Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 63-64)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا نوع آخر من الدلالة على كمالِ القُدرةِ الإلهية ، وكمال الرحمة والفَضْلِ والإحسان . وقرأ السبعة هذه مشدّدة : { قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُم } [ الأنعام : 64 ] قرأها الكوفيون وهشام بن عامر عن ابن عامر مشددة كالأولى . وقرأ الثِّنْتينِ بالتخفيف من " أنْجَى " حُمَيْدُ بن قيس ، ويعقوب ، وعلي بن نَصْرٍ عن أبي عمرو ، وتحصَّل من ذلك أن الكوفيين وهشاماً يثقلون في الموضعين ، وأن حميداً ومن مَعَهُ يُخَفِّفُونَ فيهما ، وأن نافعاً ، وابن كثير ، وأبا عمرو ، وابن ذكوان عن ابن عامرٍ يُثَقِّلُون الأولى ، ويُخَفِّفُون الثانية ، والقراءات واضحة ، فإنها من : نجَّى وأنْجى ، فالتضعيف والهمزة كلاهما للتَّعديَةِ . فالكوفيون وهشام التَزَمُوا التَّعْديةَ بالتضعيف ، وحميد وجماعته التَزَمُوهَا بالهمزة . والباقون جمعوا بين التَّعديتين جمعاً بين اللُّغَتَيْنِ كقوله تعالى : { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } [ الطارق : 17 ] . والاستفهام للتقرير والتَّوْبيخ ، وفي الكلام حَذفُ مضاف ، أي : مِنْ مهالِكِ ظُلُمات ، أو من مخاوفها ، والظلمات كِنَايةٌ عن الشدائد والأهوال إذا سافروا في البرِّ والبَحْرِ . قوله : " تَدْعُونَهُ " في مَحَلِّ نصب على الحال ، إما من مفعول " ينجيكم " ، وهو الظاهر ، أي : ينجيكم داعين إيَّاه ، وإما من فاعله ، أي : مدعُوَّاً من جهتكم . قوله : { تَضَرُّعاً وخُفْيَةٌ } يجوز فيها وجهان : أحدهما : أنهما مصدران في موضع الحالِ ، أي : تدعونه مُتَضَرِّعين ومُخْفِينَ . والثاني : أنها مصدارن من معنى العامل لا من لفظه كقولك : قعدت جُلُوساً . وقرأ الجمهور : " خُفْيَةً " بضم الخاء ، وقرأ أبو بكر بكسرها ، وهما لغتانِ ، كالعُدْوِةِ والعِدْوةِ ، والأسْوَة والإسْوَة . وقرأ الأعمش : " وخيفة " كالتي في " الأعراف " وهي من الخَوْفِ ، قُلِبَتْ " الواو " ياء لانكسار ما قبلها وسكونها ، ويظهر على هذه القراءة أن يكون مفعولاً من أجله لولا ما يَأبَاهُ " تَضرُّعاً " من المعنى . قوله : " لَئِنْ أنْجَيْتَنَا " الظاهر أن هذه الجملة القسميَّةَ تفسير للدُّعاءِ قبلها ويجوز أن تكون مَنْصُوبَةً المَحلِّ على إضمار القول ، ويكون ذلك القول في محلِّ نصب على الحال من فاعل " تدعونه " أي : تدعونه قائلين ذلك ، وقد عرف مما تقدَّم غير مرَّةٍ كيفية اجتماع الشرط والقسم . وقرأ الكوفيون " أنْجَانَا " بلفظ الغَيْبَةِ مُرَاعَاةً لقوله " تَدْعُونَهُ " والباقون " أنجيتَنَا " بالخطاب حكاية لخطابِهِمْ في حالة الدعاء ، وقد قرأ كُلٌّ بما رسم في مصحفه ، فإن في مصاحف " الكوفة " : أنْجَانَا " ، وفي غيرها : " أنْجَيْتَنَا " . قوله : " مِنْ هَذِهِ " متعلِّقٌ بالفعل قَبْلَهُ ، و " مِنْ " لابتداء الغاية ، و " هذه " اشارةٌ إلى الظُّلماتِ ، لأنها تجري مجرى المؤنثة الواحدة ، وكذلك في " منها " تعود على الظلمات . وقوله : { ومِنْ كُلِّ كَرْبٍ } عطف على الضمير المجرور بإعادةِ حرف الجر ، وهو واجب عند البصريين ، وقد تقدَّم . و " الكَرْبُ " غاية الغَمِّ الذي يأخذ النَّفْسَ . قوله : " ثُمَّ أنْتُمْ تُشْرِكُونَ " يريد أنهم يُقِرُّونَ أن الذي يدعونه عند الشدة هو الذي يُنَجِّيهم ، ثم يشركون معه الأصنامَ التي علموا أنها لا تضر ولا تنفع .