Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 69, Ayat: 30-37)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } ، كقوله : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } [ الحاقة : 24 ] في إضمار القولِ ، يقال ذلك لخزنةِ جهنَّم ، والغلُّ : جمعُ اليدين إلى العُنُق ، أي : شدوه بالأغلالِ . { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } ، أي : اجعلوه يصلى الجحيمَ ، وهي النارُ العظمى ؛ لأنه كان يتعاظمُ في الدنيا . وتقديمُ المفعول يفيد الاختصاص عند بعضهم . ولذلك قال الزمخشريُّ : " ثُمَّ لا تصلوه إلا الجَحيم " قال أبو حيان : " وليس ما قاله مذهباً لسيبويه ولا لحُذاقِ النُّحاةِ " ، وقد تقدمت هذه المسألةُ متقنة ، وأنَّ كلام النحاة لا يأبى ما قاله . قوله : { ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً } ، في محل جر صفة لـ " سِلْسِلَة " و " في سِلْسِلة " متعلق بـ " اسْلُكُوه " ، و " الفاء " لا تمنع من ذلك . و " الذِّراع " مؤنث ، ولذلك يجمع على " أفْعُل " وسقطت " التاء " من عدده . قال الشاعر : [ الرجز ] @ 4851 - أرْمِي عَليْهَا وهْيَ فَرْعٌ أجْمَعُ وهْيَ ثَلاثُ أذْرُعٍ وإصْبَعُ @@ وذكر السبعين دون غيرها من العدد ، قيل : المرادُ به التكثير ، كقوله : { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً } [ التوبة : 10 ] . وقيل : المراد حقيقة العدد . قال ابن عباسٍ : سبعون ذراعاً بذراع الملكِ . وقال نوف البكالي : سبعون ذراعاً ، كل ذراع سبعون باعاً ، كل باع كما بينك وبين " مكّة " وكان في رحبة " الكوفة " . وقال الحسنُ : الله أعلم أي ذراعٍ . وزعم بعضهم أنَّ في قوله : " فِي سِلْسلَةٍ " " فاسْلُكوهُ " قلباً ، قال : لأنه نُقِلَ في التفسير أنَّ السلسلة تدخل من فيه ، وتخرج من دبره ، فهي المسلوكُ فيه لا هو المسلوكُ فيها ، والظاهر أنَّه لا يحتاج إلى ذلك ؛ لأنه روي أنها لطولها ، تجعل في عنقه ، وتلتوي عليه ، حتى تحيط به من جميع جهاته ، فهو المسلوكُ فيها لإحاطتها به . وقال الزمخشريُّ : والمعنى في تقديم السِّلسلة على السلك مثله في تقديم الجحيم على التًّصلية ، أي : لا تسلكوه إلا في هذه السلسة ، وثم للدلالة على التفاوتِ لما بين الغلِّ والتصليةِ بالجحيم وما بينها ، وبين السلك في السلسلة ، لا على تراخي المدة . وناعه أبو حيان في إفادة تقديم الاختصاص كعادته ، وجوابه ما تقدم . ونازعه أيضاً في أن " ثُمَّ " للدلالةِ على تراخي الرُّتْبةِ . وقال مكيٌّ : التراخي الزماني بأن يُصلى بعد أن يسلك ، ويسلك بعد أن يُؤخذ ويغلي بمهله بين هذه الأشياء . انتهى . وفيه نظرٌ من حيثُ إن التوعد بتوالي العذاب آكد ، وأقطع من التوعد بتغريقه . قوله : { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } . " الحضُّ " : الحثُّ على الفعل والحرص على وقوعه ، ومنه حروفُ التحضيض المبوب لها في النحو ؛ لأنَّه يطلب بها وقوع الفعل وإيجاده ، فبيَّن تعالى أنه عذِّب على تركِ الإطعامِ ، وعلى الأمر بالبخلِ كما عذِّب بسبب الكُفْرِ . قال ابن الخطيب : وفي الآية دليلُ على أنَّ الكُفَّار مخاطبون بالفروع . كان أبو الدرداء يحض امرأته على الإطعام ويقول : خلعنا نصف السلسلة بالإيمان ، أفلا نخلع نصفها الثاني بالإطعام . وقيل : المراد قول الكفار : { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } [ يس : 47 ] . وأصل " طعام " أن يكون منصوباً بالمصدر المقدر ، والطعام عبارةٌ عن العين ، وأضيف للمسكين للملابسةِ التي بينهما ، ومن أعمل الطعام كما يعمل الإطعام ، فموضع " المسكين " نصب ، والتقدير : على إطعام المطعم المسكين ، فحذف الفاعل ، وأضيف المصدر إلى المفعول . قوله : { فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ } في خبر " ليس " وجهان : أحدهما : " له " . والثاني : هاهنا ، وأيهما كان خبراً تعلق به الآخر ، أو كان حالاً من " حميم " ، ولا يجوز أن يكون " اليوم " خبراً ألبتة ؛ لأنه زمان والمخبر عنه جثة . ومنع المهدوي أن يكون " هاهُنَا " خبراً ، ولم يذكر المانع . وقد ذكره القرطبي فقال : " لأنه يصير المعنى : ليس هاهنا طعام إلا من غسلين ، ولا يصح ذلك ؛ لأن ثمَّ طعاماً غيره " . انتهى وفي هذا نظر ؛ لأنا لا نسلم أولاً أن ثمَّ طعاماً غيره ، فإن أورد قوله : { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } [ الغاشية : 6 ] فهذا طعام آخر غير الغسلين . فالجواب : أن بعضهم ذهب إلى أن الغسلين هو الضريع بعينه ، فسمَّاه في آية " غسليناً " وفي أخرى " ضريعاً " . ولئن سلمنا أنهما طعامان ، فالحصر باعتبار الآكلين ، يعني : أنَّ هذا الآكل انحصر طعامه في الغسلين ، فلا ينافي أن يكون في النار طعام آخر . وإذا قلنا : إن " له " الخبر ، وأن " اليوم " ، و " هاهنا " متعلقان بما تعلق هو به ، فلا إشكال ، وكذلك إذا جعلنا " هاهنا " هو الخبر ، وعلقنا به الجار والظرف ، ولا يضرّ كون العامل معنوياً للاتساع في الظروف وحروف الجر . وقوله : { إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } ، صفة لـ " طعام " ، دخل الحصر على الصفة ، كقولك : " ليس عندي إلا رجلٌ من بني تميم " . والمراد بـ " الحميم " : الصديق ، فعلى هذا الصفة مختصة بالطَّعام ، أي : ليس له صديق ينفعه ، ولا طعام إلا من كذا . وقيل : التقدير : ليس له حميم إلاَّ من غسلين ولا طعام . قاله أبو البقاء . فجعل " مِنْ غسْلِين " صفة لـ " الحميم " ، كأنه أراد الشَّيء الذي يحم به البدن من صديد النَّار . وقيل : من الطعام والشَّراب ؛ لأن الجميع يطعم ، بدليل قوله : { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ } [ البقرة : 249 ] . فعلى هذا يكون { إلاَّ من غسلين } صفة لـ " حميم " ولـ " طعام " ، والمرادُ بالحميم : ما يشرب ، أي : ليس له طعام ، ولا شراب إلا غسليناً . أما إذا أريد بالحميم : الصديد فلا يتأتَّى ذلك . وعلى هذا الذي ذكرنا ، فيه سؤالٌ ، وهو أن يقال : بأي شيء تعلَّق الجارُّ والظرفان ؟ والجواب : إنَّها تتعلق بما تعلق به الخبرُ ، أو يجعل " له " أو " هاهنا " حالاً من " حميم " ويتعلق " اليوم " بما تعلق به الحال ، ولا يجوز أن يكون " اليوم " حالاً من " حميم " ، و " له " و " هاهنا " متعلقان بما تعلق به الحال ؛ لأنه ظرف زمان ، وصاحبُ الحال جثة ، وهذا موضعٌ حسنٌ مفيدٌ . و " الغِسْلين " : " فِعْلين " من الغُسَالة ، فنُونُه وياؤه زائدتان . قال أهل اللغة : هو ما يجري من الجراح إذا غسلت . قال المفسرون : هو صديدُ أهل النَّارِ . وقيل : شجر يأكلونه . وعن ابن عباس : لا أدري ما الغِسْلينُ . وسمي طعاماً ؛ لقيامه مقامه فسمي طعاماً ؛ كقوله : [ الوافر ] @ 4852 - … تَحِيَّةُ بَينِهمْ ضَرْبٌ وجِيعُ @@ قوله : { لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ } . صفة لـ " غسلين " . والعامةُ : يهمزون " الخاطئون " ، وهم اسم فاعل من " خَطَأ يَخْطأ " إذا فعل غير الصواب متعمداً ، والمخطىءُ من يفعله غير متعمد . وقرأ الحسنُ والزهريُ والعتكي وطلحة : " الخَاطِيُون " بياء مضمومة بدل الهمزة . وقرأ ناقع في رواية وشيبة : بطاء مضمومة دون همزة . وفيها وجهان : أحدهما : أنه كقراءة الجماعةِ إلا أنه خفف بالحذف . والثاني : أنه اسم فاعل من " خَطَا يَخْطُوا " إذا اتبع خطوات غيره ، فيكون من قوله تعالى : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } [ البقرة : 168 ] ، قاله الزمخشريُّ . وقد تقدم أول الكتاب أن نافعاً يقرأ : " الصَّابيون " بدون همز ، وكلام الناس فيها . وعن ابن عباس : ما الخاطُون ، كلنا نخطُو . وروى عنه أبو الأسود الدؤليُّ : ما الخاطُون إنما هو الخاطئون ، وما الصَّابون إنما هو الصَّابئون ، ويجوز أن يراد الذين يتخطون الحقَّ إلى الباطل ويتحدون حدود الله .