Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 138-140)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } كقوله : { فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } [ البقرة : 50 ] من كونِ الباء يجوز أنْ تكون للتَّعدية ، وأن تكون للحاليَّة ، كقوله : [ الوافر ] @ 2565 - … تَدُوسُ بِنَا الجَمَاجِمَ والتَّرِيبَا @@ وقد تقدَّم . و " جاوز " بمعنى : جاز ، فـ " فاعل " بمعنى " فَعَل " . وقرأ الحسنُ ، وإبراهيم ، وأبو رجاء ويعقوب جَوَّزْنَا بالتِّشْديدِ وهو أيضاً بمعنى " فَعَلَ " المجردِ كـ قَدَرَ وقَدَّر . قوله : يَعْكُفُونَ صفة لـ " قَوْم " . وقرأ الأخوان " يَعْكِفُونَ " بكسر الكاف ، وتروى عن أبي عمرو أيضاً ، والباقون بالضمِّ ، وهما لغتان في المضارع كـ " يَعْرشُون " . وقد تقدَّم معنى " العكوف " واشتقاقه في البقرة . قال قتادة : كان أولئك القومُ من لَخْم ، وكانُوا نُزولاً بالرِّقَّةِ . وقال ابنُ جريج : كانت تلك الأصْنَام تماثيل بقر ، وذلك أول شأن قصة العِجْلِ . قال الكلبيُّ : عبر بهم موسى البَحْرَ يومَ عاشوراء بعد مهلك فرعون وقومه ، فصاموه شكراً للَّه عزَّ وجلَّ . قوله : { قَالُواْ يَٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً } أي : مثالاً نعبده . ولم يكن ذلك شكًّا من بني إسرائيل في وحدانية اللَّهِ ، وإنَّمَا معناه : اجعل لنا شيئاً نعظمه ، ونتقرب بتعظيمه إلى اللَّهِ ، وظَنُّوا أنَّ ذلك لا يضر الدِّيانة ، وكان ذلك لشدَّة جهلهم ، لأنَّ العبادة غاية التَّعظيم ، فلا تليق إلا بمن يصدر عنه غاية الإنعام ، وهو خالقُ الجسمِ ، والحياةِ والقدرةِ ، والعقلِ ، والأشياءِ المنتفع بها . وليس ذلك إلاَّ الله تعالى . فصل واعْلَمْ أنَّ هذا القولَ لم يصدر عن كلّهم ، وإنَّما صدرَ من بعضهم ؛ لأنَّه كان مع موسى السبعون المُختارون ، وفيهم من يرتفعُ عن مثل هذا السُّؤالِ . قوله كمَا لَهُمْ آلِهَةٌ الكافُ في محلِّ نصب صفة لـ " إلهاً " ، أي : إلهاً مماثلاً لإلههم . وفي " ما " ثلاثةُ أوجه : أحدها : موصولةٌ حرفية ، أي : تتأوَّلُ بمصدرِ ، وعلى هذا فصلتُهَا محذوفة ، وإذا حُذِفَتْ صلة " ما " المصدريَّة ، فلا بدَّ من إبقاء معمولِ صلتها ، كقولهم : لا أكلِّمكَ ما أنَّ حِرَاءَ مَكَانَهُ ، أي : ما ثَبَتَ أنَّ حِرَاءَ مكانه ، وكذا هنا تقديره : كما ثبت لهم آلهة ، فـ " آلهة " فاعل " ثبت " المقدر ، أي : كما أنَّ " أنَّ " المفتوحةَ في المثالِ المتقدم فاعل " ثبت " المقدر . وقال أبُو البقاءِ - هذا الوجه - ليس بجيد " والجملة بعدها صلةٌ لها ، وحسَّن ذلك أنَّ الظرف مقدَّرٌ بالفعل " . فصل قال شهابُ الدِّينِ : كلامُهُ على ظاهِره ليس بجيِّد ؛ لأنَّ " ما " المصدريةَ لا تُوصَلُ بالجملة الاسمية على المشهور ، وعلى رأي مَنْ يُجَوِّز ذلك ، فيشترط فيها غَالِباً أن تُفْهِم الوقت كقوله : [ الكامل ] @ 2566 - وَاصِلْ خِلِيلَكَ ما التَّواصُلُ مُمْكِنٌ فلأنْتَ أوْ هُوَ عَنْ قَرِيبٍ ذَاهِبُ @@ ولكنَّ المراد أنَّ الجارَّ مقدَّرُ بالفعل ، وحينئذٍ تؤولُ إلى جملةٍ فعليَّة ، أي : كما استقرَّ لهم آلهةٌ . الثاني : أن تكون " ما " كافَّةً لكاف التَّشبيه عن العمل ، فإنَّهَا حرفُ جر ، وهذا كما تُكَفُّ رُبَّ فيليها الجملُ الاسميَّة ، والفعليَّة ، ولكن ليس ذلك على سبيل الوجوب ، بل يجوزُ في الكافِ وفي " رُبَّ " مع " ما " الزَّائدة بعدهما وجهان : العَمَلُ والإهمالُ ، وعلى ذلك قول الشَّاعر : [ الطويل ] @ 2567 - وَنَنْصُرُ مَوْلاَنَا ونَعْلَمُ أنَّهُ كَمَا النَّاس مَجْرُومٌ عَليْهِ وجَارِمُ @@ وقول الآخر : [ الخفيف ] @ 2568 - رُبَّمَا الجَامِلُ المؤبِّلُ فِيهِمْ وعَنَاجِيحُ بَيْنَهُنَّ المِهَارُ @@ وروي برفع " النَّاس ، والجامل " وجرِّهما ، هذا إذا أمكن الإعمالُ ، إمَّا إذَا لم يمكن تَعَيَّنَ أن تكونَ كافَّةً كهذه الآية ، إذا قيل : بأن " ما " زائدة . الثالثُ : أن تكون " ما " بمعنى " الذي " ، و " لَهُمْ " صلتها ، وفيه حينئذٍ ضميرٌ مرفوعٌ مستتر ، و " آلهة " بدلٌ من ذلك الضَّمير ، والتَّقديرُ : كالذي استقَرَّ هو لهم آلهة . وقال أبُو البقاءِ - في هذا الوجه - : والعَائِدُ محذوفٌ ، و " آلهة " بدلٌ منه ، تقديره : كالَّذِي هُوَ لهُم وتَسْميتُهُ هذا حَذْفاً تَسَامحٌ ، لأنَّ ضمائرَ الرفع إذا كانت فاعلةً لا تُوصف بالحذف ، بل بالاستتار . قوله إنَّ هؤلاء مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ . هؤلاءِ إشارة لِمَنْ عَكَفُوا على الأصنام ، ومُتَبَّرٌ فيه وجهان : أحدهما : أن يكون خبراً لـ " إنَّ " و " مَا " موصولةٌ بمعنى " الَّذي " وهُمْ فِيهِ جملةٌ اسميةٌ صلةٌ وعائده ، وهذا الموصولُ مرفوعٌ باسم المفعول فتكون قد أخْبَرْتَ بمفرد رفعت به سَبَبيًّا . والثاني : أن يكون الموصولُ مبتدأ ، ومُتَبَّرٌ خبره قُدِّم عليه ، والجملةُ خبرٌ لـ " إنَّ " . قال الزخشريُّ : وفي إيقاع " هؤلاء " اسماً لـ " إنَّ " ، وتقديمُ خبر المبتدأ من الجملة الواقعةِ خبراً لها وسمٌ لعبدة الأصنام بأنَّهم هم المُعَرَّضُونَ للتَّبَار ، وأنَّهُ لا يَعْدُوهُم ألْبتَّة ، وأنَّهُ لهم ضربةُ لازم ، ليحذِّرهم عاقبة ما طلبوا ، ويبغض إليهم ما أحَبُّوا . قال أبُو حيَّان : " ولا يتعيَّنُ ما قاله من تقديم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبراً لـ " إنَّ " ، لأنَّ الأحْسَنَ في إعراب مثل هذا أن يكونُ مُتَبَّرٌ خبراً لـ " إنَّ " وما بعده مرفوعٌ " فذكر ما قرَّرْتُهُ ، ونظَّره بقولك : " إنَّ زَيْداً مضروبٌ غلامُهُ " . قال : فالأحْسَنُ أن يكون " غلامه " مرفوعاً بـ " مضروب " ، ثم ذكر الوجه [ الثاني ] وهو أن يكون " مُتَبَّرٌ " خبراً مقدماً من الجملة ، وجعله مرجوحاً . وهو كما قال ، لأنَّ الأصلَ في الأخبارِ أن تكون مفردةً ، فما أمكن فيها ذلك لا يُعْدل عنه ، إلا أنَّ الزمخشريَّ لم يذكر ذلك على سبيل التَّعيين ، بل على أحد الوجهين وقد يكونُ هذا عنده أرجحَ من جهة ما ذكر من المعنى ، وإذا دار الأمر بين مُرَجِّح لفظيّ ، ومُرَجِّح معنويٍّ فاعتبارُ المعنويِّ أولى ، ولا أظُنُّ حَمَلَ الزمخشري على ذلك إلا ما ذكرت . وقوله { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ } كقوله { مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ } من جواز الوجهين وما ذُكِر فيهما . والتَتْبيرُ : الإهلاكُ ، ومنه " التِّبر " وهو كسارة الذَّهب ، لتهالك النَّاس عليه . وقيل : التّتبير : التَّكسير ، والتَّحطيم . والبطلان قيل : عدم الشَّيءِ إمَّا بعدم ذاته ، وإما بعدم فائدته ومقصوده . قوله : " أغَيْرَ اللَّهِ " الهمزةُ للإنكار ، والتَّوبيخِ ، وفي نَصْبِ غير وجهان : أحدهما : أنَّه مفعولٌ به لـ " أبْغِيكُمْ " على حذفِ اللاَّمِ ، تقديره : أبغي لكم غير اللَّهِ ، أي : أطلُبُ لكم فَلَمَّا حذف الحرف ، وصل الفعل بنفسه ، وهو غيرُ منقاس ، وفي إلهاً على هذا وجهان : أظهرهما : أنَّهُ تمييز لـ " غير " ، والثاني : أنَّهُ حالٌ ، ذكره أبو حيان وفيه نظر . والثاني : من وجهي " غير " : أنَّهُ منصوب على الحال من إلهاً وإلهاً هو المفعول به لـ " أبْغِيكُمْ " على ما تقرَّرَ ، والأصْلُ : أبغي لكم إلهاً غير اللهِ ، فـ " غير اللهِ " صفة لـ : إله ، فلمَّا قُدِّمَتْ صفةُ النَّكرةِ عليها نُصِبتْ حالاً . وقال ابنُ عطيَّة : و " غير " منصوبة بفعل مضمر ، وهذا هو الظَّاهِرُ ، ويجوزُ أن يكون حالاً . وهذا الذي ذكره من إضمار الفعل لا حاجةَ إليه فإن أرَادَ أنَّهُ على الاشتغال فلا يَصِحُّ ؛ لأنَّ شرطهُ أن يعمل المفسِّر في ضميرِ الأوَّل ، أو سببه . قوله : " أبْغِيكُمْ " قال الواحديُّ . يقال : بَغَيْتُ فلاناً شيئاً وبغيتُ له . قال تعالى : { يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ } [ التوبة : 47 ] أي : يبغون لكم . والمعنى : أطلبُ لكم غير اللَّه معبوداً . واعلم أنَّ موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - لما قالوا له : { ٱجْعَل لَّنَآ إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } أجابهم بوجوهٍ كثيرة : أوَّلُهَا : حكم عليهم بالجَهْل فقال : { إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } . وثانيها : قوله : { إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ } أيْ : بِسَبَبِ الخسران والهلاك . وثالثها : قوله : { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي هذا العَمَلُ الشَّاقُّ لا يفيدُهم نفعاً في الدُّنْيَا والدِّينِ . ورابعها : استفهامُهُ منهم على وجه الإنكار والتَّوبيخ ، فقال : { أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } أي : أن الإله ليس شيئاً يطلب ويتخذ ، بل الإله هو الذي يكون قادراً على الإنعام بالإيجاد وإعطاء الحياة ، وجميع النِّعم ، وهو المُرَادُ بقوله : { وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } ، فهذا هو الذي يجبُ على الخلق عبادته ، فكيفَ يجوزُ العُدُولُ عن عبادته إلى عبادة غيره . قوله : { وَهُوَ فَضَّلَكُمْ } يجوز أنْ يكون في محلِّ نصبٍ على الحالِ ، إمَّا من اللَّهِ وإمَّا من المخاطبين ، لأنَّ الجملةَ مشتملةٌ على كلٍّ مِنْ ضَميرَيْهِمَا ، ويجوزُ ألاّ يكونَ لها محلٌّ ، لاستئنافها . وفي هذا التَّفضيل قولان : الأول : أنَّهُ تعالى فضلكم على عالمي زمانِكم ، الثاني : أنَّهُ تعالى خَصَّهُمْ بتلك الآياتِ القاهرةِ ، ولم يحصل مِثْلُهَا لأحد من العالمين ، وإن كان غيرهم فضلهم بسائر الخصَال ، مثل : رجل تعلم علماً واحداً ، وآخر تعلم علوماً كثيرة سوى ذلك العلم ، فصاحب العلم الواحدِ يفضل على صاحب العلوم الكثيرة بذلك الواحدِ ، إلاَّ أنَّ صاحب العلوم الكثيرة يفضل على صاحب العلم الواحد في الحقيقة .