Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 71-72)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المقصود من هذه الآية الرَّدُّ على عبدةِ الأصنام ، وهي مؤكدة لقوله تعالى قبل ذلك : { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ الأنعام : 56 ] . فقوله : { أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي : أنعبد من دون الله النَّافِعِ الضَّارِّ ما لا يَقْدرُ على نَفْعِنَا إن عبدناهُ ، ولا على ضرنا إن تركناه . قوله : " أنّدْعُوا " استفهام توبيخ وإنكار , والجملة في مَحَلِّ نصب بالقول ، و " ما " مفعولة بـ " ندعوا " ، وهي موصولة أو نكرة موصوفة ، و { مِن دُونِ ٱللَّهِ } متعلِّقٌ بـ " ندعوا " . قال أبو البقاء : " ولا يجوز أن يكون حالاً من الضمير في " يَنْفَعُنَا " ولا معمولاً لـ " يَنْفَعُنَا " لتقدُّمهِ على " ما " ، والصلة والصفة لا تَعْملُ فيما قبل الموصول والموصوف . قوله : " من الضمير في يَنْفعنَا " يعني به المرفوع العائد على " ما " وقوله : " لا تعمل فيما قبل الموصول والموصوف " يعني : أن " ما " لا تخرج عن هذين القسمين ولكن يجوز أن يكون " من دون " حالاً من " ما " نفسها على قوله ؛ إذ لم يجعل المانع من جعله حالاً من ضميره الذي في " يَنْفَعُنَا " إلاَّ صِناعِياً لا معنوياً ، ولا فرق بين الظاهر وضميره بمعنى أنه إذا جازَ أن يكون حالاً من ظاهره ، جاز أن يكون حالاً من ضميره ، إلا أن يمنع مَانِعٌ . قوله : " ونُرَدُّ " فيه وجهان : أظهرهما : أنه نَسَقٌ على " نَدْعُوا " فهو داخل في حيِّز الاستفهام المُتَسَلِّطِ عليه القَوْلُ . الثاني : أنه حالٌ على إضمار مبتدأ ؛ أي : ونحن نُرَدُّ . قال أبو حيَّان بعد نقله هنا عن أبي البقاء : " وهو ضعيف لإضمار المبتدأ ، ولأنها تكون حالاً مؤكّدة " ، وفي كونها مؤكدة نظرٌ ؛ لأن المؤكدة ما فهم معناها من الأوَّلِ ، وكأنه يقول : من لازم الدعاء " من دون الله " الارتداد على العقب . قوله : " عَلى أعْقَابِنَا " فيه وجهان : أحدهما : أنه معلّق بـ " نُرَدُّ " . والثاني : أنه متعلِّق بمحذوف على أنه حال من مرفوع " نرد " أي : نرد راجعين على أعْقابنا ، أو منقلبين ، أو متأخرين كذا قدَّرُوهُ ، وهو تفسير معنى ؛ إذا المُقَدَّرُ في مثله كونٌ مُطلقٌ ، وهذا يحتمل أن يقال فيه : إنه حال مؤكدة ، و " بعد إذ " مُتعلِّقٌ بـ " نُرَدُّ " . [ ومعنى الآية : ونرد على أعقابنا إلى الشِّرْكِ مرتدين بعد إذ هدانا الله إلى الإسلام . يقال لكل من أعْرَضَ عن الحق إلى الباطل : إنه رجع إلى خَلْفٍ ، ورجع على عَقِبَيْهِ ، ورجع القَهْقَرى ؛ لأن الأصل في الإنسان الجَهْلُ ثم يترقى ويتعلم حتى يتكاملن ويحصل له العلم . قال تعالى : { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ } [ النحل : 78 ] فإذا رجع من العِلْمِ إلى الجَهْلِ مرة أخرى ، فكأنه رجع إلى أوَّل أمره ، فلهذا السبب يقال : فلان رُدَّ على عقبيه ] . قوله { كالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ } في هذه الكاف وجهان : أحدهما : أنه نَعْتُ مصدرٍ محذوف ؛ أي : نُرَدُّ رَدَّاً مثل ردِّ الذين . الثاني : في مَحَلّ نصب على الحال من مرفوع " نرد " ، أي : نرد مُشْبهينَ الذي استهوته الشياطين ، فمن جوَّز تعدُّدَ الحالِ جعلها حالاً ثانية ، إن جعل " على أعقابنا " حالاً ، ومن لم يُجَوِّزْ ذلك جعل هذه الحال بدلاً من الحال الأولى ، أو لم يجعل على أعقابنا حالاً ، بل معلّقاً بـ " نرد " . الجمهور على " اسْتهْوتْهُ " بتاء التأنيث ، وحمزة " اسْتَهْوَاهُ " وهو على قاعدته من الإمالة ، والوجهان معروفان مما تقدم في { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } [ الأنعام : 61 ] وقرأ أبو عبد الرحمن والأعمش : " اسْتَهْوَتْهُ الشَّيْطانُ " بتأنيث الفعل ، والشيطان مفرداً . قال الكسائي : " وهي كذلك في مصحف ابن مسعود " ، وتوجيه هذه القراءة أنَّا نُؤوِّل المذكربمؤنث كقولهم : " أتته كتابي فاحتقرها " ؛ أي : صحيفتي ، وتقدَّم له نظائر . وقرأ الحسن البصري : " الشَّيَاطُون " وجعلوها لَحْناً ، ولا تَصِلُ إلى اللَّحْنِ ، إلا أنها لُغَيّةٌ رديئة ، سُمِع : حول بستان فلان بساتون وله سلاطون ، ويُحْكَى أنه لما حكيت قراءة الحسن لَحَّنَهُ بعضهم ، فقال الفراء : " أي والله يُلحِّنُون الشيخ ، ويستشهدون بقول رؤبة " . ولعمري لقد صدق الفراء في إنكار ذلك . والمراد بـ " الَّذي " الجِنْسُ ، ويحتمل أن يراد به الواحد الفَذُّ . قوله : " في الأرْضِ " فيه أربعة أوجه : أحدها : أنه مُتعلِّق بقوله : " اسْتَهْوتْهُ " . الثاني : أنه حالٌ من مفعول " اسْتَهْوَتْهُ " . الثالث : أنه حالٌ من " حيران " . الرابع : أنه حالٌ من الضمير المُسْتَكِنّ في " حيران " ، و " حيران " حال إما من " هاء " " استهوته " على أنها بدلٌ من الأولى ، وعند من يجيز تعدُّدَهَا ، وإما من " الَّذِي " ، وإما من الضمير المستكن في الظرف ، و " حيران " مؤنثة " حيرى " ، فلذلك لم يَنْصَرِفُ ، والفعل حَارَ يَحَارُ حَيْرةً وحَيَراناً وحَيْرورةً ، و " الحيران " المُتَرَدِّدُ في الأمر لا يهتدي إلى مَخْرَجٍ . وفي اشتقاق " اسْتَهْوَتْهُ " قولان : الأول : أنه مشتق من الهُوِيِّ في الأرض ، وهو النزول من الموضع العالي إلى الوهدة [ السافلة ] العميقة [ في قعر الأرض ] فشبه الله تعالى حال هذا الضَّالِّ به ، كقوله : { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } [ الحج : 31 ] ولا شك أن الإنسان حال هُويِّهِ من المكان العالي إلى الوهْدةِ العميقة يكون في غايةِ الاضْطرابِ والدهشة والحيرةِ . والثاني : أنه مُشْتَقٌ من اتِّباعِ الهَوَى والميل ، فإنه من كان كذلك ، فإنه ربما بلغ النهاية في الحَيْرَةِ . واعلم أن هذا المثل في غاية الحُسْنِ ؛ لأن الذي يَهْوِي من المكان العالي إلى الوَهْدَةِ العميقة ، يحصل له كمال التَّرَدُّدِ والدهشة والحيرة ؛ لأنه لا يعرف أي موضع يزداد بلاَؤهُ بسبب سقوطه عليه أو يَقِلُّ . قوله " لَهُ أصْحَابٌ " جملة في مَحَلّ نصب صفة لـ " حيران " ، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في " حيران " ، وأن تكون مستأنفة ، و " إلى الهدى " متعلقة بـ " يدعونه " ، وفي مصحف ابن مسعود وقراءته : " أتينا " بصيغة الماضي , و " إلى الهدى " على هذه القراءة متعلّق به ، وعلى قراءة الجمهور ، فالجملة الأمرية في محل نصب بقول مضمر أي يقولون : ائتنا والقول المضمر في محل صفة لأصحاب وكذلك " يدعونه " . قالوا : نزلت هذه الآية في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنه كان يدعو أبَاهُ إلى الكُفْرِ ، وأبوه يدعوه إلى الإيمان . وقيل : المراد أن لذلك الكافر الضَّالِّ أصحاباً يدعونه إلى ذلك الضَّلالِ ، ويسمونه بأنه هو الهدى ، والصحيح الأوَّل . ثم قال تعالى : { إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ } يَزْجُرُ بذلك عن عبادة الأصنام ، كأنه يقول : لا تفعل ذلك , فإن الهُدَى هُدَى الله لا هادي غيره . قوله : " وأمِرْنَا لِنُسْلِمَ " في هذه " اللام " أقوال : أحدها : وهو مذهب سيبويه أن هذه اللام بعد الإرادة والأمر وشبههما مُتعلِّقةٌ بمحذوف على أنها خبر للمبتدأ , وذلك المبتدأ هو مصدرٌ من ذلك الفعل المتقدم , فإذا قلت : أردت لتقوم وأمرت زيداً ليذهب , كان التقدير : الإرادة للقيام ، والأمر للذَّهاب ، كذا نقل أبو حيَّان ذلك عن سيبويه وأصحابه ، وفيه ضَعْفٌ تقدَّم في سورة النساء عند قوله : { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } [ النساء : 26 ] . الثاني : أن مفعول الأمر والإرادة محذوف ، وتقديره : وأمرنا بالإخلاص لنسلم . الثالث : قال الزمخشري : هي تَعْلِيلٌ للأمر بمعنى أمرنا وقيل لنا أسلموا لأجل أن نسلم . الرابع : أن " اللام " زائدة ؛ أي : أمرنا أن نسلم . الخامس : أنها بمعنى " الباء " أي بأن نسلم . السادس : أن " اللام " وما بعدها مفعول الأمر واقعة موقع " أن " أي : أنهما مُتعاقِبَانِ ، فتقول : أمرتك لتقوم ، وأن تقوم ، وهذا مذهب الكوفيين . وقال ابن عطية : ومذهب سبيويه أن " لِنُسْلِمَ " في موضع المفعول ، وأن قولك : أمرت لأقوم وأن أقوم بيجريان سواءً وقال الشاعر : [ الطويل ] @ 2204 - أُرِيدُ لأنْسَى حُبَّهَا فَكَأنَّمَا تَمثَّلُ لِي لَيْلَى بِكُلِّ طَرِيقِ @@ وهذا ليس مذهب سيبويه ، إنما مذهبه ما تقدَّم تحقيقه في " سورة النساء " . قوله " وأنْ أقِيمُوا " فيه أقوال : أحدها : أنها في مَحَلِّ نصب بالقول نَسَقاً على قوله : { إنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الهُدَى } أي : قل هذين الشيئين . والثاني : أنه نَسَقٌ على " لنسلم " أي : وأمرنا بكذا للإسلام ، ولنقيم الصلاة ، و " أن " تُوصل بالأمر كقولهم : كتب إليه بأن قم ، حكاه سيبويه وهذا رَأيُ الزَّجَّاج . والثالث : أنه نَسَقٌ على " ائْتِنَا " قال مكي : لأن معناه : " أن ائتنا " ، وهو غير ظاهر . والرابع : أنه مَعْطُوفٌ على مفعول الأمر المقدر ، والتقدير : وأمرنا بالإيمان ، وبإقامة الصلاة قاله ابن عطية . قال أبو حيَّان : وهذا لا بأس به ، إذ لا بُدَّ من تقدير المفعول الثاني لـ " أمرنا " ويجوز حذف المعطوف عليه لِفَهْمِ المعنى ؛ تقول : أضَرَبْتَ زيداً ؟ فتجيب نعم وعمراً ؛ التقدير : ضربته وعمراً . وقد أجاز الفراء : " جاءني الذي وزيد قائمان " ، التقدير : الذي هو وزيد قائمان ، فحذف " هو " لدلالة المعنى عليه ، وهذا الذي قاله أنه لا بأس به ليس من أصول البصريين . و " أما نعم وعمراً " فلا دلالة فيه ؛ لأن " نعم " قامت مقام الجملة المحذوفة . وقال مكي قريباً من هذا القول ، إلاَّ أنه لم يُصَرِّحْ بحذف المعطوف عليه ، فإنه قال : و " أن " في موضع نَصْب بحذف الجارِّ ، تقديره : وبأنْ أقيموا ، فقوله : وبأن أقيموا هو معنى قول ابن عطية ، إلاَّ أن ذلك [ أوضحه ] بحذف المعطوف عليه . وقال الزمخشري : فإن قلت : علام عطف قوله : " وأن أقيموا " ؟ قلت : على موضع " لنسلم " كأنه قيل : وأمرنا أن نسلم ، وأن أقيموا . قال أبو حيَّان : وظاهر هذا التقدير أن " لنسلم " في موضع المفعُولِ الثاني لـ " أمرنا " وعطف عليه : " وأن أقيموا " فتكون اللام على هذا زَائِدَةً ، وكان قد تقدَّم قبل هذا أن " اللام " تعليل للأمر ، فتناقض كلامه ؛ لأن ما يكون عِلَّةً يستحيل أن يكون مفعولاً ، ويدلُّ على أنه أراد بقوله : " أن نسلم " في موضع المفعول الثاني قوله بعد ذلك : ويجوز أن يكون التقدير : وأمرنا لأن نسلم ، ولأن أقيموا ، أي للإسلام ولإقامة الصلاة ، وهذا قول الزَّجَّاجِ ، فلو لم يكن هذا القول مغايراً لقوله الأوَّل لاتَّحَدَ قَوْلاَهُ ، وذلك خُلْفٌ . قال الزَّجَّاج : " أن أقيموا " عطف على قوله : " لنسلم " ، تقديره : وأمرنا لأن نسلم ، وأن أقيموا . قال ابن عطية : واللَّفْظُ يُمانِعُهُ ، لأن " نسلم " معرب ، و " أقيموا " مبني ، وعطف المبني على المعرب لا يجوز ، لأن العطف يقتضي التَّشْرِيكَ في العامل . قال أبو حيان : وما ذكر من أنه لا يعطف المبني على المعرب ليس كما ذكر ، بل يجوز ذلك نحو : " قام زيد وهذا " ، وقال تعالى : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ } [ هود : 98 ] غَايَةُ ما في الباب أن العامل يُؤثِّرُ في المعرب ، ولا يُؤثِّرُ في المبني ، وتقول : " إن قام زيد ويقصدني أكرمه " ، فـ " إن " لم تُؤثِّرْ في " قام " ؛ لأنه مبني ، وأثرت في " يقصدني " ؛ لأنه معرب ثم قال ابن عطية : " اللهم إلا أن تجعل العطف في " إن " وحدها ، وذلك قلق ، وإنما يَتَخَرَّجُ على أن يقدر قوله : " وأن أقيموا " بمعنى " ولنقم " ، ثم خرجت بلفظ الأمر لما في ذلك من جزالةِ اللفظ ، فجاز العطفُ على أن يلغى حكم اللفظ ، ويعول على المعنى ، ويشبه هذا من جهة ما حكاهُ يونس عن العرب : ادخلوا الأوَّل فالأوَّل ، وإلا فلا يجوز إلاَّ الأول فالأوَّل بالنصب " . قال أبو حيَّان : وهذا الذي استدركه بقوله : " اللهم إلا " إلى آخره هو الذي أراده الزَّجَّاج بعينه ، وهو " أن أقيموا " معطوف على " أن نسلم " ، وأن كليهما عِلَّةٌ للمأمور به المحذوف ، وإنما قلق عند ابن عطية ؛ لأنه أراد بقاء " أن أقيموا " على معناها من موضوع الأمر ، وليس كذلك ؛ لأن " أنْ " إذا دخلت على فعل الأمر ، وكانت المصْدَرِيَّةَ انْسَبَكَ منها ومن الأمر مصدر ، وإذا انْسَبَكَ منهما مصدر زال معنى الأمر ، وقد أجاز النحويون سيبويه وغيره أن تُوصَلَ " أن " المصدرية الناصبة للمضارع بالماضي والأمر . قال سيبويه : وتقول : كتبت إليه بأن قم ، أي بالقيام ، فإذا كان الحكم كذا كان قوله : " لنسلم " و " أن أقيموا " في تقدير الإسلام ولإقامة الصلاة ، وأما تشبيه ابن عطيَّة له بقوله : ادخلوا الأوَّل فالأول : بالرفع ، فليس بتشبيه ؛ لأن ادخلوا لايمكن لو أزيل عنه الضمير أن يتسلَّطَ على ما بعده ، بخلاف " أنْ " فإنها تُوصَلُ بالأمرِ ، فإذن لا شبه بينهما انتهى . أما قول أبي حيَّان : " وإنما قلق عند ابن عطية ؛ لأنه أراد بقاء " أنْ أقيموا " على معناها من موضوع الأمر " ، فليس القلقُ عنده لذلك فقط كما حصره الشيخ ، بل لأمر آخر من جهة اللفظ ، وهو أن السِّيَاقَ التَّرْكِيبِيَّ يقتضي لعى ما قاله الزجاج أن يكون " لنسلم وأن نقيم " ، فتأتي في الفعل الثاني بضمير المتكلم ، فلما لم يقل ذلك قلق عنده ، ويدلُّ على [ ما ذكرته ] قول ابن عطية : " بمعنى : ولنقم ثم خرجت بلفظ الأمر " إلى آخره . والخامس : أنه مَحْمُولٌ على المعنى ؛ إذا المعنى قيل لنا : أسْلِمُوا وأن أقيموا . وقال الزجاج : فإن قيل : كيف حَسُنَ عطف قوله : { وَأَنْ أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ وَٱتَّقُوهُ } على قوله { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ؟ فالجواب من وجهين : الأول : أن يكون التقدير : وأمرنا لنسلم لرب العالمين ، ولأن نقيم الصلاة . الثاني : أن يكون التقدير : وأمرنا فقيل لنا أسلموا لربِّ العالمين ، وأقيموا الصَّلاة . فإن قيل : هَبْ أن المُرَادَ ما ذكرتم ، لكن ما الحِكْمَةُ في العُدُولِ عن هذا اللَّفْظِ الظَّاهِرِ ، والتركيب الموافق للعقل إلى ذلك اللفظ الذي لا يهتدي العقل إلى معناه ، إلاَّ بالتأويل ؟ ! . فالجواب : لأن الكافر ما دام [ يبقى ] على كُفْرِهِ كان كالغَائبِ الأجنبي ، فلا جرم خُوطِبَ بخطاب الغائبين ، فيقال له : { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } فإذا أسلم [ وآمن ] ودخل في الإيمان صار كالقريب الحاضرن فلا جرمَ خُوطِبَ بخطاب الحاضرين ، ويقال له { وَأَنْ أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ وَٱتَّقُوهُ } فالمقصود من ذِكْرِ هذين النوعين من الخطاب للتنبيه على الفَرْقِ بين حالتي الكُفْرِ والإيمان ، وتقريره أن الكافر بعيد غائب ، والمؤمن قريب حاضر . فصل في أنه لا هدى إلا هدى الله اعلم أن الله - تعالى - لما بيَّن أوَّلاً أن الهُدَى النافع هو هدى الله , أرْدَفَ ذلك الكلام الكُلِّيَّ بِذكْرِ أشرف أقْسَامِهِ على الترتيب , وهو الإسلام ، وهو رئيس الطاعات الروحانية ، والصلاة التي هي رَئِيسَةُ الطاعات الجِسْمَانِيَّةِ ، والتقوى التي هي رئيسة باب التروك والاحتراز عن كل ما لا ينبغي ، ثم بيَّن منافع هذه الأعمال , فقال : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } يعني أن منافع هذه الأعمال إنما تظهر في يوم الحشر .