Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 68-68)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال تعالى في الآية الأولى { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } [ الأنعام : 66 ] فتبيَّنَ به أنه لا يجب على الرَّسُول ملازمة المكذِّبين بهذا الدِّين . وبيَّن في هذه الآية أن أولئك المكذِّبين إن ضَمُّوا إلى كُفْرِهِمْ وتكذيبهم الاسْتِهْزَاءَ بالدَّين والطَّعْن في الرسول ، فإنه يجب الإعراض عنهم ، وترك مُجَالَسَتِهِم . قوله : { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } فقيل : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره . وقيل : الخطاب لغيره ، أي : إذا رأيت أيها السَّامِعُ الذين يخوضون في آياتنا . نقل الواحديُّ أنَّ المشركين كانوا إذا جالَسُوا المؤمنين وَقَعُوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن فَشَتَمُوا واستعهزءوا فأمرهم ألاَّ يقعدوا معهم حتى يَخُوضُوا في حديث غيره . والخَوْضُ في اللغة عبارة عن المُفاوضةِ على وجه اللَّعبِ والعبثِ . قال تعالى حكاية عن الكفار : { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ } [ المدثر : 45 ] وإذا قال الرجل : تركت القوم يَخُوضُونَ أفاد أنهم شَرَعُوا في كَلِمَاتٍ لا ينبغي ذِكْرُهَا . قوله : " إذَا " منصوب بجوابها ، وهو " فأعْرِضْ " ؛ أي : فأعرض عنهم في هذا الوَقْتِ و " رأيت " هنا تحتمل أن تكون البصريَّة ، وهو الظاهر ، ولذلك تعدَّت لواحد . قال أبو حيَّان : " ولابُدَّ من تقدير حالٍ مَحْذُوفَةٍ ، أي : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ، وهو خائضون فيها ، أي : وإذا رأيتهم مُلْتَبِسينَ بالخَوْضِ فيها " . انتهى . قال شهاب الدِّين : ولا حَاجَةَ إلى ذلك ؛ لأن قوله : " يَخُوضُونَ " مُضارع ، والراجح حَاليَّتُهُ وأيضاً فإن " الذينَ يَخُوضُونَ " في قُوَّةِ الخائضين ، واسم الفاعل حَقيقَةٌ في الحال بلا خلاف ، فيحمل هذا على حقيقته ، فيُسْتَغْنَى عن حذف هذه الحال التي قدَّرها وهي حال مؤكدة . ويحتمل أن تكون علمية ، وضعَّفَهُ أبو حيان بأنه يَلْزَمُ منه حذف المفعول الثاني ، وحذفه إما اقْتِصَارٌ ، وإما اختِصَارٌ ، فإن كان الأوَّل : فممنوع اتفاقاً وإن كان الثاني : فالصحيح المَنْعُ حتى منع ذلك بعض النحويين . قوله : " غَيْرِهِ " " الهاء " فيها وجهان : أحدهما : أنها تعود على الآياتِ ، وعاد مفرداً مذكراً ؛ لأن الآيات في معنى الحديثِ والقرآن . وقيل : إنها تعود على الخَوْضِ ، أي : المدلول عليه بالفِعْلِ كقوله : [ الوافر ] @ 2196 - إذَا نُهِيَ السَّفِيهُ جَرَى إلَيْهِ وخَالَفَ والسَّفِيهُ إلى خلافِ @@ أي : جرى إلى السَّفَهِ ، دَلَّ عليه الصِّفَةُ كما دَلَّ الفعل على مصدره ؛ أي : حتى يخوضوا في حديث غير الخَوْضِ . وقوله : " وإمَّا يُنْسِيَنَّكَ " قراءة العامّة " يُنْسِيَنَّكَ " بتخفيف السِّين من " أنْسَاهُ " كقوله : { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ } [ الكهف : 63 ] { فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ } [ يوسف : 42 ] . وقرأ ابن عامر : بتشديدها من " نسَّاهُ " ، والتعدِّي جاء في هذا الفعل بالهمزة مرة ، وبالتضعيف أخرى ، كما تقدم في " أنْجَى " و " نَجَّى " و " أمْهَل " و " مَهَّلَ " . والمفعول الثاني محذوف في القراءتين ؛ تقديره : وإما يُنْسِيَنَّك الشَّيْطانُ الذِّكرَ أو الحقَّ . والأحسن أن يقدر ما يليق بالمعنى ، أي : وإما نيسينك الشيطان ما أمرت به من ترك مُجَالَسَةِ الخائضين بعد تذكيرك ، فلا تقعدْ بعد ذلك معهم ، وإنما أبرزهم ظاهرين تسجيلاً عليهم بصفة الظُّلْم ، وجاء الشرط الأول بـ " إذا " ؛ لأن خَوْضَهُمْ في الآيات مُحَقَّقٌ ، وفي الشرط الثاني بـ " إن " لأن إنْسَاءَ الشيطان له ليس أمراً مُحَقَّقاً ، بل قد يقع وقد لا يقع , وهو مَعْصُومٌ منه . ولم يجئ مصدر على " فِعْلَى " غير " ذِكْرَى " . وقال ابن عطيَّة : " وإمَّا " شرط , ويلزمها في الأغلب النون الثقيلة ، وقد لا تلزم كقوله : [ البسيط ] @ 2197 - إمَّا يُصِبْكَ عَدُوُّ في مُنَاوَأةٍ … @@ وهذا الذي ذكره من لُزُوم التوكيد هو مذهب الزَّجَّاجِ ، والنَّاسُ على خلافه ، وأنشدوا ما أنشده ابن عطية وأبياتاً أُخَرَ منها : [ الرجز ] @ 2198 - إمَّا تَرَيْنِي اليَوْمَ أمَّ حَمْزِ @@ وقد تقدَّم طرفٌ من هذه المسألة أوَّل البقرة ، إلا أن أحداً لم يَقُلْ : يلزم توكيده بالثقيلة دون الخفيفة ، وإن كان ظاهر كلام ابن عطية ذلك .