Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 69-69)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يجوز أن تقدر " ما " حجازية ، فيكون " مِنْ شيءٍ " اسمها ، و " من " مزيدة فيه لتأكيد الاستغراقِ ، و { عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ } خبرها عند من يُجيزُ إعمالها مقدمة الخبر مطلقاً ، أو يرى ذلك في الظَّرْفِ وعديلِهِ . و " مِنْ حِسَابِهِمْ " حالٌ من " شيء " لأنه لو تأخَّر لكان صِفَةً ، ويجوز أن تكون مُهْمَلةً إما على لُغَةِ " تميم " وإما على لغة " الحجاز " لِفَواتِ شرطٍ ، وهو تقديم خبرها وإن كان ظرفاً ، وتحقيق ذلك مما تقدَّم في قوله : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } [ الأنعام : 52 ] قوله : " ولَكِنْ ذِكْرَى " فيه أربعة أوجه : أحدها : أنها مَنْصُوبَةٌ على المَصْدَرِ بفعلٍ مُضْمَرٍ ، فَقَدَّرهُ بعضهم أمراً ؛ أي : ولكن ذكِّروهم ذِكْرَى ، وبعضهم قدَّرَهُ خبراً ؛ أي : ولكن يذكرونهم ذكرى . الثاني : أنه مبتدأ خَبَرُهُ محذوف ؛ أي : ولكن عليهم ذكرى ؛ أو عليكم ذكرى ؛ أي : تذكيرهم . الثالث : أنه خبر امبتدأ محذوف ؛ أي هو ذكرى ؛ أي : النهي عن مُجَالَسَتِهِمْ والامتناع منها ذكرى . الرابع : أنه عطفٌ على موضع " شيء " المجرور بـ " مِنْ " ؛ أي : ما على المُتَّقين من حسابهم شيء ، ولكن عليهم ذكرى ، فيكون من عَطْفِ المفردات ، وأما على الأوجه السَّابقة فمن عطف الجُمَلِ . وقد رَدَّ الزمخشري هذا الوَجْهَ الرابع ، ورَدَّهُ عليه أبو حيان . فأما رَدّ الزمخشري فقال : " ولا يجوز أن يكون عَطْفاً على مَحَلِّ من شيء ؛ كقولك : " ما في الدار من أحد ولكن زيد " ؛ لأن قوله : " مِنْ حِسَابِهِمْ " يأبَى ذلك " . قال أبو حيَّان : كأنه تَخَيَّلَ أن في العَطْفِ يلزم القَيْدُ الذي في المعطوف عليه ، وهو " مِنْ حِسَابِهِم " فهو قيد في " شيء " فلا يجوز عنده أن يكون من عَطْفِ المفردات عطفاً على " من شيء " على الموضع ؛ لأنه يصير التقدير عنده : ولكن ذكرى من حسابهم ، وليس المعنى على هذا ، وهذا الذي تَخَيَّلَهُ ليس بشيء ، ولا يلزم في العطف بـ " لكن " ما ذكر ؛ تقول : ما عندنا رَجُلُ سُوءٍ ولكن رَجُلُ صِدْقٍ ، وما عندما رَجُلٌ من تميم ولكن رَجُلٌ من قريش ، وما قام من رَجُلٍ عالم ولكن رَجُل جاهل ، فعلى هذا الذي قَرَّرْناهُ يجوز أن يكون من عطف الجمل كما تقدم ، وأن يكون من عَطْفِ المفرادات والعطف بالواو ، ولكن جيء بها للاستدراك . قال شهابُ الدِّين : قوله : " تقول : ما عندنا رجل سوء ولكن رجل صدق " إلى آخر الأمثلة التي ذكرها لا يَرُدُّ على الزمخشري ؛ لأن الزمخشري وغيره من أهْلِ اللِّسانِ والأصوليين يقولون : إنَّ العطف ظَاهِرٌ في التشريك ، فإن كان في المعطوف عليه قَيْدٌ فالظَّاهِرُ تقييد المعطوف بذلك القَيْد ؛ إلاَّ أن تجيء قرينَةٌ صارِفَةٌ ، فيُحَالٌ الأمر عليها . فإذا قلت : ضربت زيداً يوم الجمعة وعمراً ، فالظاهر اشتراك عمرو مع زيد في الضَّربِ مقيداً بيوم الجمعة ، فإن قلت : وعمراً يوم السبت لم يشاركه في قَيْدِهِ ، والآية الكريمة من قَبِيلِ النوع الأول ؛ أي : لم يؤت مع المعطوف بقرينه تُخْرِجُهُ ، فالظاهر مُشَاركَتُهُ للأول في قيده ، ولو شاركه في قيده لزم منه ما ذكر الزمخشري ، وأما الأمثلة التي أوْرَدَهَا فالمعطوف مُقَيَّدٌ بغير القيد الذي قيد به الأوَّل ، وإنما كان نبغي أن يُمَثِّلَ بقوله : " ما عندنا رجل سوء ولكن امرأة وما عندنا رجل من تميم ولكن صبي " ، فالظاهر من هذا أن المعنى : ولكن امرأة سوء ، ولكن صبي من قريش . وقول الزمخشري : " عَطْفاً على محل : من شيء " ولم يقل : عطفاً على لفظه لفائدة حَسَنَةٍ يَعْسُرُ مَعْرفَتُهَا ، وهو أن " لكن " حرف إيجاب ، فلو عطفت ما بعدها على المجرور بـ " مِنْ " لَفْظاً لزم زيادة " من " في الواجب ، وجمهور البصريين على عدم زيادتها فيه ، ويَدُلُّ على اعتبار الإيجاب في " لكن " أنهم إذا عَطَفُوا بعد خبر " ما " الحجازية أبْطَلُوا النَّصْبَ ؛ لأنها لا تعمل في المنتقض النفي ، و " بل " كـ " لكن " فيما ذكرنا . فصل في النزول روى عن ابن عبَّاسٍ أنه قال : لما نزلت هذه الآية { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } [ الأنعام : 68 ] قال المسلمون : لئن كُنَّا كلما استهزأ المشركون بالقرآن ، وخاضوا فيه قُمنا عَنْهُم لما قَدَرْنَا على أن نجلس في المسجد الحرامِ ، وأن نطوف بالبيت ، وهم يخوضون أبداً . وفي رواية : قال المسلمون : فإنا نَخَافُ الإثم حين نتركهم ، ولا ننهاهم ، فأنزل الله { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم } أي : من آثَامِ الخائفين من شيء " ولَكِنْ ذِكُرَى " أي : ذكِّروهم وعِظُوهم بالقرآن ، والذِّكْرُ والذِّكْرَى واحد ، يريد ذكروهم ذكرى لَعَلَّهم يتقون الخوض إذا وعَظْتُمُوهُمْ ، فرخص في مجالستهم على الوَعْظِ لعلَّهم يمنعهم ذلك من الخوض . وقيل : لعلَّهم يستحيون .