Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 11-13)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } . وقد تقدم في " البقرة " . ندب إلى الإنفاق في سبيل الله . وقال ابن عطية : هنا بالرَّفع على العطف ، أو القطع والاستئناف . وقرأ عاصم : " فيُضَاعفه " بالنصب بالفاء على جواب الاستفهام ، وفي ذلك قلقٌ . قال أبو علي : لأن السؤال لم يقع على القرضِ ، وإنما وقع عن فاعل القَرْض ، وإنما تنصب الفاء فعلاً مردوداً على فعل مستفهم عنه ، لكن هذه الفرقة حملت ذلك على المعنى ، كأن قوله : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ } بمنزلة قوله : " أيقرض الله أحدٌ " . انتهى . وهذا الذي قاله أبو علي ممنوع ، ألا ترى أنه ينصب بعد " الفاء " في جواب الاستفهام بالأسماء ، وإن لم يتقدم فعل نحو : أين بيتك فأزورك ومثل ذلك : من يدعوني فأستجيب له ، ومتى تسير فأرافقك ، وكيف تكون فأصحبك ، فالاستفهام إنما وقع عن ذات الدَّاعي ، وعن ظرف الزَّمان ، وعن الحال لا عن الفعل . وقد حكى ابن كيسان عن العرب : " أين ذهب زيدٌ فنتبعه ، ومن أبوك فنكرمه " . فصل في المقصود بالقرض ندب الله تعالى إلى الإنفاق في سبيل الله ، والعرب تقول لكل من فعل فعلاً حسناً : " قد أقرض " . كما قال بعضهم رحمة الله عليه : [ الرمل ] @ 4719 - وإذَا جُوزيتَ قَرْضاً فاجزه إنَّما يَجزي الفَتَى لَيْسَ الجَمَلْ @@ وسماه قرضاً ؛ لأن القرض أخرج لاسترداد البدل ، أي : من ذا الذي ينفق في سبيل الله حتى يبدله الله بالأضعاف الكثيرة . قال الكلبي : " قرضاً " أي : صدقة . " حسناً " أي : محتسباً من قلبه بلا منٍّ ولا أدى . { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } : ما بين سبع إلى سبعمائة إلى ما شاء الله من الأضعاف . وقيل القَرْض الحسن هو أن يقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . وقال زيد بن أسلم : هو النَّفقة على الأهل . وقال الحسن : التطوُّع بالعبادات . وقيل : عمل الخير . وقال القشيري : لا يكون حسناً حتى يجمع أوصافاً عشرة : الأول : أن يكون من الحلال ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاةً بِغَيْرِ طهُورٍ ، ولا صَدَقةً مِنْ غُلُولٍ " . الثاني : أن يكون من أكرم ما يمكنه ؛ ولا يخرج الرديء كقوله تعالى : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } [ البقرة : 267 ] . الثالث : أن يتصدق به وهو يحبّه ، ويحتاج إليه لقوله تعالى : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران : 92 ] وقوله : { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ } [ البقرة : 177 ] . وقال عليه الصلاة والسلام " أفْضَلُ الصَّدقةِ أنْ تُعْطيَهُ وأنْتَ صَحيحٌ شَحِيحٌ تأمْلُ العَيْشَ ولا تمهلُ حتَّى إذا بلغتِ التَّراقي قُلْتَ : لفُلانٍ كذا ، ولفُلانٍ كَذَا " . الرابع : أن تصرف صدقته إلى الأحوج فالأحوج ، ولذلك خص تعالى أقواماً بأخذها ، وهم أهل المبهمات . الخامس : أن تخفي الصَّدقة لقوله تعالى : { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 271 ] . السادس : ألاَّ يتبعها منًّا ولا أذى ، لقوله تعالى : { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ } [ البقرة : 264 ] . السابع : أن يقصد بها وجه الله تعالى ، ولا يُرائِي لقوله تعالى : { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ } [ الليل : 20 ] . الثامن : أن يستحقر ما يعطي وإن كثر ؛ لأن الدُّنيا كلها قليلة ، قال تعالى : { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [ المدثر : 6 ] في أحد التأويلات . التاسع : أن يكون من أحبّ الأموال إليه ، وأن يكون كثيراً لقوله عليه الصلاة والسلام " أفْضَلُ الرِّقابِ أغْلاهَا وأنفَسُهَا عِنْدَ أهْلِهَا " . العاشر : ألا يرى عزَّ نفسه ، وذُلّ الفقير ، بل يكون الأمر بالعكس . { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } يعني الجنَّة . قوله تعالى : { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } . فيه أوجه : أحدها : أنه معمول للاستقرار العامل في " له أجر " أي : استقر له أجر في ذلك اليوم . الثاني : أنه مضمر ، أي : اذكر ، فيكون مفعولاً به . الثالث : أنهم يُؤجَرُون " يوم ترى " فهو ظرف على أصله . الرابع : أن العامل فيه " يسعى " أي : يسعى نور المؤمنين والمؤمنات يوم تراهم هذا أصله . الخامس : أن العامل فيه " فيُضَاعفه " . قالهما أبو البقاء . قوله : " يَسْعَى " حال ؛ لأن الرُّؤية بصرية ، وهذا إذا لم تجعله عاملاً في " يوم " ، و " بين أيديهم " ظرف للسعي ، ويجوز أن يكون حالاً من " نورهم " . قوله : " وبأيمانهم " ، أي : وفي جهة أيمانهم . وهذه قراءة العامة ، أعني بفتح الهمزة جمع يمين . وقيل : الباء بمعنى " عن " أي : عن جميع جهاتهم ، وإنما خص الأيمان لأنها أشرف الجهات . وقرأ أبو حيوة وسهل بن شعيب : بكسرها . وهذا المصدر معطوف على الظرف قبله ، والباء سببية ، أي : يسعى كائناً وثابتاً بسبب أيمانهم . وقال أبو البقاء : تقديره : وبأيمانهم استحقُّوه ، أو بأيمانهم يقال لهم : بُشْرَاكُم . فصل في المراد بهذا اليوم المراد من هذا يوم المُحاسبة . واختلفوا في هذا النور . فقال الحسن : هو الضياء الذي يمرون فيه " بين أيديهم " أي : قدَّامهم . " وبأيمانهم " ، قال الفرَّاء : " الباء " بمعنى " في " أي : في أيمانهم ، أو بمعنى : " عن أيمانهم " . وقال الضحاك : النور هُداهم ، وبأيمانهم كتبهم ، واختاره الطبري . أي : يسعى إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم ، وفي أيمانهم كتب أعمالهم ، فـ " الباء " على هذا بمعنى " في " ، ويجوز على هذا أن يوقف على " بين أيديهم " ولا يوقف إذا كانت بمعنى " عن " . وعلى قراءة سهل بن شعيب وأبي حيوة : " وبإيمانهم " بكسر الألف ، أراد الإيمان الذي هو ضد الكُفر ، وعطف ما ليس بظرف على الظَّرف لأن معنى الظرف الحال ، وهو متعلق بمحذوف . والمعنى : يسعى كائناً بين أيديهم ، وكائناً بأيمانهم . وقيل : أراد بالنور : القرآن . وعن ابن مسعود : " يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يؤتى نوره كالنَّخلة ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم ، وأدناهم نوراً من نوره على إبهام رجله ، فيطفأ مرة ويوقد أخرى " . قال الحسن : ليَسْتَضيئُوا به على الصِّراط . وقال مقاتل : ليكون لهم دليلاً إلى الجنَّة . قوله : { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ } . " بُشْرَاكم " مبتدأ ، و " اليوم " ظرف ، و " جنَّات " خبره على حذف مضاف أي : دخول جنَّات وهذه الجملة في محل نصب بقول مُقدَّر ، وهو العامل في الظرف ، يقال لهم : بُشراكم اليوم دخول جنَّات . قال القرطبي : " ولا بُدَّ من تقدير حذف المضاف ؛ لأن البُشْرَى حدث ، والجنة عين ، فلا تكون هي هي " . وقال مكي : وأجاز الفراء نصب " جنَّات " على الحال ، ويكون " اليوم " خبر " بشراكم " قال : " وكون " جنَّات " حالاً لا معنى له ؛ إذ ليس فيها معنى فعل ، وأجاز أن يكون " بُشْرَاكم " في موضع نصب على " يبشرونهم بالبُشْرَى " ، وينصب " جنات " بالبشرى وكله بعيد ، لأنه يفصل بين الصلة والموصول باليوم " . انتهى . وعجيب من الفرَّاء كيف يصدر عنه ما لا يتعقّل ، ولا يجوز صناعة ، كيف تكون جنات حالاً ، وماذا صاحب الحال ؟ . وقوله : { خَالِدِينَ فِيهَا } حال من الدخول المحذوف ، التقدير : بشراكم اليوم دخول الجنة جنات تجري من تحتها الأنهار مقدرين الخلود فيها . قال القرطبي : " ولا تكون الحال من " بشراكم " لأن فيه فصلاً بين الصلة والموصول ، ويجوز أن تكون مما دلّ عليه البشرى كأنه قال : يبشرون خالدين فيها ، ويجوز أن يكون الظَّرف الذي هو " اليوم " خبراً عن " بشراكم " ، و " جنات " بدلاً من البشرى على تقدير حذف المضاف كما تقدم ، و " خالدين " حال حسب ما تقدم " . فصل في العامل في قوله : " خالدين " قال شهاب الدِّين : " خالدين " نصب على الحال ، والعامل فيها المضاف محذوف ، إذ التقدير : بُشْرَاكم دخولكم جنات خالدين فيها ، فحذف الفاعل وهو ضمير المخاطب ، [ وأضيف المصدر لمفعوله ، فصار دخول جنات ] ، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف فيه مقامه في الإعراب ، ولا يجوز أن يكون " بشراكم " هو العامل فيها ؛ لأنه مصدر ، وقد أخبر عنه قبل ذكر متعلقاته ، فيلزم الفصل بأجنبي ، وظاهر كلام مكي أنه عامل في الحال ، فإنه قال : " خالدين " نصب على الحال من الكاف والميم ، والعامل في الحال هو العامل في صاحبها فيلزم أن يكون " بشراكم " هو العامل ، وفيه ما تقدم من الفصل بين المصدر ومعموله . فصل في كون الفاسق مؤمناً أم لا قال ابن الخطيب : تقدم في الكلام البشارة عند قوله : { وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ } [ البقرة : 25 ] . وهذه الآية تدل على أن المؤمنين لا ينالهم أهوال يوم القيامة ؛ لأنه تعالى بين أن هذه صفتهم يوم القيامة من غير تخصيص . قال الكعبي : هذه الآية تدلّ على أن الفاسق ليس بمؤمن ؛ لأنه لو كان مؤمناً لدخل تحت هذه البشارة ، ولو كان كذلك لقطع بأنه من أهل الجنَّة ؛ [ ولما لم يكن كذلك ثبت أنه ليس بمؤمن ] . أجاب ابن الخطيب : [ بأنا نقطع بأن الفاسق من أهل الجنة ] ، لأنه إما أن يدخل النار ، أو أنه ممن دخلها ، لكنه سيخرج منها ، وسيدخل الجنة ، ويبقى فيها أبد الآباد ، فإذن يقطع بأنه من أهل الجنة ، فسقط الاستدلال . قوله : " ذلك الفوز " هذه الإشارة عائدة إلى جميع ما تقدم من النور والبشرى بالجنَّات المخلدة . قوله : { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ } . العامل في " يوم " " ذلك الفوز العظيم " . وقيل : " هو بدل من اليوم الأول " . وقال ابن الخطيب منصوب بـ " اذْكر " مقدًّرا . واعلم أنه لما شرح حال المؤمنين في موقف القيامة أتبع ذلك بشرح حال المنافقين ، فقال : يوم يقول . قوله : { لِلَّذِينَ آمَنُواْ } . " اللام " للتبليغ . و { انظرونا نقتبس من نوركم } قراءة العامة : " انْظُرونَا أمر من النَّظر " . وحمزة : " أنْظِرُونا " بقطع الهمزة ، وكسر الظَّاء من الإنظار بمعنى الانتظار . وبها قرأ الأعمش ، ويحيى بن وثَّاب ، أي : انتظرونا لنلحق بكم ، فنستضيء بنوركم . والقراءة الأولى يجوز أن تكون بمعنى هذه ، إذ يقال : نظره بمعنى انتظره ، وذلك أنَّه يسرع بالخواص على نُجُب إلى الجنة ، فيقول المنافقون : انتظرونا لأنَّا مُشَاة لا نستطيع لحوقكم ، ويجوز أن يكون من النظر وهو الإبصار ؛ لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم ، فيضيء لهم المكان ، وهذا أليق بقوله : { نقتبس من نوركم } . قال معناه الزمخشري . إلاَّ أن أبا حيان قال : إن النَّظر بمعنى الإبصار لا يتعدى بنفسه إلا في الشِّعر ، إنما يتعدى بـ " إلى " . قوله : { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أي : نستضيء من نوركم . و " القَبَس " : الشعلة من النار أو السِّراج . قال ابن عبَّاس وأبو أمامة : يغشى الناس يوم القيامة ظلمة . قال الماوردي : أظنّها بعد فصل القضاء ، ثم يعطون نوراً يمشون فيه . قال المفسّرون : يعطي الله كل أحد يوم القيامة نوراً على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، ويعطي المنافقين [ نوراً خديعة لهم ، بدليل قوله تعالى : { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] . وقيل : إنما يعطون النور ؛ لأن جميعهم أهل دعوة ] دون الكافر ، ثم يسلب المنافق نوره لنفاقه . قاله ابن عباس . وقال أبو أمامة : يعطى المؤمن النور ، ويترك الكافر والمنافق بلا نور . وقال الكلبي : بل يستضيء المنافق بنور المؤمنين ، [ فبينما هم يمشون إذ بعث الله ريحاً وظلمة فأطفأ بذلك نور المنافقين ، فذلك قول المؤمنين ] : { رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } [ التحريم : 8 ] خشية أن يسلبوه كما سلبه المنافقون ، فإذا بقي المنافقون في الظلمة ، فإنهم لا يبصرون مواضع أقدامهم ، قالوا للمؤمنين : { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } . قيل : ارجعُوا " وراءكم " ، أي : إلى المواضع التي أخذنا منها النور ، فاطلبوا هناك نوراً لأنفسكم ، فإنكم لا تقتبسون من نورنا ، فلما رجعوا وانعزلوا في طلبِ النور " ضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ " . وقيل : معناه هلاَّ طلبتم النور من الدنيا بأن تؤمنوا ؟ . قوله : " وراءكم " فيه وجهان : أظهرهما : أنه منصوب بـ " ارجعوا " على معنى ارجعوا إلى الموقف إلى حيث أعطينا هذا النور ، فالتمسوا هناك ممن يقتبس ، أو ارجعوا إلى الدُّنيا فالتمسوا نوراً بتحصيل سببه ، وهو الإيمان ، أو يكون معناه : فارجعوا خائبين وتنحّوا عنَّا فالتمسوا نوراً آخر ، فلا سبيل لكم إلى هذا النور . والثاني : أن " وَرَاءكُم " اسم للفعل فيه ضمير فاعل ، أي : ارجعوا " رجوعاً " قاله أبو البقاء . ومنع أن يكون ظرفاً لـ " ارجعوا " . قال : لقلّة فائدته ؛ لأن الرُّجوع لا يكون إلاَّ إلى وراء . قال شهاب الدين : " وهذا فاسد ؛ لأن الفائدة جليلة كما تقدم شرحها " . قوله : { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } . العامة على بنائه للمفعول ، والقائم مقام الفاعل يجوز أن يكون " بِسُورٍ " وهو الظاهر ، وأن يكون الظرف . وقال مكي : " الباء " مزيدة ، أي : ضرب سور . ثم قال : " والباء متعلقة بالمصدر أي : ضرباً بسور " . وهذا متناقض ، إلاَّ أن يكون قد غلط عليه من النساخ ، والأصل : والباء متعلقة بالمصدر ، والقائم مقام الفاعل الظرف ، وعلى الجملة هو ضعيف ، والسور : البناء المحيط وتقدم اشتقاقه في أول البقرة . قوله : " لَهُ بابٌ " . مبتدأ وخبر في موضع جرّ صفة لـ " سُور " . وقوله : { بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ } هذه الجملة يجوز أن تكون في موضع جر صفة ثانية لـ " سور " ، ويجوز أن تكون في موضع رفع صفة لـ " باب " ، وهو أولى لقربه ، والضمير إنما يعود إلى الأقرب إلا بقرينة . وقرأ زيد بن علي ، وعمرو بن عبيد : " فضرب " مبنيًّا للفاعل ، وهو الله أو الملك . فصل في المراد بالسور " السور " : حاجز بين الجنة والنار . قال القرطبي : " روي أن ذلك السُّور بـ " بيت المقدس " عند موضع يعرف بـ " وادي جهنم " فيه الرَّحْمَة يعني : ما يَلِي منه المؤمنين ، وظاهره من قبله العذاب يعني : ما يلي المنافقين " . قال كعب الأحبار رضي الله عنه : هو الباب الذي بـ " بيت المقدس " المعروف بـ " باب الرحمة " . وقال عبد الله بن عمرو : إنه سور بـ " بيت المقدس " الشرقي ، باطنه فيه المسجد ، وظاهره من قبله العذاب ، يعني : جهنم ونحوه عن ابن عباس . وقال زياد بن أبي سوادة : قام عبادة بن الصَّامت على سُور بـ " بيت المقدس " الشرقي فبكى ، وقال : من هاهنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم . وقال قتادة : هو حائط بين الجنَّة والنار ، { باطنه فيه الرحمة } يعني : الجنة ، { وظاهره من قبله العذاب } يعني : جهنم . وقال مجاهد : إنَّه حجاب . كما في " الأعراف " وقد مضى القول فيه . وقد قيل : إن الرحمة التي في باطنه نور المؤمنين ، والعذاب الذي هو في ظاهره ظلمة المنافقين . وقيل : السُّور عبارة عن منع المنافقين عن طلبِ المؤمنين .