Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 29-32)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " بَلْ مَتَّعتُ " قرأ الجمهور مَتَّعْتُ بتاء المتكلم وقتادة ، والأعمش بفتحها للمخاطب خاطب إبراهيم أو محمد ربه بذلك . وبها قرأ نافع في رواية يَعْقُوبَ . والأعمش أيضاً : بل مَتَّعْنَا بنون العظمة هَؤُلاَءِ وَآبَاءَهُمْ يعني أهل مكة وهم عَقِبُ إبراهيمَ يريد مشركي مكة ، ولم أعاجلهم بالعقوبة على الكفر { حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } وهو القرآن . وقال الضحاك : يعني الإسلام " وَرَسُولٌ مُبِينٌ " برسالة واضحة يبين لهم الأحكام ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم فلم يُطيقوه وعصوا ، وكذبوا به ، وسموه ساحراً ووجه النظم أنه لما عولوا على تقليد الآباء ولم يتفكروا في الحجة اغتروا بطول الإمهال ، وإمتاع الله إياهم بنعيم الدنيا ، فأعرضوا عن الحق . وقال الزمخشري : فإن قيل : ما وَجْهُ من قرأ : مَتَّعْتَ ، بفتح التاءِ ؟ . قُلْنَا : كأن الله سبحانه وتعالى اعترض على ذاته في قوله : { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الزخرف : 28 ] فقال : بل مَتَّعْتُهُمْ بما متعتهم به من طُول العمر والسِّعة في الرزق حتى مَنَعَهُمْ ذلك عن كلمة التوحيد وأراد بذلك المبالغة في تعييرهم ، لأنه إذا متعهم بزيادة النعم ، وجب عليهم أن يجعلوا ذلك شيئاً في زيادة الشكر ، والثبات على التوحيد ، لا أن يشركوا به ويجعلوا له أنداداً ، فمثاله أن يشكو الرجل إساءةَ من أحْسَنَ إِليه ، ثم يقبل على نفسه ، فيقول : أنت السبب في ذلك بمعروفك وإحسانك إليه ويريد بهذا الكلام توبيخَ المسيء لا تقبيح فعل نفسه . قوله : { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } وهو القرآن { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } هذا نوع آخر من كفر آبائهم ، وهو أنهم قالوا : منصب الرسالة منصبٌ شريفٌ فلا يليق إلا برجل شريفٍ ، وصدقوا في ذلك ، إلا أنهم ضموا إليه مقدَّمة فاسدة ، وهو أن الرجل الشريف عندهم هو الذي يكون كثيرَ المال والجاه ، ومحمد ليس كذلك ، فلا تليق رسالة الله به ، وإنما يليق هذا المنصب برجلٍ عظيم الجاه ، كثيرِ المال ، يعنون الوليدَ بنَ المغيرة بمكة ، وعُروَةَ بنَ مسعود الثَّقَفِيّ بالطائف . قاله قتادة . وقال مجاهد : عُتْبَةُ بن ربيعة من مكة وعبدُ يَالِيل الثقفيّ من الطائف . وعن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) هو الوليدُ بن المُغيرة من مكة ، ومن الطائف حَبيبُ بنُ عَمْرو بنُ عُمَيْر الثقفي وقيل : من إحدى القريتين . وقيل : المراد عروةٌ بن مسعود الثَّفَفِي كان بالطائف وكان يتردد بين القريتين فنسب إلى كليهما . وقرىء : رَجْلٍ بسكون العين ، وهي تَمِيميَّةٌ . قوله : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ } يعني النبوة . والهمزة للإنكار . وهذا إبطال لشبهتهم وتقريره من وجوه : الأول : أنا إذا أوقعنا التفاوت في مناصب الدنيا ، ولم يقدِرْ أحد من الخلق على التفسير ، فالتفاوت الذي أوقعناه في مناصب الدين والنبوة بأن لا يَقْدِرُوا على التَّصرف أولى . الثاني : إن اختصاص ذلك المعنى ذلك الرجل إنما كان لأجل حكمنا وفضلنا وإحساننا فكيف يليق بالعقل أن يجعل إحْسَاناً إليه بكثرة المال حجة علينا في أن يحسن إليه بالنبوة ؟ . الثالث : أنا إنما أوقعنا التفاوت في الإحسان بمنافع الدنيا لا بسبب سابق فلم لا يجوز أيضاً أن يوقع التفاوت في الإحسان بمناصب الدين والنبوة لا لسبب سابق ؟ ! . ثم قال : { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } فجعلنا هذا غَنِيًّا وهذا فقيراً ، وهذا مالكاً ، وهذا مملوكاً ، كما فضلنا بعضهم على بعض في الرزق كما شِئْنا ، كذلك اصطفينا بالرسالة من شِئْنَا { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } في القوة والضعف ، والعلم ، والجهل ، والغِنَى ، والفقر لأن لو سويناهم في كل هذه الأحوال ، لم يخدم أحدٌ أحداً ، ولم يصِرْ أحدٌ منهم مُسَخَّراً لغيره . وحينئذ يخرب العَالَمُ ويَفْسَدُ نظام الدنيا . وقوله : { لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } أي ليستخدم بعضهم بعضاً ، فيسخر الأغنياء بأموالهم الأُجَرَاءَ الفقراء بالعمل فيكون بعضهم لبعض سبب المعاش هذا بماله وهذا بأعماله فيلتئم قوام العالم . وقد مضى الكلام في سخرياً في المؤمنين . وقرأ بالكسر هنا عَمْرُو بنُ مَيْمُون ، وابن مُحَيصِن ، وأبوُ رَجاء وابنُ أبي ليلى ، والوليدُ بنُ مُسْلِم ، وخلائقُ بمعنى المشهورة وهو الاستخدام . وَيَبْعُدُ قولُ بعضهم : إنه استهزاء الغنيّ بالفقير . ثم قال : " وَرَحْمَةُ ربِّكَ " يعني الجنة " خَيْرٌ لِلْمُؤمِنِينَ " مما يجمع الكفار من الأموال .