Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 17-17)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهمُ اليَعْقُوبيَّة من النَّصارى ، يقولون : المَسِيحُ هو الله ، وهذا مذهب الحُلوليَّة ، فإنَّهُم يَقُولُون : إنَّ الله تعالى قد يَحِلُّ في بدن إنْسَان معيَّن أو في رُوحِهِ ، ثم إنَّه تعالى احَتَّج على فَسَادِ هذا المذْهَب بقوله تعالى : { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } . قوله تعالى : { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ } [ الفاء عاطِفةٌ هذه الجملة على جُمْلة مقدَّرة قبلها ، والتقدير : قل كَذَبُوا ، أو ليس الأمْر كذلك فَمَن يَمْلِك ؟ ] وقوله : " مِنَ الله " فيه احتمالان : أظهرهما : أنَّه متعلِّقٌ بالفِعْلَ قَبْلَه . والثاني : ذكره أبُو البقاء : أنَّه حالٌ من " شَيئاً " ، يعني : من حَيْثُ إنَّه كان صِفَةً في الأصْلِ للنَّكرة ، فقدَّم عليها [ فانْتَصَب حالاً ] ، وفيه بُعْدٌ أو مَنْعٌ . وقوله " فَمَنْ " استفهامُ تَوْبِيخٍ وتقرير وهو دالٌّ على جواب الشَّرْط بعدَهُ عند الجُمْهُور . قوله : { إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } وهذه جُمْلَةٌ شرطيَّةٌ قُدِّم فيها الجزاءُ على الشَّرْط ، والتَّقْدير : إن أرَاد أن يَهْلِكَ المسيحَ ابن مَرْيَم وأمَّهُ ومن في الأرض جميعاً فمن الذي يقدر أن يَدْفَعَهُ عن مُرَادِهِ ومَقْدُوره . وقوله : { فَمن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً } أي : فَمَنْ يَمْلِكُ من أفْعَال الله شَيْئاً ، والمُلْكُ هو القُدْرة ، أي : فمن الذي يَقْدِر على دَفْعِ شَيْءٍ من أفْعال الله . وقوله { ومَنْ في الأَرْضِ جَمِيعاً } ، يعني : أنَّ عيسى مُشَاكِلٌ من في الأرْض في القُدْرة والخِلْقَة والتَّركيب وتغْيِير الأحوال والصِّفات ، فلما سلّمتم كَوْنَهُ تعالى خَالِقاً للكُلِّ ، وَجَبَ أن يكون خَالِقاً لِعيسى . قوله : { ومَنْ فِي الأَرْضِ } من باب عَطْفِ التَّامِّ على الخاصِّ ، حتى يبالغ في نفي الإلهيَّة عنهما ، فكأنَّه نَصَّ عليهما مَرَّتَيْن ؛ مرَّة بذِكْرِهما مُفْرَدَيْن ، ومرَّة بانْدِرَاجِهما في العُمُوم . و " جمِيعاً " : حالٌ من المسيحِ وأمّه ومَنْ في الأرض ، أو مِنْ " مَنْ " وحدَهَا لعُمُومها . ويجُوز أن تكون مَنْصُوبَةً على التَّوْكِيد مثل " كل " ، وذكرهَا بعض النُّحاة من ألْفَاظ التوكيد . ثم قال : { وللَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ والأرْض } ثم قال : " ومَا بَيْنَهُمَا " ، ولم يقل : بَيْنَهُنَّ ؛ لأنَّه ذهب بذلك مذهب الصِّنْفَيْن والنَّوْعَيْن . وقوله : { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } جُمْلَة لا مَحَلَّ لها من الإعْراب لاستِئْنَافِها ، وفي مَعْنَاها وجْهان : الأول : يَخْلُقُ ما يشاء ، فتارة يخلق الإنسان من ذكر وأنْثَى كما هو مُعْتَاد ، وتارة لا من الأب والأم كما في [ حقِّ آدم ] ، وتارة من الأمِّ لا من الأب كما في حقِّ عيسى - عليه السلام - . والثاني : { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } يعني : أنَّ عيسى إذا قدر صور الطير من الطِّين ، فالله يَخْلُقُ فيه الحَيَاة والقُدْرَة مُعْجِزةً لِعيسَى ، وتارَةً يُحْيِي المَوْتَى ، وتارة يُبْرِىء الأكْمَهَ والأبْرَص مُعْجِزةٌ لَهُ ، [ ولا اعتراض على الله ] في شيء من أفَعْالِهِ ، { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .