Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 27-40)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ } . رجع إلى ذكر أصحاب الميمنة ، والتكرير لتعظيم شأن النَّعيم . فإن قيل : ما الحكمة في ذكرهم بلفظ " أصحاب الميمنة " عند تقسيم الأزواج الثلاثة ؟ فلفظ " أصحاب الميمنة " " مَفْعَلَة " إمَّا بمعنى موضع اليمين [ كالحكمة موضع الحكم ، أي : الأرض التي فيها " اليمن " ، وإمَّا بمعنى موضع اليمين ] كالمنارة موضع النار ، والمِجْمَرة موضع الجمرة ، وكيفما كان ، فالميمنة فيها دلالة على الموضع ، لكن الأزواج الثلاثة في أول الأمر يتميزون بعضهم عن بعض ويتفرَّقون ، لقوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [ الروم : 14 ] ، وقال : { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [ الروم : 43 ] فيتفرقون بالمكان ، فأشار إليهم في الأول بلفظ يدلّ على المكان ، ثم عند الثواب وقع تفريقهم بأمر منهم لا بأمر هم فيه وهو المكان ، فقال : " وأصْحَابُ اليَمِينِ " أي الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم . وقيل : أصحاب القوة . وقيل : أصحاب النور . قوله : { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } . قال ابن عبَّاس وغيره : { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } أي : في نَبْق قد خُضِدَ شَوْكُه . وذكر ابن المبارك قال : أخبرنا صفوان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة ، قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون : إنه لينفعنا الأعراب ومسائلهم ، قال : " أقبل أعرابي يوماً ، فقال : يا رسول الله : لقد ذكر الله شجرة في القرآن مُؤذية ، وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها ؟ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومَا هِيَ ؟ . قال : السِّدْر ، فإن له شوكاً مؤذياً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أو لَيْسَ يقولُ : " سِدْرٌ مخْضُودٌ " خضد الله شوكه ، فجعل مكان كل شوكة ثمرة ، فإنها تنبت ثمراً ، يفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لوناً من الطعام ، ما فيه لون يشبه الآخر " " . وقال أبو العالية والضحاك : نظر المسلمون إلى " وجٍّ " - وهو واد بـ " الطائف " مخصب - فأعجبهم سدره ، فقالوا : يا ليت لنا مثل هذه ، فنزلت . قال أمية بن أبي الصَّلت رضي الله عنه يصف الجنَّة : [ الكامل ] @ 4687 - إنَّ الحَدَائِقَ في الجِنَانِ ظَليلَةٌ فِيهَا الكَواعِبُ سِدْرُهَا مَخْضُودُ @@ وقال الضحاك ومجاهد ومقاتل بن حيان : " في سدر مخضود " هو الموقر حملاً . وقال سعيد بن جبير : ثمرها أعظم من القلال . قوله : { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } . و " الطَّلْحُ " : جمع الطَّلحة . قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين : الطَّلْح : شجر الموز ، واحده طلحة . وقال الحسن : ليس موزاً ، ولكنه شجر له ظل بارد رطب . وقال الفرَّاء وأبو عبيدة : شجر عظام له شوك . قال الجعديُّ : [ الرجز ] @ 4688 - بَشَّرها دليلُها وقَالاَ غَداً تَريْنَ الطَّلْحَ والحِبَالا @@ فـ " الطَّلْح " : كل شجر عظيم كثير الشوك . وقال الزجاج : هو شجر أم غيلان . وقال مجاهد : ولكن ثمرها أحلى من العسل . وقال الزجاج : لها نور طيب جدًّا فخوطبوا ووعدوا بما يحبون مثله إلاَّ أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على ما في الدنيا . وقال السُّدي : طلح الجنة يشبه طلح الدنيا ، لكن له ثمر أحلى من العسل . وقوله : " مَنْضُودٍ " . أي متراكب . قال المفسرون : موقور من الحمل حتى لا يبين ساقه من كثرة ثمره ، وتثني أغصانه . وقرأ علي - رضي الله عنه - وعبد الله ، وجعفر بن محمد : " وطَلْعٍ " بالعين ، لقوله تعالى : { طَلْعُهَا هَضِيمٌ } [ الشعراء : 148 ] . ولما قرأ عليٌّ - رضي الله عنه - قال : " وما شأن الطَّلْح " واستدل بقوله { لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } [ ق : 10 ] ، فقيل : أنحولها ؟ فقال : لا ينبغي أن يُهَاج القرآن اليوم ولا يحوَّل . فقد اختار هذه القراءة ، ويروى عن ابن عباس مثله . قال القرطبي : " فلم ير إثباتها في المصحف لمخالفة ما رسمه مجمع عليه ، قاله القشيري وأسنده أبو بكر بن الأنباري بسنده إلى عليٍّ رضي الله عنه " . فصل في المراد بالآية قال ابن الخطيب : المخضود : المأخوذ الشوك . وقيل : المتعطف إلى أسفل ، فإن رءوس أغصان السِّدر في الدنيا تميل إلى فوق لعدم ما يثقله بخلاف أشجار الجنة فإن رءوسها تتدلَّى . والظاهر : أن الطَّلح شجر الموز ، وذكر طرفين ليندرج ما بينهما ، فإن ورق السِّدْر صغير ، وورق الطلح وهو الموز كبير ، وبينهما أنواع من الأوراق متوسطة كما ذكر في النخل والرمان ، كقولهم : فلان يرضي الصغير والكبير ، فيدخل ما بينهما . و " المَنْضُود " : المتراكب الذي قد نضد أوله وآخره بالحمل ، ليست له سوقٌ بارزة ، بل هو مرصوص . و " النّضد " : هو الرَّص ، و " المنضود " : المرصوص . قال مسروق : أشجار الجنة من عروقها إلى أفنانها نضيدة ، ثمر كله كلما أكلت ثمرة عاد مكانها أحسن منها . قوله : { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } . أي : دائم باقٍ لا يزول ، ولا تنسخه الشمس ، كقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } [ الفرقان : 45 ] . وذلك بالغداةِ ، وهي ما بين الإسفار إلى طلوع الشمس ، والجنة كلها ظل لا شمس معه . قال ابن الخطيب : إنَّ الشمس إذا كانت تحت الأرض يقع ظلها في الجو ، فيتراكم الظل فيسودّ وجه الأرض ، وإذا كانت الشمس في أحد جانبي الأرض من الأفق ، فينبسط الظل على وجه الأرض ، فيضيء الجو ولا يسود وجه الأرض ، فيكون في غاية الطيبة ، فقوله : { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } أي : كالظل بالليل ، وعلى هذا فالظل ليس ظل الأشجار ، بل ظل يخلقه الله تعالى . وقال الربيع بن أنس : يعني ظل العرش . وقال عمرو بن ميمون : مسيرة سبعين ألف سنة . وقال أبو عبيدة : تقول العرب للدهر الطويل [ والعمر الطويل ] والشيء الذي لا ينقطع : ممدود . قال الشاعر : [ الكامل ] @ 4689 - غَلَبَ العَزَاءُ وكُنْتُ غَيْرَ مُغَلَّبٍ دَهْرٌ طويلٌ دائمٌ مَمْدُودُ @@ وفي " صحيح الترمذي " وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " في الجَنَّة شَجَرةٌ يسيرُ الرَّاكِبُ في ظلِّها مائة عامٍ ، لا يَقْطَعُهَا ، اقرءوا إن شِئْتُم : { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } " . وهذا الحديث يرد قول ابن الخطيب من أنه ليس ظل الأشجار . قوله : { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } . أي : مصبوب بكثرة . وقيل : جارٍ لا ينقطع . وأصل السَّكْب : الصَّب ، يقال : سَكَبَهُ سَكْباً ، والسكوب : انصبابه ، يقال : سَكَبَ سُكُوباً . وانصب انسكب انسكاباً . ومعنى الآية : وماء مصبوب يجري في غير أخدود لا ينقطع عنهم . قال ابن الخطيب : معناه : مسكوب من فوق ؛ لأن أكثر ماء العرب من الآبار والبرك فلا ينسكب . وقيل : جارٍ في غير أخدود [ بأبحر ] الهواء . وكانت العرب أصحاب بادية ، [ وبلادها ] حارة ، وكانت الأنهار في بلادهم عزيزة لا يصلون إلى الماء إلا بالدَّلو والرِّشاء ، فوعدوا في الجنة خلاف ذلك . قوله : { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } . قرىء : برفع " فاكِهَةٌ " . أي : وهناك ، أو ولهم ، أو فيها ، أو وثمَّ فاكهة . قال ابن الخطيب : لما ذكر الأشجار التي يطلب منها ورقها ، وذكر بعدها الأشجار التي يقصد بها ثمرها ، ذكر الفاكهة بعد ذكر الأشجار انتقالاً من نعمة إلى نعمة ، ووصفت بالكثرة دون الطيب واللذة ؛ لأن الفاكهة تدل عليها . قوله : " لا مقطوعةٍ " . فيه وجهان : أظهرهما : أنه نعت لـ " فاكهة " ، و " لا " للنَّفي ، كقولك : " مررت برجل لا طويل ولا قصير " ولذلك لزم تكرارها . والثاني : هو معطوف على " فاكهة " ، و " لا " عاطفة . قاله أبو البقاء . وحينئذ لا بد من حذف موصوف ، أي : لا فاكهة مقطوعة ، لئلاَّ تعطف الصفة على موصوفها . والمعنى : ليست كفواكه الدُّنيا تنقطع في أوقات كثيرة ، وفي كثير من المواضع ، " ولا ممنوعة " أي : لا تمنع من الناس لغلوّ أثمانها . وقيل : لا يحظر عليها كثمار الدنيا . وقيل : لا تمنع من أرادها بشوك ، ولا بُعد ولا حائط ، بل إذا اشتهاها العبد دنت منه حتى يأخذها ، قال تعالى : { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } [ الإنسان : 14 ] . قوله : { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } . العامة : على ضم الراء ، جمع : " فِرَاش " . وأبو حيوة : بسكونها ، وهي مخففة من المشهورة . و " الفُرُش " : قيل : هي الفراش المعهُودة ، مرفوعة على الأسرة . وقيل : هي كناية عن النساء كما كنى عنهن باللِّباس ، أي : ونساء مرتفعات الأقدار في حسنهن وكمالهن ، والعرب تسمي المرأة فراشاً ولباساً وإزاراً ، قاله أبو عبيدة وغيره . قالوا : ولذلك أعاد الضمير عليهن [ في قوله ] : " إنَّا أنْشَأناهُنّ " . وأجاب غيرهم بأنه عائد على النساء الدَّال عليهن الفراش . وقيل : يعود على الحور المتقدمة . وعن الأخفش : " هُنّ " ضمير لمن لم يجر له ذكر ، بل يدل عليه السياق . وقيل : مرفوعة القدر ، يقال : ثوب رفيع أي : [ عزيز ] مرتفع القدر والثمن ، بدليل قوله تعالى : { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } [ الرحمن : 54 ] فكيف ظهائرها ؟ وقيل : مرفوعة بعضها فوق بعض . " وروى التِّرمذي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } قال : " ارْتفَاعُهَا كما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ مَسِيرةَ خَمْسمائة عامٍ " قال : حديث غريب " . قوله : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ } . قيل : الضَّمير يعود ( على ) الحُور العين ، أي : خلقناهن من غير ولادة . وقيل : المراد نساء بني آدم خلقناهنَّ خلقاً جديداً ، وهو الإعادة ، أي أعدناهنّ إلى حال الشَّباب ، وكمال الجمال ، ويرجحه قوله : { فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً } لأن المخلوقة ابتداء معلوم أنها بكر . والمعنى أنشأنا العجوز والصَّبية إنشاء ، وأخرن ، ولم يتقدم ذكرهنّ ؛ لأنَّهن قد دخلن في أصحاب اليمين ، ولأن الفُرش كناية عن النساء كما تقدم . " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً } قال : " مِنهُنَّ البِكرُ والثَّيِّبُ " " . " وروى النحاس بإسناده عن أم سلمة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً } ، فقال : " يا أمَّ سلمة ، هُنَّ اللَّواتِي قُبِضْنَ في الدُّنيا عَجَائِزَ ، شُمْطاً ، عُمْشاً ، رُمْصاً ، جعلهُنَّ اللَّهُ بعد الكبر أتْرَاباً على ميلادٍ واحدٍ في الاستواءِ " " . وروى أنس بن مالك ، يرفعه في قوله : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً } قال : " هُنَّ العجائزُ العُمْشُ ، الرُّمص ، كُنَّ في الدُّنيا عُمْشاً رُمْصاً " . وعن المسيب بن شريك : " قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً } ، قال : " هُنَّ عجائزُ الدُّنيا ، أنشَأهُنَّ الله تعالى خلقاً جديداً ، كُلَّما أتَاهُنَّ أزواجهُنَّ وجدُوهُنَّ أبْكاراً " فلما سمعت عائشة بذلك قالت : واوجعاه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لَيْسَ هُناكَ وجعٌ " " . وعن الحسن قال : " أتت عجوز النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ادعُ الله أن يدخلني الجنة ، فقال : " يَا أم فُلانٍ ، الجنَّةُ لا يدخُلهَا عَجُوزٌ " ، قال : فولَّت تبكي ، فقال : أخْبرُوهَا أنَّهَا لا تدخُلهَا وهيَ عجُوزٌ ، إنَّ الله تعالى يقُولُ : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً } " . قوله : " عُرُباً " . جمع " عَرُوب " كـ " صَبُور ، وصُبُر " ، والعَرُوب : المحببة إلى بعلها ، واشتقاقه من " أعرب " إذا بين . فالعروب : تبين محبتها لزوجها بشكل وغُنْج وحسن كلام . قاله عكرمة وقتادة . وقيل : الحسناء . وقيل : المحسِّنة لكلامها . وقرأ حمزة ، وأبو بكر : بسكون الراء . وهذا كـ " رُسُل ورُسْل ، وفُرُش وفُرْش " . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هنّ العواشق . وأنشد للبيد : [ البسيط ] @ 4690 - وفِي الخُدُورِ عرُوبٌ غَيْرُ فَاحِشَةٍ رَيَّا الرَّوادفِ يَغْشَى دُونهَا البَصَرُ @@ ويروى : [ البسيط ] @ 4691 - وفِي الجِنَانِ عَرُوبٌ غَيْرُ فَاحِشَةٍ ريَّا الرَّوادفِ يَغْشَى ضَوؤهَا البَصَرَا @@ وعن ابن عباس ومجاهد وغيرهما : العُرُب ، العواشق لأزواجهن . وعن عكرمة : العَرُوبة : الغَنِجَة . قال ابن زيدٍ : بلغة أهل " المدينة " ، وأنشد بيت لبيد ، وهي الشَّكِلة بلغة أهل " مكّة " . " وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : " عُرُباً " قال : " كلامُهنَّ عَربيٌّ " " . وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما : " العَرُوب " الملقة . قوله : " أتْرَاباً " جمع " تِرْب " ، وهو المساوي لك في سنّك لأنه يمسّ جلدها التراب في وقتٍ واحد ، وهو آكد في الائتلاف ، وهو من الأسماء التي لا تتعرف بالإضافة ؛ لأنه في معنى الصفة ؛ إذ معناه " مساويك " ، ومثله : " خِدنُك " لأنه في معنى صاحبك . قال القرطبي : " سنّ واحد ، وهو ثلاث وثلاثون سنة ، يقال في النساء : أتْرَاب ، وفي الرجال : أقْرَان ، وكانت العرب تميل إلى من جاوزت حدّ الصِّبا من النساء ، وانحطَّت عن الكبر " . وقال مجاهد : الأتْراب : الأمثال والأشكال . وقال السُّدي : أتراب في الأخلاق لا تباغض بينهن ولا تحاسُد . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يَدْخلُ أهْلُ الجنَّةِ الجنَّة جُرْداً مُرْداً ، جعَاداً ، مكحَّلينَ ، أبْناءَ ثلاثِينَ على خَلْقِ آدَمَ طُولهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً في سبعةِ أذْرُعٍ " . وعنه - عليه الصلاة والسلام - قال : " مَنْ مَاتَ مِنْ أهْلِ الجنَّةِ من صغيرٍ وكبيرٍ دُون بَنِي ثلاثِيْن سنةً في الجنَّةِ ، لا يزيدُون عليْهَا أبداً ، وكذلكَ أهْلُ النَّارِ " . قوله : { لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } . في هذه " اللام " وجهان : أحدهما : أنها متعلقة بـ " أنْشَأْنَاهُنَّ " أي لأجل أصحاب اليمين . والثاني : أنها متعلقة بـ " أتْرَاباً " كقولك : هذا تربٌ لهذا ، أي : مُسَاو له . وقيل : الحور العين : للسَّابقين ، والأتْرَاب العُرُب : لأصحاب اليمين . قوله : { ثلة من الأولين ، وثلة من الآخرين } . رجع الكلام إلى قوله تعالى : { وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ } [ الواقعة : 27 ] أي هم ثلة من الأولين ، وثلة من الآخرين ، وقد مضى الكلام في معناه . وقال أبو العالية ، ومجاهد ، وعطاء بن أبي رباح والضحاك : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } يعني : من سابقي هذه الأمة ، { وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } من هذه الأمة من آخرها . بدليل ما " روي عن ابن عباس في هذه الآية : { ثلة من الأولين ، وثلة من الآخرين } ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " جَمِيعاً مِنْ أمَّتِي " " . وقال الواحدي : " أصحاب الجنة نصفان : نصف من الأمم الماضية ، ونصف من هذه الأمة " . ويرد هذا ما روى ابن ماجه في " سننه " والترمذي في " جامعه " عن بريدة بن الحصيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أهْلُ الجنَّةِ عِشْرُونَ ومائة صنف ، ثمانُون منْهَا من هذهِ الأمَّةِ ، وأربعُونَ من سَائِرِ الأمَمِ " . قال الترمذي : هذا حديث حسن . و " ثُلَّةٌ " رفع على الابتداء ، أو على حذف خبر حرف الصفة ، ومجازه : لأصحاب اليمين ثلَّتان : ثلّة من هؤلاء ، وثلّة من هؤلاء . فالأوَّلُون : الأمم الماضية ، والآخرون : هذه الأمة على قول الواحدي .