Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 18-21)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ } . خفف الصاد منهما ابن كثير ، وثقلها باقي السَّبعة . فقراءة ابن كثير من التصديق ، أي : صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ، كقوله : { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } [ الزمر : 33 ] ، وقراءة الباقين من الصدقة وهو مناسب لقوله : " وأقرضوا " والأصل : المتصدّقين والمتصدّقات ، فأدغم ، وبها قرأ أبي . وقد يرجح الأول بأن الإقْرَاض مُغنٍ عن ذكر الصدقة . قوله : " وأقْرَضُوا " فيه ثلاثة أوجه : [ أحدها ] : أنه معطوف على اسم الفاعل في " المصدّقين " ؛ لأنه لما وقع صلة لـ " ال " حل محل الفعل ، كأنه قيل : إن الذين صدقوا وأقرضوا ، وعليه جمهور المعربين ، وإليه ذهب الفارسي ، والزمخشري ، وأبو البقاء . وهو فاسد ؛ لأنه يلزم الفصل بين أبعاض الصِّلة بأجنبي ، ألا ترى أنَّ " المصدقات " عطف على " المصدقين " قبل تمام الصِّلة ، ولا يجوز أن يكون عطفاً على " المصدقات " لتغايُر الضمائر تذكيراً وتأنيثاً . الثاني : أنه معترض بين اسم " إن " وخبرها ، وهو " يضاعف " . قال أبو البقاء : " وإنما قيل ذلك لئلاَّ يعطف الماضي على اسم الفاعل " . قال شهاب الدين : " ولا أدري ما هذا المانع ؛ لأن اسم الفاعل متى وقع صلة لـ " ال " صلح للأزمنة الثلاثة ، ولو منع بما ذكرته من الفصل بأجنبي لأصاب ، ولكن خفي عليه كما خفي على الفارسي والزمخشري " . الثالث : أنه صلةٌ لموصول محذوف لدلالة الأول عليه ، كأنه قيل : " الذين أقرضوا " ؛ كقوله : [ الوافر ] @ 4722 - أمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّه مِنْكُمْ ويَنْصُرهُ ويمْدَحهُ سَوَاءُ ؟ @@ أي : ومن ينصره ، واختاره أبو حيان . قال ابن الخطيب : وفي الآية إشكال ، وهو أن عطفه الفعل على الاسم قبيحٌ ، فما فائدة التزامه هنا ؟ . وأجاب بأن الزمخشري قال : " وأقرضوا " معطوف على معنى الفعل في التصديق ؛ لأن " اللام " بمعنى " الذين " ، واسم الفاعل بمعنى " صدقوا وأقرضوا " . قال : وهذا لا يزيل الإشكال ، فإنه ليس فيه بيان أنه لم عدل عن ذلك اللفظ [ إلى هذا اللفظ ] . والذي عندي فيه أن الألف واللام في " المصدّقين والمصدّقات " للمعهود ، فكأنه ذكر جماعة معينين بهذ الموصف ، ثم قبل ذكر الخبر أخبر عنهم بأنهم أتوا بأحسن أنواع الصدقة ، وهو القرضُ ، ثم ذكر الخبر بعد ذلك فقال : " يُضَاعَفُ لَهُمْ " . فقوله : " وأقرضوا " ؛ كقوله : [ السريع ] @ 4723 - إنَّ الثَّمَانينَ وبُلِّغْتَهَا … @@ قوله : { يُضَاعَفُ لَهُمْ } في القائم مقام الفاعل وجهان : أظهرهما : أنه الجار بعده . والثاني : أنه ضمير التصديق ، ولا بد من حذف مضاف ، أي : ثواب التصديق . وقرأ الأعمش ؛ " يُضَاعِفُهُ " بكسر العين ، وزيادة هاء . وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب : " يُضَعَّفُ " بتشديد العين وفتحها . { وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } يعني : الجنة . قوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مبتدأ ، و " أولئك " مبتدأ ثانٍ ، و " هم " يجوز أن يكون مبتدأ ثالثاً ، و " الصديقون " خبره ، وهو مع خبره خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول ، ويجوز أن يكون " هم " فصلاً ، و " أولئك " وخبره خبر الأول . " والصِّديق " : هو الكثير الصِّدق . وقال مجاهد : من آمن بالله ورسوله فهو صديق ، وتلا هذه الآية . وقال الضحاك : هم ثمانية نفر من هذه الأمة سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام : أبو بكر ، وعلي ، وزيد ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وحمزة ، وتاسعهم عمر بن الخطاب ، ألحقه بهم لما عرف من صدق نيته . قوله : { وَٱلشُّهَدَآءُ } . يجوز فيه وجهان : أحدهما : أنه معطوف على ما قبله ، ويكون الوقف على " الشهداء " تامًّا ، أخبر عن " الذين آمنوا " أنهم صديقون شهداء . فإن قيل : الشهداء مخصوصون بأوصاف أخر زائدة على ذلك كالتسعة المذكورين . أجيب : بأن تخصيصهم بالذكر لشرفهم على غيرهم لا للحصر . والثاني : أنه مبتدأ ، وفي خبره وجهان : أحدهما : أنه الظرف بعده . والثاني : أنه قوله " ولهم أجرهم " ، إما الجملة ، وإما الجار وحده ، والمرفوع فاعل به ، والوقف لا يخفى على ما ذكرناه من الإعراب . والصِّدِّيق : مثال مبالغة ، ولا يجيء إلا من ثلاثي غالباً . قال بعضهم : وقد جاء " مِسِّيك " من " أمسك " ، وهو غلط ؛ لأنه يقال : " مسك " ثلاثياً ، فـ " مسّيك " منه . فصل في المراد بالصديقين والشهداء قال مجاهد وزيد بن أسلم : إن الشهداء والصديقين هم المؤمنون ، وأنه متصل ، وروي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا قول ابن مسعود في تأويل الآية . قال القشيري : قال الله تعالى : { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين } . فـ " الصديقون " هم الذين يلون الأنبياء . و " الشهداء " هم الذين يلون الصديقين و " الصالحون " يلون الشهداء ، فيجوز أن تكون هذه الآية في جملة من صدق بالرسل . والمعنى : والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء ، ويكون المعني بالشهداء من شهد لله بالوحدانية ، أنهم شهداء عند ربهم على العباد في أعمالهم ، والمراد أنهم عدول في الآخرة الذين تقبل شهاداتهم . وقال الحسن : كل مؤمن فإنه شهيد كرامة . وقال الفراء والزجاج : هم الأنبياء ؛ لقوله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [ النساء : 41 ] . وقال ابن جرير : " الشهداء " هم الذين استشهدوا في سبيل الله . " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما تَعُدُّون الشُّهداء فيْكُمْ " ؟ قالوا : المقتول ، فقال : " إنَّ شُهَداء أمَّتِي إذاً لقَلِيلٌ " " . وعلى هذا يكون منقطعاً عما قبله ، وتكون " الواو " في " والشهداء " واو الاستئناف ، وهذا مروي عن ابن عباس ومسروق . وقوله : { لَهُمْ أَجْرُهُمْ } مما عملوا من العمل الصالح . و " نورهم " على الصراط . ثم لما ذكر حال المؤمنين أتبعه بذكر حال الكافرين ، فقال : { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ، أولئك أصحاب الجحيم } . ولما ذكر أحوال المؤمنين والكافرين ذكر بعده ما يدلّ على حقارة الدنيا ، وكمال حال الآخرة ، فقال : { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } . " ما " صلة ، أي : حياة هذه الدار لعبٌ باطل لا حاصل له ، وهو فرح ثم ينقضي ، وزينة ومنظر تتزيَّنُون به . قوله : { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } . العامة على تنوين " تَفَاخُر " موصوف بالظرف ، أو عامل فيه . والسلمي أضافه إليه ، أي : يفخر به بعضكم على بعض . قال المفسرون : " اللّعب " : الباطل ، " واللَّهْو " : الفرح . وقال قتادة : " لعب ولهو " : أكل وشرب . وقال مجاهد : كل لعب لهو . وقيل : " اللعب " : ما رغب في الدنيا ، " واللّهو " : ما ألْهى على الآخرة . قوله : { وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلاَدِ } . قال ابن عبَّاس : يجمع المال في سخطِ الله ، ويباهي به على أولياء الله ، ويصرفه في مساخط الله ، فهي ظلمات بعضها فوق بعض ، وكان من عادة الجاهلية أن يتكاثروا بالأموال والأولاد . قال بعض المتأخرين : " لعب " كلعب الصبيان ، " ولهو " كلهو الفتيان " وزينة " كزينة النِّسْوان " وتفاخُر " كتفاخُر الأقران " وتَكاثُر " كتكاثُر الدُّهقان . وقال علي - رضي الله عنه لـ " عمار " : لا تحزن على الدُّنيا ، فإن الدنيا ستة أشياء : مأكول ، ومشروب ، وملبوس ، ومشموم ، ومركوب ، ومنكُوح ، فأحسن طعامها العسل ، وهو بزقةُ ذبابة ، وأكثر شرابها الماء ، ويستوي فيه جميع الحيوان ، وأفضل ملبوسها الدِّيباج وهو نسج دودة ، وأفضل المشموم المِسْك وهو دم فأرة ، وأفضل مركوبها الفرس ، وعليها يقتل الرِّجال ، وأما المنكوح فهو النساء وهو مبال في مَبال ، والله إن المرأة لتزين أحسنها يراد به أقبحها . ثم ذكر تعالى لهذه الحياة مثلاً ، فقال : " كمثل غيثٍ " أي : مطر { أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ } . قال ابن مسعود : المراد بـ " الكُفَّار " هنا : الزُّرَّاع . وقال الأزهري : والعرب تقول للزَّارع : كافر ؛ لأنه يكفرُ البَذْر [ المبذور في الأرض ] بتراب الأرض ، أي : يغطّيه . والمعنى : أن الحياة الدُّنيا كالزَّرع يعجب النَّاظرين إليه لخضرته بكثرة الأمطار ، ثم لا يلبث أن يصير هشيماً كأن لم يكن . وقيل : المراد بالكُفَّار هنا هم الكُفَّار بالله ، وهم أشد إعجاباً بزينة الدنيا من المؤمنين . وقوله : " نَبَاتُهُ " أي : ما ينبت من ذلك الغَيْث . قوله : { كَمَثَلِ غَيْثٍ } . يجوز أن يكون في موضع نصب حالاً من الضمير في " لعب " ؛ لأنه بمعنى الوصف ، وأن يكون خبراً لمبتدأ محذوف ، أي : ذلك كمثل . وجوز ابن عطية : أن يكون في موضع رفع صفة لما تقدم ، ولم يبينه ، وقد بينه مكي ، فقال : نعت لـ " تفاخر " . وفيه نظر لتخصيصه له من بين ما تقدم ، وجوز أن يكون خبراً بعد خبر للحياة الدنيا . وقوله : { ثُمَّ يَهِيجُ } أي : يجفّ بعد خضرته { فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً } أي : متغيراً عما كان عليه من النَّضارة . وقرىء : " مُصْفَارًّا " من " اصْفَارّ " وهو أبلغ من " اصْفَرّ " . قوله : " وفي الآخِرةِ " خبر مقدم ، وما بعده مبتدأ مؤخر ، أخبر بأن في الآخرة عذاباً شديداً ، ومغفرة منه ورضواناً ، وهذا معنى حسن ، وهو أنه قابل العذاب بشيئين : بالمغفرة والرضوان ، فهو من باب لن يغلب عُسْرٌ يُسرينِ . قال القرطبي : { وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ } ، أي : للكافر ، والوقف عليه حسن ، ويبتدأ { وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَانٌ } أي : للمؤمنين . وقال الفراء : { وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة } تقديره : إمَّا عذاب شديد ، وإمَّا مغفرة ، فلا يوقف على " شديد " . قوله : { وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ } . وهذا تأكيد لما سبق ، أي : تغرّ الكافر ، فأما المؤمن فإن الدنيا له متاع بلاغ إلى الجنة . وقيل : العمل للحياة الدنيا متاع الغرور تزهيداً في العمل للدنيا ، وترغيباً للعمل في الآخرة . وقال سعيد بن جبير : الدُّنيا متاع الغرور إذا ألْهتك عن طلب الآخرة ، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله وطلب الآخرة ، فنعم المتاع ونعم الوسيلة . قوله تعالى : { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } الآية . أي : سارعوا بالأعمال الصالحة التي توجب المغفرة لكم من ربكم . وقيل : سارعوا بالتَّوبةِ ؛ لأنها تؤدِّي إلى المغفرة . قاله الكلبي . وقال مكحول : هي التكبيرة الأولى مع الإمام . وقيل : الصف الأول . فصل فيمن استدل بالآية على أن الأمر على الفور احتج القائلون بأن الأمر على الفور بهذه الآية ؛ لأنها دلت على وجوب المسارعة ، فوجب أن يكون التراخي محظوراً . قوله : { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } . { عَرْضُهَا كَعَرْضِ } : مبتدأ وخبر ، والجملة صفة ، وكذلك " أعِدَّتْ " ، ويجوز أن تكون " أعدت " مستأنفة . فصل في عرض الجنة قال مقاتل : إنَّ السَّموات السَّبع والأرضين السبع لو جعلت صفائح ، وألزق بعضها إلى بعض لكانت عرض جنة واحدة من الجنَّات ، والعرض أقل من الطول ، ومن عادة العرب أنها تعبر عن الشيء بعرضه دون طوله ؛ قال : [ الطويل ] @ 4724 - كَأنَّ بِلادَ اللَّهِ وهْيَ عرِيضةٌ على الخَائفِ المطلُوبِ كفَّةُ حَابِلِ @@ وقال عطاء عن ابن عباس : يريد أنَّ لكل واحد من المطيعين جنَّة بهذه الصِّفة . وقال السُّدي : إنه - تعالى - شبّه عرض الجنة بعرض السَّموات السبع والأرضين السبع ، ولا شك أن طوله أزيد من عرضه . وقيل : هذا تمثيل للعباد بما يعقلونه ، وأكبر ما في أنفسهم مقدار السموات والأرض . قاله الزجاج ، وهو اختيار ابن عبَّاس . وقال طارق بن شهاب : قال قوم من أهل " الحيرة " لعمر رضي الله عنه : أرأيت قول الله عز وجل : { عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } فأيْنَ النَّارُ ؟ قال لهم عمر : أرأيتم الليل إذا ولَّى وجاء النهار ، فأين يكون الليل ؟ فقالوا : لقد نزعت بما في التوراة مثله . قوله : { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } شرط الإيمان لا غير ، والمعتزلة وإن زعموا أن لفظ الإيمان يفيد جملة الطَّاعات ، لكنهم اعترفوا بأن لفظ الإيمان إذا عدي بالباء ، فإنه باقٍ على مفهومه الأصلي وهو التصديق ، فالآية حجة عليهم ، ومما يؤكّد ذلك قوله تعالى بعده : { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } فبين أن الجنة فضل الله يؤتيها من يشاء ، سواء أطاع أم عصى . فإن قيل : فيلزمكم أن تقطعوا بحصول الجنة لجميع العُصاة ، وأن تقطعوا بأنه لا عقاب لهم ؟ فالجواب : قلنا : نقطع بحصول الجنَّة ، ولا نقطع بنفي العقاب عنهم ؛ لأنهم إذا عذّبوا مدة ، ثم نقلوا إلى الجنة ، وبقوا فيها أبد الآباد ، فقد كانت الجنَّة معدة لهم . فإن قيل : فالمرتد قد آمن بالله ، فوجب إلاّ يدخل تحت هذه الآية . قلنا : فالجواب خص من العموم ، فبقي العموم حجة فيما عداه . فصل في أن الجنة مخلوقة أم لا ؟ احتجوا بهذه الآية على أن الجنة مخلوقة . قالت المعتزلة : هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها لوجهين : الأول : أن قوله تعالى { أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا } [ الرعد : 35 ] يدل على أن من صفتها بعد وجودها ألا تفتى ، لكنها لو كانت الآن موجودة لفنيت بدليل قوله تعالى { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] . الثاني : أن المخلوقة الآن في السماء السَّابعة ، ولا يجوز إذا كانت في واحدة منها أن يكون عرضها كعرض كل السموات والأرض ، فثبت بهذين الوجهين أنه لا بُدَّ من التأويل ، وذلك من وجهين : أحدهما : أنه - تعالى - لما كان قادراً لا يصحّ المنع عليه ، وإذا كان حكيماً لا يصحّ الخلف في وعده ، ثم إنه - تعالى - وعد على الطَّاعة بالجنة ، فكانت الجنة كالمعدّة المهيّأة لهم تشبيهاً لما سيقع قطعاً بالواقع ، كما يقول المرء لصاحبه : أعددت لك المكافأة إذا عزم عليها وإن لم يوجدها . والثاني : أن المراد إذا كانت الآخرة أعدّها الله لهم ، كقوله : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ } [ الأعراف : 50 ] أي : إذا كان يوم القيامة نادى . والجواب : أن قوله : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ } [ القصص : 88 ] عام . وقوله : { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 133 ] مع قوله : { أُكُلُهَا دَآئِمٌ } [ الرعد : 35 ] خاص ، والخاصّ مقدّم على العام . وأما قولهم : إنَّ الجنَّة مخلوقة في السماء السابعة كما قال - عليه الصلاة والسلام - في صفة الجنة : " سَقْفُهَا عرْشُ الرَّحْمنِ " فأي استبعاد في أن يكون المخلوق فوق الشيء أعظم منه ، أليس أن العرش أعظم المخلوقات ، مع أنه مخلوق فوق السماء السابعة . قوله : { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } أي : أن الجنة لا تنال إلاَّ بفضل الله ورحمته ، { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } .