولا يجمعُ ، ولا يؤنثُ ، كالمصادر في الغالب . قال الزمخشري والفراء والمبرد : لا يقولون البَرَاءَانِ ، ولا البَرَاءُونَ ؛ لأن المعنى ذَوَا البَرَاءَ ( ةِ ) وذَوُو البراءة . فإن قلت : منك ثنيت وجمعت . وقرأ الزعفرانيُّ وابنُ المبارك عن نافع بضم الباء ، بزنة طُوال وكُرام ، يقال : طَوِيلٌ وطُوالٌ ، وبَرِيءٌ ، وبُرَاء . وقرأ الأعمش بنون واحدة . قوله : { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } فيه أربعةُ أوجهِ : أحدها : أنه استثناء منقطع ، لأنهم كانوا عَبَدَةَ أصنامٍ فقط . الثاني : أنه متصل ؛ لأنه روي أنهم كانوا يشركون مع الباري غيره . الثالث : أن يكون مجروراً بدلاً من " ما " الموصولة في قوله : { مِّمَّا تَعْبُدُونَ } قاله الزمخشري . ورده أبو حيان : بأنه لا يجوز إلا في نفي أو شبهه . قال : " وغَرَّهُ كونُ " بَرَاء " في معنى النفي ، ولا ينفعه ذلك ، لأنه موجب " . قال شهاب الدين : قد تأول النحاة ذلك في مواضع من القرآن كقوله : { وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } [ التوبة : 32 ] ، { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } [ البقرة : 45 ] . والاستثناء المفرغ لا يكون في إيجاب ، ولكن لما كان " يَأْبى " بمعنى لا يفعل ، " وَإنَّها لكَبِيرَةٌ " بمعنى لا تَسْهلُ ولا تَخِفُّ ساغ ذلك فهذا مثله . الرابع : أن تكون إلا صفة بمعنى غير على أن تكون " ما " نكرة موصوفة . قاله الزمخشري . قال أبو حيان : وإنما أخْرَجَهَا في هذا الوجه عن كونها موصولة ، لأنه يرى أن " إلاَّ " بمعنىغير لا يوصف بها إلا النكرة وفيها خلاف . فعلى هذا يجوز أن تكون " ما " موصولة " و " إلا " بمعنى غير صفة لها . فصل { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } أي خلقني { فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } يرشدني لدينه ويوفقني لطاعته . قوله : { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً } الضمير المرفوع لإبراهيم وهو الظاهر ، أو الله والضمير المنصوب لكلمة التوحيد المفهومة من قوله : " إنَّنِي بَرَاءٌ " إلى آخره ، أو لأنها بمنزلة الكلمة ، فعاد الضمير على ذلك اللفظ لأجل المعنى به . وقر حُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ : كِلْمَةً بكسر الكاف وسكون اللام ـ . وقرىء : فِي عَقْبِهِ بسكون القاف . وقرىء : فِي عَاقِبِهِ أي وَرَائِهِ ، والمعنى أن هذه الكلمة كلمة باقيةٌ في عقبه أي في ذريته . قال قتادة : لا يزال في ذريته مَن يَعْبُدُ اللهَ ويُوَحِّدُهُ . قال القُرَظِيُّ : يعني وجعل وصية إبراهيم التي وصى بها بنيه باقية في ذريته . وهو قوله تعالى عز وجل ـ : { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ } [ البقرة : 132 ] . قال ابن زيد : يعني قوله : { أَسْلَمْتُ لِرَبِ العَالَمِينَ } [ البقرة : 131 ] وقرأ : { هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } [ الحج : 78 ] { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } لعل أهل مكة يتبعون هذا الدين ويرجعون عما هم عليه إلى دين إبراهيم قال السدي : لعلهم يتوبون ويرجعون إلى طاعة الله عز وجل .