Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 4-5)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ } . تقدم الخلاف فيه . وأبو عمرو يقرأ هنا : " واللاّئي يئسن " بالإظهار . وقاعدته في [ مثله ] الإدغام ، إلا أن الياء لما كانت عنده عارضة لكونها بدلاً من همزة ، فكأنه لم يجتمع مثلان ، وأيضاً فإن سكونها عارض ، فكأن ياء " اللائي " متحركة ، والحرف ما دام متحركاً لا يدغم في غيره ، وقرىء : " يَئِسْنَ " فعلاً ماضياً . وقرىء : " يَيْئَسْنَ " مضارع . و { مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ } . " من " الأولى لابتداء الغاية ، وهي متعلقة بالفعل قبلها ، والثانية للبيان متعلقة بمحذوف . و " اللاَّئِي " مبتدأ ، و " فَعدَّتُهُنَّ " مبتدأ ثانٍ ، و " ثَلاثةُ أشْهُرٍ " خبره ، والجملة خبر الأول ، والشرط معترض ، وجوابه محذوف . ويجوز أن يكون " إن ارْتَبْتُمْ " جوابه { فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ } ، والجملة الشرطية خبر المبتدأ ، ومتعلق الارتياب محذوف ، تقديره : إن ارتبتم في أنها يئست أم لا لإمكان ظهور حمل وإن كان انقطع دمها . وقيل : إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس أهو دم حيض ، أو استحاضة ، وإذا كان هذا عدة المرتاب فيها فغير المُرتَاب فيها أولى . وأغرب ما قيل : إن " إنِ ارتَبْتُمْ " بمعنى : تَيَقَّنْتُمْ ، فهو من الأضداد . قوله : { وَٱللاَّتِي لَمْ يَحِضْنَ } . مبتدأ ، خبره محذوف ، فقدره جملة كالأولى ، أي : فعدتهن ثلاثة أشهر أيضاً ، والأولى أن يقدر مفرداً ، أي : فكذلك أو مثلهن . ولو قيل : بأنه معطوف على " اللاَّئِي يَئِسْنَ " عطف المفردات ، وأخبر عن الجمع بقوله : " فعدَّتُهُنَّ " لكان وجهاً حسناً ، وأكثر ما فيه توسُّطُ الخبر بين المبتدأ وما عطف عليه . وهذا ظاهر قول أبي حيان : و { وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ } معطوف على قوله " واللاَّئِي يَئِسْنَ " ، فإعرابه مبتدأ كإعراب " واللائي " . قوله : { وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ } مبتدأ ، و " أجَلُهُنَّ " مبتدأ ثانٍ ، و " أن يَضَعْنَ " خبر المبتدأ الثاني وهو وخبره خبر الأول . والعامَّة : على إفراد " حَمْلَهُنَّ " . والضحاك : " أحْمَالهُنَّ " . فصل في عدة التي لا ترى الدم لما بين أمر الطلاق والرجعة في التي تحيض ، وكانوا قد عرفوا عدة ذوات الأقراء عرفهم في هذه السورة عدة التي لا ترى الدم . قال أبو عثمان عمير بن سليمان : لما نزل عدة النِّساء في سورة البقرة في المطلقة والمتوفى عنها زوجها ، قال أبيُّ بن كعب : يا رسول الله ، إن ناساً يقولون : قد بقي من النساء من لم يذكر فيهن شيء ، الصغار والكبار وذوات الحَمْل ، فنزلت : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ } الآية . وقال مقاتل : لما ذكر قوله تعالى : { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } [ البقرة : 228 ] قال خلاّد بن النعمان : يا رسول الله ، فما عدّة التي لم تَحِضْ ، وعدة التي انقطع حيضها وعدة الحُبْلى ؟ فنزلت : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ } ، يعني : قعدن عن الحيض . وقيل : إن معاذ بن جبل سأل عن عدّة الكبيرة التي يئست ، فنزلت الآية . وقال مجاهد : الآية واردة في المستحاضة لا تدري دم حيض هو أو دم علة ؟ . فصل في تفسير الآية قال المفسرون : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ } ، فلا يرجون أن يحضن " إن ارتبْتُمْ " أي : شككتم . وقيل : تيقنتم ، وهو من الأضداد ، يكون شكًّا ويقيناً كالظَّن . واختيار الطَّبري : أن يكون المعنى إن شككتم ، فلم تدروا ما الحكم فيهن . وقال الزجاج : إن ارتبتم في حيضها وقد انقطع عنها الحيض وكانت ممن يحيض مثلها . قال القشيري : وفي هذا نظر ، لأنا إذا شككنا ، هل بلغت سن اليأس لم نقل : عدتها ثلاثة أشهر . والمعتبر في سن اليأس أقصى عادة امرأة في العالم . وقيل : غالب نساء عشيرة المرأة . وقال مجاهد : قوله : " إن ارْتَبْتُمْ " للمخاطبين ، يعني إن لم تعلموا كم عدة الآيسة ، والتي لم تحضْ فالعدّة هذه . وقيل : المعنى إن ارتبتم أن الدم الذي يظهر منها من أجل كبر أو من الحيض المعهود أو من الاستحاضة فالعدة ثلاثة أشهر . وقال عكرمة وقتادة : من الريبة المرأة المستحاضة التي لا يستقيم لها الحيض تحيض في أول الشهر مراراً ، وفي الأشهر مرة . وقيل : إنه متصل بأول السورة ، والمعنى لا تخرجوهن من بيوتهن إن ارتبتم في انقضاء العدة . قال القرطبي : " وهو أصح ما قيل فيه " . فصل في المرتابة في عدتها المرتابة في عدتها لم تنكح حتى تستبرىء نفسها من ريبتها ، ولا تخرج من العدة إلا بارتفاع الرِّيبة ، وقد قيل في المرتابة التي ارتفع حيضها ، لا تدري ما رفعه إنها تنتظر سنة من يوم طلَّقها زوجها ، منها تسعة أشهر استبراء ، وثلاثة عدة ، فإن طلقها فحاضت حيضة ، أو حيضتين ، ثم ارتفع حيضها بغير يأس منها انتظرت تسعة أشهر ثم ثلاثة من يوم طهرت من حيضها ثم حلت [ للأزواج ] . وهذا قول الشافعي بالعراق . فعلى قياس هذا القول تقيم الحرة المتوفى عنها زوجها المستبرأة بعد التسعة أشهر [ أربعة أشهر وعشراً ، والأمة شهرين وخمس ليال بعد التسعة أشهر ] . وروي عن الشافعي أيضاً : أن أقراءها على ما كانت حتى تبلغ سنَّ اليائسات . وهو قول النخعي والثوري وغيرهما ، وحكاه أبو عبيدة عن أهل العراق . فصل في ارتياب المرأة الشابة إذا ارتابت المرأة الشابة هل هي حامل أم لا ؟ . فإن استبان حملها فأجلها وضعه ، وإن لم يستبن ، فقال مالك : عدة التي ارتفع حيضها وهي شابة سنة ، وبه قال أحمد وإسحاق وروي عن عمر بن الخطَّاب وغيره . وأهل " العراق " يرون أن عدتها ثلاث حيض بعد ما كانت حاضت مرة واحدة في عمرها وإن مكثت عشرين سنةً ، إلا أن تبلغ من الكبر سنًّا تيأس فيه من الحيضِ فتكون عدتها بعد الإياس ثلاثة أشهر . قال الثعلبي : وهذا الأصح من مذهب الشافعي وعليه جمهور العلماء ، وروي ذلك عن ابن مسعود وأصحابه . قال إلكيا : وهو الحق ، لأن الله تعالى جعل عدة الآيسة ثلاثة أشهر . والمرتابة ليست آيسة . فصل فيمن تأخر حيضها لمرض فأما من تأخر حيضها لمرض ، فقال مالك وبعض أصحابه : تعتد تسعة أشهر ثم ثلاثة كما تقدم . وقال أشهب : هي كالمرضع بعد الفطام بالحيض أو بالسنة . وقد طلق حبان بن منقذ امرأته وهي ترضع ، فمكثت سنة لا تحيض لأجل الرضاع ثم مرض حبان فخاف أن ترثه فخاصمها إلى عثمان وعنده عليّ وزيد فقالا : نرى أن ترثه ، لأنها ليست من القواعد ولا من الصغار ، فمات حبان فورثته واعتدت عدة الوفاة . فصل لو تأخّر الحيض بغير مرض ولا رضاع فإنها تنتظر سنة لا حيض فيها ، تسعة أشهر ثم ثلاثة على ما تقدم ، فتحل ما لم ترتب بحمل ، فإن ارتابت بحمل أقامت أربعة أعوام أو خمسة أو سبعة على الاختلاف . قال القرطبي : " وأشهر الأقوال خمسة أعوام ، فإن تجاوزتها حلت " . وقال أشهب : لا تحل أبداً حتى تنقطع عنها الريبة . قال ابن العربي : " وهو الصحيح ، إذا جاز أن يبقى الولد في بطنها خمسة أعوام جاز أن يبقى عشرة أو أكثر من ذلك " ، وروي مثله عن مالك . فصل فيمن جهل حيضها بالاستحاضة وأما التي جهل حيضها بالاستحاضة ففيها أقوال : قال ابن المسيب : تعتد سنة . وهو قول الليث . قال الليث : عدة المطلقة والمتوفى عنها زوجها إذا كانت مستحاضة " سنة " . قال القرطبي : " وهو مشهور قول علمائنا ، سواء علمت دم حيضها من دم استحاضتها ، وميزت ذلك أو لم تميزه ، عدّتها في مذهب مالك سنة ، منها تسعة أشهر استبراء ، وثلاثة عدّة " . وقال الشَّافعي في أحد أقواله : عدتها ثلاثة أشهر ، وهو قول جماعة من التابعين والمتأخرين . قال ابن العربي : " وهو الصحيح عندي " . وقال أبو عمر : المستحاضة إذا علمت إقبال حيضتها وإدبارها اعتدت بثلاثة قُرُوءٍ . قال القرطبي : " وهذا أصحّ في النظر ، وأثبت في القياس والأثر " . قوله : { وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ } . يعني : الصغيرة ، فعدتهن ثلاثة ، فأضمر الخبر ، وإنما كانت عدتها الأشهر لعدم الأقراء في حقِّها عادة ، والأحكام إنما أجراها اللَّه تعالى على العادات ، فتعتد بالأشهر ، فإن رأت الدَّم في زمن احتماله عند النِّساء انتقلت إلى الدَّم لوجود الأصل ، فإذا وجد الأصل لم يبق للبدل حكم ، كما أن المُسِنَّة إذا اعتدت بالدم ، ثم ارتفع عادت إلى الأشهر ، وهذا إجماع . فصل قوله : { وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ } وضع الحمل ، وإن كان ظاهراً في المطلقة ؛ لأنه عليها عطف وإليها رجع عقب الكلام ، فإنه في المتوفى عنها زوجها كذلك ، لعموم الآية ، وحديث سبيعة ، كما مضى في سورة " البقرة " . فإذا وضعت المرأة ما في بطنها من علقة أو مضغة حلت عند مالك . وقال الشافعي وأبو حنيفة : لا تحل إلا بوضع ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان ، فإن كانت حاملاً بتوءمين لم تنقض عدتها حتى تضع الثاني منهما . قوله : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } . أي : من يتقه في طلاق السنة { يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } في الرجعة . وقال مقاتل : ومن يتق الله في اجتناب معاصيه يجعل له من أمره يسراً في توفيقه للطاعة . { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي : الذي ذكر من الأحكام أمر الله أنزله إليكم وبيَّنَهُ لَكُمْ ، { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } أي : يعمل بطاعته { يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } أي : في الآخرة . قوله : { وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } . هذه قراءة العامة مضارع " أعظم " . وابن مقسم : " يعظم " بالتشديد ، مضارع عظم مشدداً . والأعمش : " نعظم " بالنون ، مضارع " أعظم " وهو التفات من غيبة إلى تكلم .