Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 70-70)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

" اتَّخّذُوا " فيها وجهان : أحدهما : أنها مُتَعَدِّيَةٌ لواحد ، على أنها بمعنى " اكتسبوا " و " عملوا " ، و " لهواً ولعباً " على هذا مفعول من أجله ؛ أي : اكتسبوه لأجل اللهو واللعب . والثاني : أنها المُتَعَدِّية إلى اثنين : أولهما " دينهم " وثانيهما " لعباً ولهواً " . قال أبو حيَّان : ويظهر من بعض كلام الزمخشري ، وكلام ابن عطية أنَّ " لعباً ولهواً " هو المفعول الأوَّل ، و " دينهم " هو المفعول الثاني . قال الزمخشري : أي دينهم الذي كان يجب أن يأخذوا به لَعِباً ولهواً ، وذلك أن عبادتهم وما كانوا عليه من تَبْحِير البَحَائِرِ وتسييب السَّوائبِ من باب اللَّهْوِ واللعب , واتِّباعِ هوى النفسن وما هو من جِنْسِ الهَزْلِ لا الجدِّ ، أو اتخذوا ما هولَعِبٌ ولهو من عبادة الأصنام دِيناً لهم ، أو اتخذوا دينهم الذي كُلِّفُوهُ ، وهو دين الإسلام لعباً ولهواً حيث سخروا به ؛ قال : " فظاهر تقديره الثاني يدلّ على ما ذكرنا " . وقال ابن عطيَّة : " وأضاف الذِّبنَ إليهم على مَعْنَى أنهم جعلوا اللَّعِبَ واللهو ديناً , ويختمل أن يكون المعنر : اتخذوا دِينَهُمُ الذي كان يَنْبَغِي لهم لعباً ولهواً , فتفسيره الأوَّلُ هو ما ذكرناه عنه " . انتهى . قال شهاب الدين : وهذا الذي ذَكَرَاهُ إنما ذَكَرَاهُ تفسير معنى لا تفسير إعراب ، وكيف يجعلان النكرة مَفْعُولاً أوَّل ، والمعرفة مفعولاً ثانياً من غير داعية إلى ذلك ، مع أنهما من أكابر أهْلِ هذا اللسان ، وانظر كيف أبرزا ما جَعَلاَهُ مفعولاً أول معرفة ، وما جعلاه ثانياً نكرة في تركيب كلامها [ يخرج ] على كلام العرب ، فكيف يظن بهما أن يجعلا النكرة محدثاً عنها ، والمعرفة حديثاً في كلام الله تعالى ؟ قوله تعالى : و { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } تحتمل وجهين : أحدهما : أنها مستأنفة . والثاني : أنها عطف على صلة " الَّذين " ، أي : الذين اتَّخّذُوا وغرَّتْهُم ، وقد تقدم معنى " الغُرُور " في آخر آل عمران . وقيل : هنا : غَرَّتْهُمْ من " الغَرّ " بفتح الغين ، أي : ملأت أفواههم وأشبعتهم ، وعليه قول الشاعر : [ الطويل ] @ 2199 - وَلَمَّا الْتَقَيْنَا بِالحُلَيْبَةِ غَرَّنِي بِمَعْرُوفِهِ حَتَّى خَرَجْتُ أفُوقُ @@ فصل في معنى الآية المُرَادُ من هولاء الذي اتخذوا دينهُمْ لعباً ولهواً ، يعني الكفار الذين إذا سَمِعُوا آيات الله استهزءوا بها وتلاعبوا . وقيل : إن الله - تعالى - جعل لكل قوم عِيداً واتَّخَذَ كل قوم دينهم ؛ أي عيدهم لعباً ولهواً ، وعيد المسلمين الصلاة والتكبير ، وفعل الخير مثل الجُمُعَةِ والفِطْرِ والنَّحْر . وقيل : إن الكُفَّارَ كانوا يحكمون في دين الله بمجرَّدِ [ التشهِّي والتمني مثل تحريم ] السَّوائبِ والبَحَائِرِ . وقيل : اتخاذهم الأصنام وغيرها ديناً لهم . وقيل : هم الذين ينصرون الدين ليتوسَّلُوا به إلى أخْذِ المناصِبِ والرِّيَاسَةِ ، وغلبة الخَصْمِ ، وجمع الأموال ، فهولاء الذين [ نصروا الدِّين ] لأجل الدنيا ، وقد حكم الله على الدنيا في سائر الآيات بأنها لَعِبٌ ولَهْوٌ . ويؤكِّدُ هذا الوَجْهَ قوله تعالى : { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } . قوله : " وذكِّر بِهِ " أي : بالقرآن ، يَدُلُّ له قوله : { فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } [ ق : 45 ] وقيل : يعود على " حِسَابِهِمْ " . وقيل : على " الدّين " أي : الذي يجب عليهم أن يَتَداينُوا ، ويعتقدوا بصحته . وقيل : هذا ضمير يفسره ما بعده ، وسيأتي إيضاحه . قوله : " أنْ تُبْسَلَ " في هذا وجهان : المشهور - بل الإجماع - على أنه مفعول من أجْلِهِ ، وتقديره : مَخَافَة أن تُبْسَلَ ، أو كراهة أن تُبْسَلَ أو ألاَّ تبسل . والثاني : قال أبو حيَّان بعد أن نقل الاتِّفاقَ على المفعول من أجله : " ويجوز عندي أن يكون في موضع جرِّ على البدلِ من الضمير ، والضمير مفسّر بالبَدَلِ ، ويضمر الإبْسَالُ لما في الإضمار من التَّفْخيمِ ، كما أضمروا ضمير الأمْرِ والشَّأنِ ، والتقدير : وذكِّرْ بارتهان النفوسن وحبسها بما كسبت ، كما قالوا : " اللهم صَلِّ عليه الرءوف الرحيم " ، وقد أجاز ذلك سيبويه ؛ قال : فإن قلت : ضربت وضربوني قومك ، نَصَبْتَ إلا في قول من قال : " أكلوني البراغيث " أو تحمله على البَدَل من المضمر . وقال أيضاً : فإن قلت : " ضربني وضربتهم قومك ، رفعت على التقديم والتأخير إلا أن تجعل هاهنا البدل , كما جعلته في الرفع " . انتهى . وقد روي قوله : [ الطويل ] @ 2200 - … … فاسْتَاكَتْ بِهِ عُودِ إسْحِلِ @@ بجر " عُود " على البدل من الضمير . قال شهاب الدين : أما تفسير الضمير غير المرفوع بالبدل ، فهو قول الأخفش ، وأنشد عليه هذا العَجُزَ وأوله : [ الطويل ] @ 2201 - إذَا هِيَ لَمْ تَسْتَك بِعُودِ أرَاكَةٍ تُنُخِّلَ فَاسْتاكَتْ بِهِ عُودِ إسْحِلِ @@ والبيت لطُفَيْلٍ الغَنَوِيّ ، يروى برفع " عُود " ، وهذا هو المشهور عند النُّحَاةِ ، ورفعه على إعمال الأول ، وهو " تُنُخِّلَ " ، وإهمال الثاني وهو " فَاسْتَاكَتْ " ، فأعطاه ضميره ، ولو أعمله لقال : " فاستاكت بعود إسحل " ، ولا يكن لانكسار البيت ، والرواية الأخرى التي استشهد بها ضعيفة جدّاً لا يعرفها أكثر المُعْرِبينَ ، ولو استشهد بما لا خلاف عليه فيه كقوله : [ الطويل ] @ 2202 - عَلَى حَالَةٍ لَوْ أنَّ فِي القَوْمِ حَاتِماً عَلَى جُودِهِ لَضَنَّ بالمَاءِ حَاتِمِ @@ بجر " حاتم " بدلاً من الهاء في " جوده " ، والقوافي مجرور لكان أوْلَى . والإبْسَالُ : الارتهان ، ويقال : أبْسَلْتُ ولدي وأهلي ، أي أرْتَهَنْتُهُمْ ؛ قال : [ الوافر ] @ 2203 - وإبْسِالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ بَعَوْنَاهُ ولا بِدّمٍ مُرَاقِ @@ بَعَوْنَا : جَنَيْنَا والبَعْوُ : الجِنَاية . وقيل : الإبْسَالُ أن يُسْلِمَ الرجل نفسه للهَلَكَةِ وقال الراغب : " البَسْلُ : ضَمُّ الشيء ومنعه ، ولتَضَمُّنِهِ معنى الضَّمِّ استعير لتَقَطُّبِ الوَجْهِ ، فقيل : هو باسل ومُبْتسلٌ الوجه ، ولتضمينه معنى المنع قيل للمُحَرَّم والمرتهن : بَسْلٌ " ، ثم قال : والفرقُ بين الحرام والبَسْل أنَّ الحرام عام فيما كان ممنوعاً منه بالقَهْرِ والحكم ، والبَسْلُ هو الممنوع بالقَهْرِ ، وقيل للشجاعة : بَسَالَة ؛ إما لما يوصف به الشجاع من عُبُوس وَجْهِهِ ، ولأنه شديد البُسُورَةِ يقال بسر الرجل إذا اشتد عبوسه ، وقال تعالى : { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } [ المدثر : 22 ] فإذا زاد قالوا بَسَلَ ، أو لكونه محرماً على أقرانه ، أو لأنه يَمْنع ما في حَوْزتِهِ ، وما تحت يده من أعدائه والبُسْلَةُ ، أجْرَةُ الرَّاقِي مأخوذة من قول الرَّاقي : أبْسَلْتُ زيداً ؛ أي : جَعَلْتُهُ مُحَرَّماً على الشيطان ، أو جعلته شجاعاً قويَّا على مُدافعتِهِ ، و " بَسَل " في معنى " أجَلْ " و " بَسْ " . أي : فيكون حَرْفَ جواب كـ " أجل " ، واسم فعل بمعنى اكتف كـ " بس " . وقوله " بما " متعلّق بـ " تُبْسَلَ " ، أي بسبب ، و " ما " مصدرية ، أو بمعنى " الذي " ، أو نكرة وأمرها واضح . فصل في معنى التبسل قال مجاهد وعكرمة والسدي : قال ابن عبَّاس : " تُبْسَل " : تَهْلِكُ ، وروي عن ابن عباس تُرتهنُ في جَهنَّم بما كسبت في الدنيا ، وهو قول الفراء . وقال قتادة : تُحْبَسُ في جهنم . وقال الضحاك : تُحْرَقُ . وقال الأخفش : تُجَازَى . وروي عن ابن عباس : تُفضحُ وقال ابن زيد : تُؤخَذُ . قوله : " لَيْسَ لَهَا " هذه الجملة فيها ثلاثة أوجه : أحدها : أنها مُسْتأنَفَةٌ سِيقَتْ للإخبار بذلك . والثاني : أنها في مَحَلِّ رفع صفة لـ " نفس " . والثالث : أنها في مَحَلِّ نَصْب حالاً من الضمير في " كسبت " . قوله : " مِنْ دُون " في " مِنْ " وجهان : أظهرهما : أنها لابْتِدَاءِ الغاية . والثاني : أنها زَائِدَةٌ نقله ابن عطية ، وليس بشيء , وإذا كانت لابتداء الغايةِ ، ففيما يتعلَّق به وجهان : أحدهما : أنها حالٌ من " وليّ " ؛ لأنها لو تأخَّرَتْ لكانت صِفَةً له فتتعلَّقُ بمحذوف هو حال . الثاني : أنها خبر " ليس " فتتعلَّق بمحذوف أيضاً وهو خبر لـ " ليس " ، وعلى هذا فيكون " لها " متعلقاً بمحذوف على البيان ، كما تقدم نظيره ، و " من دون الله " فيه حذف مُضَاف أي : من دون عذابه وجزائه وَليّ ولا شفيع يشفع لها في الآخرة . قوله : " وإن تَعْدِل " أي : تَفْتَدِي " كُلَّ عَدْلٍ " : كُلّ فداء ، و " كل " منصوب على المصدرية ؛ لأن " كل " بحسب ما تضاف إليه هذا هو المشهور ، ويجوز نَصْبُهُ على المفعول به ؛ أي : وإن تَفدِ يَداهَا كُلَّ ما تَفْدِي به لايُؤخَذُ ، فالضمير في " لا يؤخَذُ " على الأوَّل ، قال أبو حيَّان : " عائد على المَعْدُولِ به المفهوم من سياق الكلام ، ولا يعود إلى المصدر ؛ لأنه لا يُسْنَدُ إليه الأخْذُ ، وأما في { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } [ البقرة : 48 ] فبمعنى المَفْدِيَّ به فيصح " انتهى . أي : إنه إنما أسند الأخْذَ إلى العَدْلِ صريحاً في " البقرة " ؛ لأنه ليس المراد المصدر ، بل الشيء المَفْدِيَّ به ، وعلى الثَّاني يعود على " كل عدل " ؛ لأنه ليس مصدراً فهو كآية البقرة . وقال ابن الخطيب : ويكن حَمْلُ الأخذ هنا بمعنى القَبُولِ ؛ قال تعالى { وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ } [ التوبة : 104 ] أي : يقبلها وإذا [ ثبت هذا فيُحْمَلُ ] الأخذ هاهنا على القبول ويزول المحذور ، وفي إسناد الأخْذِ إلى المصدر عبارة عن الفعل يعني يؤخذ مسنداً " إلى " منها لا إلى ضميره أي : لأن العدل بالمعنى المصدري لا يؤخذ ، بخلاف قوله : { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْل } [ البقرة : 48 ] فإنه المَفْدِيُّ به . قوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ } يجوز أن يكون " الَّذينَ " خبراً ، و " لهم شراب " خبراً ثانياً ، وأن يكون " لهم شراب " حالاً ؛ إما من الضمير في " أبْسِلوا " وإمَّا من الموصول نفسه ، و " شراب " فاعلٌ لاعتماد الجار قبله على ذِي الحالِ ، ويجوز أن يكون " لهم شراب " مُسْتَأنفاً ، فهذه ثلاثة أوجه ، ويجوز أن يكون " الذين " بدلاً من " أولئك " أو نعتاً فيتعين أن يكون الجملة من " لهم شراب " خبراً للمبتدأ ، فيحصل في الموصُولِ أيضاً ثلاثة أوجه ؛ كونه خبراً ، أو بدلاً ، أو نعتاً فجاءت مع ما قبلها ستة أوجه ستة أوجه في هذه الآية ، و " شراب " يجوز رَفْعُهُ من وجهين ؛ الابتدائية والفاعلية عند الأخفش ، وعند سيبويه أيضاً على أن يكون " لهم " هو خبر المبتدأ أو حالاً ، حيث جعلناه حالاً ، و " شراب " مُرتفعٌ به لاعتماده على ما تقدَّم ، و " من حميم " صفة لـ " شراب " فهو في مَحَلِّ رفع ، ويتعلق بمحذوف . و " شراب " فعال بمعنى مفعول كـ " طعام " بمعنى " مطعوم " ، و " شراب " بمعنى " مشروب " لا يَنْقَاسُ ولا يقال : " أكال " بمعنى " مأكول " ولا " ضراب " بمعنى " مضروب " . والإشارة بذلك إلى الَّذين اتخذوا في قول الزمخشري والحوفي ، فلذلك أتى بصيغة الجمع ، وفي قول ابن عطية وأبي البقاء إلى الجنْسِ المفهوم من قوله { أن تُبْسَلَ نَفْسٌ } إذ المرادُ به عُمومُ الأنْفُسِ ، فلذلك أشير إليه بالجمع ، ومعنى الآية : أولئك الذين أبسلوا أسلمُوا للهلاكِ بما كسبوا " لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون " .