Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 68, Ayat: 34-41)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } ، أي : جناتٌ ليس فيها إلا النعيمُ الخالصُ لا يشوبه ما ينغصُه كما يشوب جناتِ الدنيا . قال مقاتل : لما نزلت هذه الآية ، قال كفَّارُ مكة للمسلمين : إن الله تعالى فضَّلنا عليكم في الدنيا فلا بد وأن يُفضِّلنا عليكم في الآخرة ، فإن لم يحصل التفضيلُ ، فلا أقل من المساواةِ . فأجاب الله عن هذا الكلام بقوله : { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } ، أي : إن التسوية بين المُطيع والعاصي غيرُ جائزة ثم وبَّخهُمْ فقال : { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } هذا الحكم الأعوج كأن أمر الجزاءِ مفوضٌ إليكم حتى تحكموا فيه . قوله : " عِندَ ربِّهِمْ " . يجوز أن يكون منصوباً بالاستقرار ، وأن يكون حالاً من " جنَّاتِ " . فصل في رد كلام القاضي قال القاضي : في الآية دليل واضح على أن وصف الإنسان بأنه مسلم ومجرم كالمتنافي ، والفاسق لما كان مجرماً ، وجب أن لا يكون مسلماً . وأجيب بأنه تعالى أنكر جعل المسلم مثلاً للمجرم ، ولا شك أنه ليس المراد إنكار المماثلة في جميع الأمور ، فإنهما متماثلان في الجوهرية ، والجسمية ، والحدوث ، والحيوانية ، وغيرها من الأمور الكثيرة ، بل المراد : إنكارُ استوائهما في الإسلام والجرم ، أو في آثارِ هذين الأمرينِ ، فالمراد : أن يكون إنكار أثر الإسلام مساوياً لأثر جرم المجرم عند الله ، وهذا لا نزاع فيه ، فمن أين يدل على أن الشخص الواحد يمتنع فيه كونه مسلماً ومجرماً ؟ . فصل في رد كلام الجبائي قال الجبائيُّ : دلت الآية على أن المجرم لا يكون ألبتةَ في الجنةِ ؛ لأنه تعالى أنكر حصول التسوية بينهما في الثواب ، بل لعله يكون ثواب المجرم أزيد من ثواب المسلم ، إذا كان المجرمُ أطول عمراً من المسلم ، وكانت طاعته غير محبطةٍ . والجوابُ : هذا ضعيفٌ ، لأنا بينا التسوية في درجة الثوابِ ، ولعلهما لا يستويان فيه بل يكون ثواب المسلمِ الذي لم يعص أكثر من ثواب من عصى ، على أنا نقول : لم لا يجوز أن يكون المراد من المجرمين هم الكفار الذين حكى الله عنهم هذه الواقعة ، لأن حمل الجمع المحلى بالألف واللام على المعهود السابق مشهور في اللغة والعرفِ . قوله : { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ } . أي : ألكم كتاب تجدون فيه المطيع كالعاصِي . وهذا كقوله { أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ } [ الصافات : 156 - 157 ] . قوله : { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ } . العامة على كسر الهمزة ، وفيها ثلاثة أوجه : أحدها : أنها معمولة لـ " تَدْرُسُونَ " ، أي : تدرسون في الكتاب أن لكم ما تحتاجونه ، فلما دخلت اللامُ كسرت الهمزة ، كقولك : علمت أنك عاقل - بالفتح - وعلمت إنك لعاقل - بالكسر - . والثاني : أن تكون على الحكايةِ للمدروسِ كما هو ، كقوله : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } [ الصافات : 78 ، 79 ] ، قالهما الزمخشري . وفي الفرق بين الوجهين عسرٌ ، قال : " وتخير الشيء واختاره ، أخذ خيره ، كتنخله وانتخله ، أخذ منخوله " . الثالث : أنها على الاستئناف على معنى " إن كَان لَكُمْ كتابٌ فلكُمْ متخير " . قال القرطبي : تم الكلام عند قوله " تَدْرسُونَ " ثم ابتدأ فقال : { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لمَا تَخَيَّرُونَ } أي : إن لكم في هذا الكتاب إذن ما تخيرون ، أي : ليس لكم ذلك ، والكناية في " فِيْهِ " الأولى والثانية راجعة إلى الكتاب . وقرأ طلحة والضحاك : " أنَّ لَكُمْ " بفتح الهمزة . وهو منصوب بـ " تَدْرسُونَ " إلا أن فيه زيادة لام التأكيد ، وهي نظير قراءة { إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } [ الفرقان : 20 ] بالفتح . وقرأ الأعرج وابن هرمز : " أإنَّ لَكُمْ " في الموضعين ، يعني " أإنَّ لكُمْ فيْهِ لمَا تخيَّرُونَ " " أإنَّ لَكُمْ لمَا تَحْكُمونَ " بالاستفهام فيهما جميعاً . ثم إنه تعالى زاد في التوبيخ فقال : { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ } ، أي : عهود ومواثيق { عَلَيْنَا بَالِغَةٌ } مؤكدة والبالغة المؤكدة بالله تعالى ، أي : أم لكم عهود على الله تعالى استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة . قال ابن الخطيب : والمعنى : أم ضمنا لكم ، وأقسمنا لكم بأيمان مغلطة متناهية في التوكيد . قوله : " بَالِغَةٌ " . العامة على رفعها نعتاً لـ " أيْمَانٌ " و { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } متعلق بما تعلق به " لَكُمْ " زمن الاستقرار أي كائنة لكم إلى يوم ، أو " ببالغة " ، أي : تبلغ إلى ذلك اليوم ، وتنتهي إليه . وقرأ زيد بن علي والحسن : بنصبها . فقيل : على الحال من " أيْمَانٌ " لأنها تخصصت بالعمل ، أو بالوصف . وقال القرطبيُّ : " على الحال من الضمير في " لَكُمْ " لأنه خبر عن " أيمانٌ " ففيه ضمير منه ، وإما من الضمير في " عليْنَا " إن قدرت " علينا " وصفاً للأيمان لا متعلقاً بنفس الأيمانِ ؛ لأن فيه ضميراً منه كما يكون إذا كان خبراً عنه . وقيل : من الضمير في " علينا إن قدرت علينا " وصفاً للأيمان " . وقوله : { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } . أي : لأنفسكم من الخير والكرامة . قوله : { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } ، جواب القسم في قوله : " أيْمانٌ " لأنها بمعنى أقسام . قوله : { سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ } . أي : سل - يا محمد - هؤلاء المتقولين عليَّ : أيهم كفيل بما تقدم ذكره ، والزعيم : الكفيل والضمين ، قاله ابن عباس وقتادة ، لقوله تعالى : { وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } [ يوسف : 72 ] . وقال ابنُ كَيْسَان : الزعيم هنا : القائم بالحجة والدعوى . وقال الحسن : الزعيم : الرسول . قوله : " أَيُّهم " متعلق بـ " سَلْهُمْ " و " بذلك " متعلق بـ " زعيمٌ " ، أي : ضمين وكفيل وقد تقدم أن " سَألَ " تعلق لكونه سبباً في العلم ، وأصله أن يتعدى بـ " عَنْ " ، أو الباء كقوله : { فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } [ الفرقان : 59 ] ، وقوله : [ الطويل ] @ 4830 - فإنْ تَسْألُونِي بالنِّساءِ … … @@ والجملة في موضع نصب بعد إسقاط الخافض كما تقدم تقريره . قوله : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ } . هذه قراءة العامة . وقرأ عبد الله : { أم لهم شرك فليأتوا بشركهم } بلفظ المصدرِ . قال القرطبيُّ : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ } ، أي : ألهم ، والميم صلة ، ومعنى : شركاءُ ، أي : شهداء { فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ } يشهدون على ما زعموا { إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } في دعواهم . وقيل : فليأتوا بشركائهم إن أمكنهم ، فهو أمر تعجيز . وقال ابن الخطيب : " في تفسيره وجهان : الأول : أن المعنى أم لهم أشياء يعتقدون أنها شركاء لله ويعتقدون أن أولئك شركاء يجعلونهم في الآخرة مثل المؤمنين في الثواب ، والخلاص من العقابِ ، وإنما إضاف الشركاء إليهم ؛ لأنهم جعلوها شركاء للَّهِ ، كقوله : { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَيْءٍ } [ الروم : 40 ] . الثاني : أم لهم أناسٌ يشاركونهم في هذا المذهب ، وهو التسوية بين المسلمين والمجرمين فليأتوا بهم إن كانوا صادقينَ في دعواهم ، والمراد بيان أنه كما ليس لهم دليل عقلي ، ولا دليل من كتاب يدرسونه ، فليس لهم من يوافقهم من العقلاء على هذا القولِ ، فدل ذلك على بطلانه " .