Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 57-62)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } . تحضيض ، أي : فهلا تصدقون بالبعث ؛ لأن الإعادة كالابتداء . وقيل : المعنى نحن خلقنا رزقكم ، فهلا تصدقون أن هذا طعامكم إن لم تؤمنوا ، أو متعلق التصديق محذوف ، تقديره : فلولا تصدقون بخلقنا . قوله : " أفرأيتُم " . [ هي ] بمعنى : " أخبروني " ومفعولها الأول " ما تمنون " . والثاني الجملة الاستفهامية . وقد تقدم تقريره . والمعنى : ما تصبُّونه من المنِيّ في أرْحَام النِّساء . وقرأ العامَّة : " تُمْنُونَ " بضم التَّاء ، من " أمْنى يمني " . وابن عبَّاس وأبو السِّمال : بفتحها من " مَنَى يَمْنِي " . قال الزمخشري : يقال : أمْنى النُّطفة ومناها ، قال الله تعالى : { مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } [ النجم : 46 ] . فظاهر هذا أنه استشهاد للثلاثي ، وليس فيه دليل له ، إذ يقال من الرباعي أيضاً : تمني ، كقولك : " أنت تكرم " وهو من " أكرم " . وقال القرطبي : ويحتمل أن يختلف معناهما عندي ، فيكون " أمْنَى " إذا أنزل عند جماع ، و " مَنَى " إذا أنزل عند احتلام ، وفي تسمية المنيِّ منيًّا وجهان : أحدهما : لإمنائه ، وهو إراقته . الثاني : لتقديره ، وهو المَنّ الذي يوزن به ؛ لأنه مقدار لذلك ، فكذلك المَنِيّ مقدار صحيح لتصوير الخِلْقَة . قوله : { أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ } . يجوز فيه وجهان : أحدهما : أنه فاعل فعل مقدر ، أي : " أتَخْلُقُونهُ " فلما حذف الفعل لدلالة ما بعده عليه انفصل الضَّمير ، وهذا من باب الاشتغال . والثاني : أن " أنْتُم " مبتدأ ، والجملة بعده خبر . والأول أرجح لأجل أداةِ الاستفهام . وقوله : " أمْ " يجوز فيها وجهان : أحدهما : أنها منقطعة ؛ لأنَّ ما بعدها جملة ، وهي إنما تعطف المفردات . والثاني : أنها متَّصلة . وأجابوا عن وُقوع الجملة بعدها بأن مجيء الخبر بعد " نحن " أتي به على سبيل التَّوكيد ؛ إذ لو قال : " أمْ نَحْنُ " لاكتفي به دون الخبر ، ونظير ذلك جواب من قال : " مَنْ في الدَّار " ؟ زيد في الدار ، " أو زيد فيها " ، ولو اقتصر على " زيد " لكان كافياً . ويؤيد كونها متصلة أن الكلام يقتضي تأويله ، أي : الأمرين واقع ، وإذا صلح كانت متصلة ، إذ الجملة بتأويل المفرد . ومفعول " الخَالِقُون " محذوف لفهم المعنى أي : " الخالقوه " . فصل في تحرير معنى الآية والمعنى : أنتم تصورون منه الإنسان { أم نحن الخالقون } المقدّرون المصورون ، وهذا احتجاج عليهم ، وبيان للآية الأولى ، أي : إذا أقررتم بأنا خالقوه لا غير ، فاعترفوا بالبعث . قال مقاتل : نحن خلقناكم ولم تكونوا شيئاً ، وأنتم تعلمون ذلك ، فهلاَّ تصدقون بالبعث . قوله : { نَحْنُ قَدَّرْنَا } . قرأ ابن كثير : " قَدَرْنَا " بتخفيف الدال . والباقون : بتشديدها . وهما لغتان بمعنى واحد في التقدير الذي هو القضاء ، وهذا أيضاً احتجاج ، أي : الذي يقدر على الإماتة يقدر على الخَلْق وإذا قدر على الخَلْق قدر على البعث . قال الضحاك : معناه أي : سوَّينا بين أهل السماء وأهل الأرض . وقيل : قضينا . وقيل : كتبنا . قال مقاتل : فمنكم من يبلغ الهَرَم ، ومنكم من يموت صبيًّا وشابًّا . { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } أي : مغلوبين عاجزين . قوله : { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ } . يجوز أن يتعلق { بِمَسْبُوقِينَ } ، وهو الظَّاهر ، أي : لم يسبقنا أحد على تبديلنا أمثالكم ، أي : يعجزنا ، يقال : سبقه إلى كذا ، أي : أعجزه عنه ، وغلبه عليه . الثاني : أنه متعلق بقوله : " قَدَّرْنا " أي : قدرنا بينكم الموت ، { على أن نُبدِّل } أي : تموت طائفة ، وتخلفها طائفة أخرى . قال معناه الطبري . وعلى هذا يكون قوله : { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } معترضاً ، وهو اعتراض حسن . ويجوز في " أمْثَالكُمْ " وجهان : أحدهما : أنه جمع " مِثْل " - بكسر الميم وسكون الثاء - أي : نحن قادرون على أن نعدمكم ، ونخلق قوماً آخرين أمثالكم ، ويؤيده : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } [ النساء : 133 ] . والثاني : أنه جمع " مَثَل " - بفتحتين - وهو الصفة ، أي : نغير صفاتكم التي أنتم عليها خَلْقاً وخُلُقاً ، و " ننشئكم " في صفات غيرها . وتقدم قراءتا النَّشأة في " العنكبوت " . فصل في تفسير معنى الآية قال الطبري : معنى الآية : نحن قدّرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم بعد موتكم بآخرين من جنسكم ، { وما نحن بمسبوقين } في آجالكم ، أي : لا يتقدم متأخر ، ولا يتأخّر متقدم ، { وننشئكم فيما لا تعلمون } من الصُّور والهيئاتِ . قال الحسن : أي : نجعلكم قِردةً وخنازير كما فعلنا بأقوام قبلكم . وقيل : المعنى ننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا ، فيجمّل المؤمن ببياض وجهه ، ويقبح الكافر بسواد وجهه . وقال سعيد بن المسيب : قوله : { فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } يعني في حواصل طير سُودٍ تكون ببرهوت كأنها الخَطَاطِيْف ، و " برهوت " : وادٍ في " اليمن " . وقال مجاهد : { فيما لا تعلمون } أي : في أي خلق شئنا . وقيل : ننشئكم في عالم فيما لا تعلمون ، وفي مكان لا تعلمون . قال ها هنا : { قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } . وقال في سورة " الملك " : { خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ } [ الملك : 2 ] بلفظ الخلق ؛ لأن المراد هناك بيان كون الموت والحياة مخلوقين ، وهاهنا ذكر حياتهم ومماتهم . قوله : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ } . أي : إذ خلقتم من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، ولم تكونوا شيئاً . قاله مجاهد وغيره . وهذا تقرير للنشأة الثَّانية . وقال قتادة والضحاك : يعني خلق آدم عليه الصلاة والسلام . { فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } . أي : فهلا تذكرون . قرأ طلحة : " تَذْكُرون " بسكون " الذال " ، وضم " الكاف " . وفي الخبر : " عَجَباً كُل العَجبِ للمُكذِّبِ بالنَّشأة الآخرةِ ، وهُو يَرَى النَّشْأة الأولى ، وعَجَباً للمُصدِّقِ بالنَّشأةِ الآخرةِ ، وهُوَ يَسْعَى لدارِ الغرُورِ " .