Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 10-14)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " قُتِلَ الخَراصونَ " لُعِنَ الكَذَّابُونَ . وقرىء : قَتَلَ مبنياً للفاعل ، وهو الله تعالى : { الخرّاصين } مفعوله ، والمعنى لُعِنَ الخراصون وهم الذين لا يجزمون بأمر ولا يثبتون عليه ، بل هم شاكون متحيرون . وهذا دعاء عليهم ، ثم يصفهم بأنهم في غمرة ساهون ، فقوله : " سَاهُونَ " يحتمل أن يكون خبراً بعد خبر والمبتدأ قوله " هم " ، والتقدير : هم كائنون في غَمْرَة ساهون ، كقولك : زَيدٌ جَاهلٌ جَائرٌ ، لا تقصد به وصف الجاهل بالجائر . ويحتمل أن يقال : " ساهون " خبر ، و " في غمرة " ظرف له ، كقولك : زَيْدٌ فِي بَيْتِهِ قَاعِدٌ فالخبر هو " قاعد " لا غير ، و " في بيته " بيان لطرف القعود ، فكذا قوله : " في غمرة " ظرف للسَّهْوَةِ . واعلم إن وصف الخارص بالسهو دليل على أن الخراص صفة ذم يقال : تَخَرَّصَ عليه الباطل . قال المفسرون : هم الذين اقتسموا عِقَاب مكة ، فاقتسموا القول في النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصرفوا الناس عن دين الإسلام . وقال مجاهد : الكهنة الذين هم في غَمْرَة أي غَفْلة وعَمًى وجَهَالَةٍ " سَاهُونَ " غافلون عن أمر الآخرة . والسهو الغفلة عن الشيء وهو ذَهَابُ القلب عنه . قوله تعالى : { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } فقوله : { أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } مبتدأ أو خبر قيل : وهما ظرفان فكيف يقع أحد الظرفين في الآخر ؟ . وأجيب : بأنه على حذف حَدَثٍ أي أَيَّانَ وُقوع يَوْمِ الدِّين " فَأَيَّانَ " ظرف الوقوع ، كما تقول : مَتَى يَكُونُ يَوْمُ الجُمُعَةِ ، وتقدم قراءة إيّانِ - بالكسر - في الأَعراف . قيل : وأيان من المركبات ، ركب من " أيٍّ " التي للاستفهام ، و " آن " التي بمعنى متى ، أو مِنْ " أَيٍّ " ( و ) أَوَان ؛ فكأنه قال : أَيّ أَوَان ، فلما ركبت بُنِيَ . وهذا جواب قوله : { وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَاقِعٌ } [ الذاريات : 6 ] فكأنه قال : أَيَّانَ يَقَعُ ؟ استهزاءً . وترك السؤال دلالة على أن الغرض ليس الجواب ، وإنما يسألون استهزاءً ، والمعنى يسألون أيان يوم الدين يقولون : يا محمد متى يكون يوم الجزاء ؟ يعني يوم القيامة تكذيباً واستهزاء قال الله - عز وجل - : { يَوْمَ هُمْ } أي يكون هذا الجزاء في يومِ هُمْ على النار يُفْتَنُونَ أي يعذبون ويحرقون بها ، كما يُفْتَنُ الذَّهَبُ بِالنَّارِ . وعلى هذا فالأولى أن يكون معنى يفتنون يُعْرَضُون عرض المجرِّب للذّهب على النار ، لأن كلمة " على " تناسب ذلك ولو كان المراد يحرقون لقيل : بالنَّار ، أي فِي النار . قوله : " يَوْمَ هُمْ " يجوز أن يكون منصوباً بمضمر أي الجزاءُ كائنٌ يَوْمَ هُمْ ويجوز أن يكون بدلاً من " يَوْم الدين " ، والفتحة للبناء على رأي من يُجيز بناء الظرف ، وإن أُضِيفَ إلى جملة اسمية وعلى هذا فيكون حكاية لمعنى كلامهم ، قالوه على سَبيل الاستهزاء ، ولو جاء على حكاية لفظهم المتقدم لقيل : يوم نَحْنُ عَلَى النَّار نُفْتَنُ . و " يوم " منصوب بالدين ، وقيل : بمضمر ، أي يُجَازَوْنَ . وقيل : هو مفعول بأعني مقدَّراً وعُدّي يُفْتَنُونَ بعَلَى لأنه بمعنى يُخْتَبَرُون . وقيل : على بمعنى في . وقيل : على بمعنى الباء . وقيل : " يَوْمَ هُمْ " خبر مبتدأ مضمر ، أي هُوَ يَوْمَ هُمْ والفتح لما تقدم . ويؤيد ذلك قراءة ابن أبي عبلة والزّعفرانيّ يَوْمُ هُمْ بالرفع ، وكذلك يؤيد القول بالبدل . وتقدم الكلام في مثل هذا في غَافِرٍ . فصل قوله : { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } قال ابن الخطيب : يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون جواباً عن قولهم أيَّانَ يَقَعُ فكما أنهم لم يسألوا سؤال مستفهم طالب لعِلم ، كذلك لم يجبهم جواب معلم مبين بل قال : يوم هم على النار يفتنون فجهلهم بالثاني أقوى من جهلم بالأول ، ولا يجوز أن يكون الجواب بالأخفى ، فلو قال قائل : مَتَى يَقْدمُ زَيْدٌ ؟ فلو أجيب بقوله : يَوْم يقدم رفِيقُهُ ولا يعلم يوم قُدُوم الرفيق لم يصح هذا الجواب إلا إذا كان الكلام في صورة ولا يكون جواباً كقول القَائل لمن يعد عِدَاتاً ويخلفها : إلى متى هذا الإخلاف ؟ فيغضب ويقول : إلى أَشْأَمِ يَوْمٍ عليك ، فالكلامان في صورة سؤال وجواب ، ولا يريد بالأول السؤال ، ولا الثاني يريد به الجواب ، فكذلك ههنا قال : { يوم هم على النار يفتنون } مقابلة لاستهزائهم بالإيعَادِ لا على وجه الإِتيان بالبَيَان . الثاني : أن يكون " ذلك " ابتداء كلام تمامه ( في قوله : " ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ " ) . فإن قيل : هذا يفضي إلى الإضمار ! . فالجواب : أن الإضمار لا بد منه ؛ لأن قوله : ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ غيرُ متصل بما قبله إلا بإِضمار يقال . قوله : " ذُوقُوا " أي يقال لهم ذُوقُوا و { هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ } مبتدأ وخبر " هذا " هو الظاهر . وجوَّز الزمخشري أن يكون " هذا " بدلاً من " فِتْنَتَكُمْ " ؛ لأنها بمعنى العذاب ، ومعنى فتنتكم عذابكم { هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } في الدنيا تكذيباً به ، وهو قولهم : { رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا } [ ص : 16 ] وقولهم : { فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ } [ هود : 32 ] ونظائره ، وقوله : { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } فإنه نوع استعجالٍ بالقول . ويحتمل أن يكون المراد الاستعجال بالفعل وهو إصرارهم على العناد ، وإظهار الفساد ، فإنه يعجل العقوبة .