Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 2-3)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } . قرأ العامة : " أجَلَهُنَّ " ؛ لأن الأجل من حيثُ هو واحد ، وإن اختلفت أنواعه بالنسبة إلى المعتدات . والضحاك وابن سيرين : " آجَالهُنّ " جمع تكسير . اعتباراً بأن أجل هذه غير أجل تلك . فصل في معنى الآية معنى قوله : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي : قاربن انقضاء العدة ، كقوله تعالى : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ } [ البقرة : 131 ] أي : قربن من انقضاء الأجل { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } يعني المراجعة بالمعروف أي : بالرغبة من غير قصد المضارة في المراجعة تطويلاً لعدتها كما تقدم في البقرة { أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أي : اتركوهن حتَّى تنقضي عدّتهن ، فيملكن أنفسهن . وفي قوله : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } ما يوجب أن يكون القول قول المرأة في انقضاء عدتها إذا ادعت ذلك على ما تقدم في " البقرة " عند قوله تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ } [ البقرة : 228 ] الآية . فصل قال بعض العلماء في قوله تعالى : { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } [ البقرة : 231 ] وقوله : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة : 229 ] أن الزوج له حق في بدنه وذمته ، فكل من له دَيْن في ذمة غيره سواء كان مالاً ، أو منفعة من ثمنٍ ، أو مثمن ، أو أجرة ، أو منفعة ، أو صداق ، أو نفقة ، أو بدل متلف ، أو ضمان مغصوب ، فعليه أن يؤدي ذلك الحق الواجب بإحسان ، وعلى صاحب الحق أن يتبع بإحسان كما قال تعالى في آية القصاص : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة : 178 ] . وكذلك الحق الثابت في بدنه مثل حق الاستمتاع والإجارة على عينه ونحو ذلك ، فالطالب يطلب بمعروف والمطلوب يؤدى بإحسان . قوله : { وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ } . أمر بالإشهاد على الطلاق ، وقيل على الرجعة . قال القرطبي : " والظاهر رجوعه إلى الرجعة لا إلى الطلاق ، فإن راجع من غير إشهاد ففي صحة الرجعة قولان . وقيل : المعنى وأشهدوا عند الرجعة والفرقه جميعاً وهذا الإشهاد مندُوب إليه عند أبي حنيفة ، كقوله تعالى : { وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } [ البقرة : 282 ] ، وعند الشَّافعي واجبٌ في الرَّجعة مندوب إليه في الفرقة ، وفائدة الإشهاد ألا يقع بينهما التجاحد ، وألاَّ يتهم في إمساكها ، ولئلا يموت أحدهما فيدعي الباقي بثبوت الزوجية فيرث " . فصل في الإشهاد على الرجعية الإشهاد على الرجعية ندب عند الجمهور ، وإذا جامع أو قبل أو باشر يريد بذلك الرَّجعة ، فليس بمراجع . وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا قبل أو باشر أو لمس بشهوة ، فهو رجعة وكذلك النظر إلى الفَرْج رجعة . وقال الشافعي وأبو ثور : إذا تكلم بالرجعة ، فهي رجعة . وقيل : وطؤه مراجعة على كُلِّ حال ، نواها أو لم ينوها ، وهو مذهب أحمد وإليه ذهب الليث وبعض المالكية . قال القرطبي رضي الله عنه : وكان مالك يقول : إذا وطىء ولم ينو الرجعة ، فهو وَطْء فاسد ، ولا يعود إلى وطئها حتى يستبرئها من مائهِ الفاسد ، وله الرجعة في بقية العدة الأولى ، وليست له رجعة في هذا الاستبراء . فصل فيمن أوجب الإشهاد في الرجعة أوجب الإشهاد في الرجعة الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه ، والشافعي كذلك لظاهر الأمر . وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في القول الآخر : إنَّ الرجعة لا تفتقر إلى القبول فلم تفتقر إلى الإشهاد كسائر الحقوق ، وخصوصاً حل الظهار بالكفارة . فصل إذا ادّعى بعد انقضاء العدة أنه راجع امرأته في العدة ، فإن صدقته جاز ، وإن أنكرت حلفت ، فإن أقام بينةً أنه ارتجعها في العدة ، ولم تعلم بذلك لم يضرّه جهلها ، وكانت زوجته وإن كانت قد تزوجت ولم يدخل بها ، ثم أقام الأول البيّنة على رجعتها ، فعن مالك - رحمه الله - في ذلك روايتان : إحداهما : أن الأول أحق بها . والأخرى : أن الثاني أحق بها ، فإن كان الثاني قد دخل بها فلا سبيل للأول إليها . قوله : { ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ } . قال الحسنُ : من المسلمين . وعن قتادة : من أحراركم ، وذلك يوجب اختصاص الشهادة على الرجعة بالذكور دون الإناث ؛ لأن " ذَوَيْ " للمذكر . قال القرطبي : " ولذلك قال علماؤنا : ولا مدخل للنساء فيما عدا الأموال " . قوله : { وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ } كما تقدم في " البقرة " . أي : تقرباً إلى الله في إقامة الشهادة على وجهها إذا مست الحاجة إليها من غير تبديل ولا تغيير . قوله : { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ } أي : يرضى به { مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } فأما غير المؤمن فلا ينتفع بهذه المواعظ . قوله : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } . قال الزمخشري : " قوله : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من أمر الطلاق على السُّنَّة " كما مر . روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عمن طلق زوجته ثلاثاً أو ألفاً هل له من مخرج ؟ [ فتلاها ] . وقال ابن عباس والشعبي والضحاك : هذا في الطلاق خاصة ، أي : من طلق كما أمره الله يكن له مخرج في الرجعة في العدة ، وأن يكون كأحد الخطاب بعد العدة . وعن ابن عبَّاس أيضاً : يجعل له محرجاً ينجِّيه من كل كربٍ في الرجعة في الدنيا والآخرة . وقيل : المخرج هو أن يقنعه الله بما رزقه . قاله علي بن صالح . وقال الكلبي : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } بالصَّبر عند المصيبة { يجعل له مخرجاً } من النار إلى الجنة . وقال الحسن : مخرجاً مما نهى الله عنه . وقال أبو العالية : مخرجاً من كل شدة . وقال الربيع بن خيثم : مخرجاً من كل شيء ضاق على الناس . وقال الحسين بن الفضل : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } في أداء الفرائض { يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } من العقوبة { وَيَرْزُقْهُ } الثواب { مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } أن يبارك له فيما آتاه . وقال سهل بن عبد الله : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } في اتباع السُّنَّة { يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } من عقوبة أهل البدع { مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } . وقال أبو سعيد الخدري : ومن تبرأ من حوله وقوَّتهِ بالرجوع إلى اللَّه { يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } مما كلفه الله بالمعونة . وقال ابن مسعود ومسروق : الآية على العموم . وقال أبو ذر : " قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنِّي لأعلمُ آيَةً لوْ أخَذَ النَّاسُ بِهَا لَكَفَتهُمْ " وتلا : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } [ فما زال يكررها ويعيدها " . وقال ابن عباس : " قرأ النبي صلى الله عليه وسلم { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويزرقه من حيث لا يحتسب } ] قال : " مخرجاً من شُبهات الدنيا ، ومن غمرات الموتِ ، ومن شدائد يوم القيامة " " . وقال أكثر المفسرين : " نزلت في عوف بن مالك الأشجعي ، أسر المشركون ابناً له يسمى سالماً ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكي إليه الفاقة ، وقال : إن العدوّ أسر ابني وجزعت الأم ، فما تأمرني ؟ قال - عليه الصلاة والسلام - : " اتِّق اللَّهَ واصْبِرْ ، وآمُرُكَ وإيَّاهَا أن تَسْتَكْثِرَا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " ، فعاد إلى بيته ، وقال لامرأته : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني وإياك أن نستكثر من قول " لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " فقالت : نِعْمَ ما أمرنا به ، فجعلا يقولان ، فغفل العدو عن ابنه فساق غنمهم ، وجاء بها إلى أبيه ، وهي أربعة آلاف شاةٍ ، فنزلت الآية ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الأغنام له " . وروي أنه جاء وقد أصاب إبلاً من العدو ، وكان فقيراً . فقال الكلبي : إنه أصاب خمسين بعيراً . وفي رواية : فانفلت ابنه من الأسر وركب ناقة للقوم ومر في طريقه بسرح لهم فاستاقه . وقال مقاتل : " أصاب غنماً ومتاعاً ، فقال أبوه للنبيّ صلى الله عليه وسلم أيحل لي أن آكل مما أتى به ابني ؟ قال : نعم " ونزلت : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } . وروى الحسن عن عمران بن الحصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَن انقَطَعَ إلى اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ كُلَّ مَؤونةٍ ورَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ، ومن انقطع إلى الدُّنيا وكلها اللَّهُ إليهِ " . وقال الزجاج : أي : إذا اتقى وآثر الحلال والصبر على أهله فتح الله عليه إن كان ذا ضيق ورزقه من حيث لا يحتسب . وعن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ أكْثَرَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ من كُلِّ هَمٍّ فَرجاً ، ومِن كُلِّ ضيقٍ مَخْرَجاً ، ورَزقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ " . قوله : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } . أن من فوّض إليه أمره كفاهُ ما أهمَّه . وقيل : من اتقى الله وجانب المعاصي وتوكل عليه فله فيما يعطيه في الآخرة من ثوابه كفاية ، ولم يرد الدنيا ؛ لأن المتوكل قد يصاب في الدنيا وقد يقتل . وقال - عليه الصلاة والسلام - : " لَوْ أنَّكُمْ تَتوكَّلُونَ على اللَّهِ حقَّ تَوكُّلِهِ لرزقَكُم كَمَا يَرزقُ الطَّيْر تَغْدُو خِمَاصاً وتَرُوحُ بِطَاناً " . قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ } . قرأ حفص : " بَالِغُ " من غير تنوين " أمْرِهِ " مضاف إليه على التخفيف . والباقون : بالتنوين والنصب ، وهو الأصل ، خلافاً لأبي حيان . وقرأ ابن أبي عبلة وداود بن أبي هند ، وأبو عمرو في رواية : " بَالِغٌ أمْرُهُ " بتنوين " بالغ " ورفع " أمره " . وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون " بالغ " خبراً مقدماً ، و " أمره " مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر " إن " . والثاني : أن يكون " بالغ " خبر " إن " و " أمره " فاعل به . قال الفراء : أي : أمره بالغ . وقيل : " أمره " مرتفع بـ " بالغ " والمفعول محذوف ، والتقدير : بالغ أمره ما أراد . وقرأ المفضل : " بالغاً " بالنصب ، " أمرُه " بالرفع . وفيه وجهان : أظهرهما : وهو تخريج الزمخشري : أن يكون " بالغاً " نصباً على الحال ، و { قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ } هو خبر " إن " تقديره : إن الله قد جعل لكل شيء قدراً بالغاً أمره . والثاني : أن يكون على لغة من ينصب الاسم والخبر بها ، كقوله : [ الطويل ] @ 4782 - … … إنَّ حُرَّاسنَا أسْدَا @@ ويكون " قَدْ جَعَلَ " مستأنفاً كما في القراءة الشهيرة . ومن رفع " أمره " فمفعول " بالغ " محذوف ، تقديره : ما شاء ، كما تقدم في القرطبي . فصل في معنى الآية قال مسروق : يعني قاضٍ أمره فيمن توكل عليه وفيمن لم يتوكل عليه إلا أن من توكل عليه يكفر عنه سيئاته ، ويعظم له أجراً . قوله : { قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } . قيل : إن من قوله تعالى : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } إلى قوله : { مَخْرَجاً } آية ، ومنه إلى قوله تعالى : { قَدْراً } آية أخرى ، وعند الكوفي والمدني المجموع آية واحدة . وقرأ جناح بن حبيش : " قَدراً " بفتح الدال . والمعنى : لكل شيء من الشدة والرخاء أجلاً ينتهي إليه . وقيل : تقديراً . وقال السدي : هو قدر الحيض في الأجل والعدة . وقال عبد الله بن رافع : لما نزل قوله تعالى : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " فَنَحْنُ إذَا توكلنَا عليْهِ يُرسِلُ مَا كَانَ لَنَا وَلاَ نَحْفَظُهُ " ، فنزلت : { إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ } فيكم وعليكم . وقال الربيع بن خيثم : إنَّ الله قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه ، ومن آمن به هداه ، ومن أقرضه جازاه ، ومن وثق به نجَّاه ، ومن دعاه أجاب له . وتصديق ذلك في كتاب الله : { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } [ التغابن : 11 ] ، { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } ، { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ } [ التغابن : 17 ] ، { وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ آل عمران : 101 ] ، { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [ البقرة : 186 ] .