Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 57-57)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما نهى في الآية الأولى عن اتَّخَاذِ اليَهُود والنَّصَارى أوْلِيَاء ، نهى هُنَا عن جَمِيع مُوالاَةِ الكُفَّار على العُمُوم ، فـ " الَّذِين " وصلتُهُ هو المَفْعُولُ الأوّلِ لقوله " لا تتَّخِذُوا " ، والمفعُول الثاني : هو قوله " أوْلِيَاء " ، و " دِينُكُم " مَفْعُول لـ " اتَّخذُوا " ، و " هُزُواً " مفعول ثان ، وتقدَّم ما في " هُزْءاً " من القِراءَات والاشْتِقَاق . قوله تعالى : { مِنَ الَّذِين أوتُوا } فيه وجهان : أحدهما : أنَّهُ في محلِّ نَصْبٍ على الحَالِ ، وصاحِبُها فيه وجهان : أحدها : أنَّهُ الموصول الأوَّل . والثاني : أنَّه فاعل " اتَّخَذُوا " والثاني من الوَجْهَيْن الأوَّلين : أنه بيانٌ للموصُول الأوَّل ، فتكون " مِن " لِبَيَان الجِنْس . وقوله تعالى : " مِنْ قَبْلكم " متعلِّق بـ " أوتُوا " ؛ لأنَّهم أوتُوا الكِتَاب قَبْلَ المُؤمِنين ، والمُرَاد بالكِتَاب : الجِنْس . فصل قال ابن عبَّاس - رضي الله تعالى عنهما - كان رِفاعة بن زَيْد بن التَّابُوت ، وسُوَيْد بن الحَارِث قد أظهرا الإسْلام ثم نافَقَا ، وكان رِجَالٌ مِنَ المُسْلِمين يوادُّونَهُما ، فأنْزل اللَّه - تعالى - هذه الآية ، ومعنى تَلاَعُبِهم واستهْزَائِهِم ، إظْهَار ذلك باللِّسَان مع الإصْرَارِ على الكُفْر في القَلْبِ ، ونَظِيرُه قوله في ذَلِك في سُورة " البقرة " : { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا } [ آية : 14 ] إلى قوله : { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } [ آية : 14 ] ، والمعنى : أنَّ القَوْم لمَّا اتَّخَذُوا دينكُمْ هُزُواً ولَعِباً وسُخْرِية ، فلا تتَّخِذُوهم أوْلِيَاء وأنْصَاراً وأحْبَاباً ، فإن ذلك الأمْرَ خَارجٌ عن العَقْلِ والمرُوءَة . قوله تعالى : " والكُفَّار " قرأ أبُو عَمْرو والكِسَائي : " والكُفَّارِ " بالخَفْض ، والباقُون بالنَّصْب ، وهما واضِحَتَانِ ، فَقِرَاءة الخَفْضِ عَطْفٌ على المَوْصُول المَجْرُور بـ " مِنْ " ، ومعناها : أنَّه نَهَاهم أن يتَّخِذُوا المُسْتَهْزِئين أوْلِيَاء ، وبَيَّنَ أن المُسْتَهْزِئين صِنفان : أهلُ كتاب متقدِّم ، وهم اليَهُود والنَّصارى ، وكفارٌ عَبَدة أوْثَان ، وإن كان اسم الكُفْر ينطلقُ على الفَرِيقين ، إلا أنَّه غَلَبَ على عَبَدَةِ الأوْثان : الكُفَّار ، وعلى اليهُود والنَّصارى : أهْل الكِتَاب . وقال تعالى : { لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } [ البينة : 1 ] ، وقال تعالى : { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ البقرة : 105 ] ، اتَّفقوا على جر " المُشْركين " عَطْفاً على أهْل الكِتَاب ، ولم يَعْطف على العَامِل الرَّافع قاله الواحدي . يعني [ بذلك ] : أنَّه أطلق الكُفَّار على أهْلِ الكِتَاب ، وعلى عبدةِ الأوْثَانِ المُشْرِكِين ، ويدلُّ على أنَّ المُرَاد بالكُفَّار في آية المَائِدة " المُشْرِكُون " ، قراءة عبد الله " ومِنَ الَّذِين أشْرَكُوا " ورُجِّحت قراءة أبِي عَمْرو أيضاً بالقُرْب ، فإن المَعْطُوف عليه قرِيب ، ورُجِّحَتْ أيضاً بقراءة أبَيّ " وَمِنَ الكُفَّار " بالإتْيَان بـ " مِنْ " . وأما قراءة البَاقِين ، فوَجْهُهَا أنَّه عطف على المَوْصُول الأوَّل ، أي : لا تَتَّخذُوا المُسْتَهْزِئين ، ولا الكُفَّار أوْلِيَاء ، فهو كقوله تعالى : { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 28 ] ، إلاَّ أنه ليس في هذه القراءة تَعَرُّضٌ للإخْبَار باسْتِهْزَاء المُشْرِكين ، وهم مُسْتَهْزِئُون أيْضاً ، قال تعالى : { إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } [ الحجر : 95 ] فالمراد به : مُشْرِكو العرَب ، ولوضوح قِرَاءة الجرِّ قال مَكي بن أبِي طالب : " ولولا اتِّفَاقُ الجماعةِ على النَّصْب ، لاخترتُ الخَفْض لقوَّته في المَعْنى ، ولِقُرْب المَعْطُوف من المَعْطُوف عليه " . ثم قال تعالى : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ، والمعنى ظاهِر .