Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 33-35)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } اعلم أنه تعالى أجاب هَهُنَا بوجْهٍ ثالث عن شُبْهَتِهِمْ بتفضيل الغني على الفقير ، وهو أنه تعالى بين أن منافع الدنيا وطيباتها حقيرة خسيسة عند الله تعالى وبين حقارتها بقوله : { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة } والمعنى لولا أن يرغب الناس في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة من الخير والرزق لأعطيتهم أكثر الأسباب المفيدة للنعم فأحدها : أني كون سقْفُهُمْ مِنْ فِضَّةٍ . وثانيها : مَعَارجَ عَلَيْهَا يَظْهِرُونَ أي يَعْلُون ويَرْتَقُونَ ، يقال : ظَهَرْتُ عَلَى السَّطْحِ إذَا عَلَوْته . وثالثها : " أن يجعل لبيوتهم أبواباً وسرراً أيضاً من فضة عليها يتَّكِئُونَ " . قوله : " لِبُيُوتِهِمْ " بدل اشتمال ، بإعادة العامل ، واللامان للاخْتِصَاص . وقال ابن عطية : الأولى للمِلْكِ ، والثانية للاختصاص . ورده أبو حيان : بأن الثاني بدل فيشترط أن يكون ( الحرف ) متحد المعنى لا مختلفه . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكونا بمنزلة اللامين في قولك : وَهَبْتُ لَهُ ثَوْباً لِقَمِيصِهِ . قال أبو حيان : ولا أدري ما أراد بقوله . قال شهاب الدين : أراد بذلك أن اللامين للعلة ، أي كانت الهبة لأجلك لأجل قميصك ، فلقميصك بدل اشتمال ، بإعادة العامل بِعَيْنِهِ وقد نقل أن قوله : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ } [ الأنعام : 84 ] و [ الأنبياء : 72 ] و [ العنكبوت : 27 ] أنها للعلة . قوله : " سُقُفاً " قرأ ابنُ كَثيرٍ ، وأبو عمرو بفتح السين ، وسكون القاف بالإفراد ، على إرادة الجنس والباقون بضمتين على الجمع ( كرُهُن ) في جمع رَهْنٍ . وفي رهن تأويل لا يمكن هنا ، وهو أن يكون جمع رِهَان جمع رَهْن ، لأنه لم يسمع سِقَاف جمع سَقْف . وعن الفراء أنه جمع سَقِيفَةٍ فيكون كصَحِيفَةٍ ، وصُحُفٍ . وقرىء : سَقَفاً بفتحتين لغة في سَقْفٍ ، وسُقُوفاً بزنة فَلسٍ وفُلُوساً . وأبو رجاء بضمة وسكون . و " مِنْ فِضَّةٍ " يجوز أن يتعلق بالجعل ، وأن يتعلق بمحذوف صفة " لسُقفٍ " . قوله : " ومعارج " قرأ العامة مَعَارجَ جمع " مِعْرَج " وهو السلم وطلحة مَعَارِيج جمع مِعْرَاج وهو كمِفْتَاح لمِفْتَح ، وَمَفَاتِيح لمِفْتَاحٍ . قوله : " وَسُرُراً " جمع " سرير " والعامة على ضم الراء . وقرىء بفتحها ، وهي لغة بعض تميم وكَلْبٍ وقد تقدم أن " فعِيلاً " المضعف يفتح عينه ، إذا كان اسماً ، أو صفة نحو : ثَوْبٌ جَدِيدٌ ، وثِيَابٌ جُدَدٌ . وفيه كلام للنحاة . وهل قوله : " مِنْ فِضّةٍ " شالم للمعارج والأثواب والسُّرُر ؟ . فقال الزمخشري : نعم ، كأنه يرى تشريك المعطوف مع المعطوف عليه في قيوده . وَ " عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ " و " عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ " صفتان لما قبلهما . قوله : " وزُخْرُفاً " يجوز أن يكون منصوباً بجعل أي وجَعَلْنَا لَهُمْ زُخْرُفاً ، وجوز الزمخشري أن ينصب عطفاً على محل " من فضة " ، كأنه قيل : سُقُفاً من فضةٍ وذهب ، فلما حذف الخافض انتصب أي بعضها كذا وبعضها كذا . الزخرف قيل : هو الذَّهَبُ ، لقوله : { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ } [ الإسراء : 93 ] . وقيل : الزخرف الزينة ، لقوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ } [ يونس : 24 ] فيكون المعنى نُعْطِيهم زينةً عظيمةً في كل بابٍ . قوله : { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } قرأ حمزة وعاصم لَمَّا بالتشديد على معنى : وما كُل ذلك إلاّ متاع الحياة الدنيا . فكان لما بمعنى إلا . حكى سيبويه : " أَنْشَدْتُكَ بِالله لَمَّا فَعَلْتَ " بمعنى إلا . ويؤيد هذه القراءة قراءةٌ مَنْ قرأ : وَمَا ذَلِكَ إلاَّ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وخففه الآخرون على معنى : وكل ذلك متاع الحياة الدنيا . فتكون اللام للابتداء ، وما صلة يريد : أن هذا كله متاع الحياة الدنيا وسماع متاعاً ، لأن الإنسان يستمتع به قليلاً ، ثم يزول ويذهب . وتقدم الخلاف في لما تخفيفاً وتشديداً في سورة هُودٍ . قال أبو الحسن : الوجه التخفيف ، لأن لما بمعنى إلا لا يُعْرَفُ . وحكي عن الكسائي أنه قال : لا أعرف وجه التثقيل . وقرأ أبو رَجَاءٍ وأبو حَيْوَةَ : لِمَا بكسر اللام على أنها لام العلة ودخلت على ما الموصولة ، وحذف عائدها ، وإن لم تَطُّلِ الصّلة ، والأصل : الذي هو متاع ، كقوله : { تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ } [ الأنعام : 154 ] برفع النون . و " إنْ " هي المخففة من الثقيلة ، و " كل " مبتدأ ، والجار بعده خبره ، أي وإنَّ كُلَّ ما تقدم ذكره كائنٌ لِلَّذِي هُوَ متاع الحياة . وكان الوجه أن تدخل اللام الفارقة ، لعدم إعمالها ، إلا إنها لما دَلَّ الدليلُ على الإثبات جاز حَذْفها ، كما حذفها الآخر في قوله ( رحمه الله ) ـ : @ 4401ـ أَنَا ابْنُ أُبَاةِ الضَّيْم مِنْ آلِ مَالِكٍ وَإنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامَ المَعَادِنِ @@ قوله : { وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } خاصة ، يعني الجنة للمتقين عن حب الدنيا . قال عليه الصلاة والسلام : " لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى مِنْهَا كَافِراً قَطْرَةَ مَاءٍ " . وروى المُسْتَوْردُ بنُ شداد قال : " كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السحلة الميتة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتُرى هذه هانت على أهلها حين ألقوها ؟ قالوا : مِنْ هَوانِها أَلقَوْها , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فالدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أهْلِهَا " " . فإن قيل : لما بين تعالى أنه لو فتح على الكافر أبواب النعم لصار ذلك سبباً لاجتماع الناس على الكفر ، فلم لم يفعل ذلك بالمسلمين حتى يصير ذلك سبباً لاجتماع الناس على الإسلام ؟ ! . فالجواب : لأن الناس على هذا التقدير كانوا يجتمعون على الإسلام ، لطلب الدنيا ، وهذا الإيمان إيمان المنافقين ، فكان الأصوب أن يضيق الأمر على المسلمين حتى أن كل من دخل الإسلام فإنما يدخل لمتابعة الدليل ، ولِطَلَبِ رضوان الله تعالى ، فحينئذ يعظم ثوابه لهذا السبب .