Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 146-146)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ } الآية . قال ابْنُ عبَّاسٍ : يريد الَّذينَ يتجبَّرون على عبادي ، ويحاربون أوليائي حتَّى لا يؤمنوا سأصرفهم عن قبول آياتي والتَّصْدِيق بها ، عُوقبوا بحرمان الهدايةِ لعنادهم الحَقّ كقوله تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [ الصف : 5 ] . واحْتَجّ أهلُ السُّنَّةِ بهذه الآية على أنَّهُ تعالى قد يمنع الإيمان . وقالت المعتزلة : لا يمكنُ حمل الآية على ذلك لوجوه : الأوّلُ : قال الجُبَّائِيُّ : لا يجوزُ أن يكون المراد منه أنَّه تعالى يصرفهم عن الإيمان ؛ لأن قوله : " سَأصْرِفُ " يتناول المستقبلَ ، وقد بيَّن تعالى أنَّهُمْ كفروا وكذَّبُوا من قبل هذا الصرف ، لأنَّهُ وصفهم بكونهم : { يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } وبأنَّهُمْ : { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } فدلَّت الآية على أنَّ الكُفْرَ قد حصل لهم في الزَّمانِ الماضي ؛ فدلَّ على أن المراد من هذا الصرف ليس الكفر بالله . الثاني : أن قوله { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ } مذكورٌ على وجه العقوبة على التَّكَبُّر والكُفْر ، فلو كان المراد من هذا الصَّرْفِ هو كفرهم ، لكان معناه أنَّهُ تعالى خلق فيهم الكفر عقوبة لهم على إقدامهم على الكفر ، والعقوبة على فعل الكفر بمثل ذلك الفِعْل المعاقب عليه لا يجوز ؛ فثبت أنَّ المرادَ من هذا الصَّرفِ ليس هو الكفر . الثالث : أنَّه تعالى لو صَرَفَهُمْ عن الإيمان وصدهم عنه ، فكيف يمكن أن يقُول مع ذلك : { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } [ المدثر : 49 ] { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الانشقاق : 20 ] { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ } [ الإسراء : 94 ] فثبت أنَّ حمل الآية على هذا الوجه غير ممكن ؛ فوجب حملها على وجوه أخرى : الأول : قال الكلبي وأبو مسلم الأصفهاني : إنَّ هذا الكلام تمام لما وعد اللَّهُ موسى به من إهلاك أعدائه ومعنى صرَفَهُمْ ، أهلكَهُمْ فلا يقدرون على منع موسى من تبليغها ، ولا يمنع المؤمنين من الإيمان بها ، وهو تشبيه بقوله : { بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ المائدة : 67 ] فأراد تعالى أن يمنع أعداء موسى من إيذائه ومنعه من القيام بما يلزمه في تبليغ النبوةِ والرِّسالة . التَّأويلُ الثَّاني : قال الجُبَّائِيُّ : سأصرفُ المتكبرين عن نَيْل ما في آياتي من العزَّة والكرَامَة المُعَدَّيْن للأنبياء ، والمُؤمنين . وإنَّمَا صرفهم عن ذلك بواسطة إنزال الذل والإذلال بهم ، وذلك يَجْرِي مجرى العقوبة على كُفْرِهِم ، وتكبرهم على اللَّهِ . التَّأويل الثالثُ : أنَّ من الآيات ما لا يُمْكِنُ الانتفاع بها إلاَّ بعد سبق الإيمان ، فإذا كَفَرُوا فقد صَيَّرُوا أنفسهم بحيث لا يمكنهم الانتفاع بتلك الآيات ، فحينئذٍ يصرفهم اللَّهُ عنها . التأويل الرابع : أنَّ اللَّه عز وجل إذا علم من حال بعضهم أنَّهُ إذا شاهد تلك الآيات فإنَّه لا يستدلّ بها بل يستخف بها ، ولا يقومُ بحقِّها ، فإذا علم اللَّهُ ذلك منه ، صَحَّ أن يَصْرِفَهُ عنها . التأويل الخامس : نقل عن الحسن أنَّه قال : إنَّ من الكفار من بالغ في كُفره ، وانتهى إلى الحد الذي إذا وصل إليه مات قلبه ، فالمراد من قوله : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي } هؤلاء . فصل المُرَادُ من الصَّرْفِ المَنْع ، والمُرَادُ بالآيات : الآياتُ التسع الَّتي أعطاها اللَّهُ موسى - عليه الصَّلاة والسَّلامُ - والأكثرون على أنَّ الآية عامَّة . ومعنى " يَتَكَبَّرُونَ " : أي : يَرَوْنَ أنَّهُم أفضل الخَلْقِ ، وأن لهم من الحقِّ ما ليس لغيرهم ، وصفةُ التَّكبر لا تكون إلا للَّهِ تعالى . وقال بعضهم : التَّكَبر : إظهار كبر النَّفْسِ على غيرها ، والتَّكبر صِفَةُ ذمٍّ في جميع العبادِ وصفةُ مدحٍ في حقِّ الله تعالى ؛ لأنَّهُ يستحقُّ إظهار الكبر على ما سواه ؛ لأنَّ ذلك في حقه حَقٌّ ، وفي حق غيره باطل . قال عليه الصَّلاةُ والسَّلام يقولُ اللَّهُ تعالى : " الكِبْريَاءُ رِدائِي والعظمةُ إزَارِي ، فمنْ نَازَعنِي فيهما حَرَّمْتُ عليه الجنَّة " . قوله : " بِغَيْرِ الحَقِّ " فيه وجهان : أحدهما : أنَّه متعلِّقٌ بمحذوفٍ على أنَّهُ حالٌ ، أي : يَتَكَبَّرُونَ ملتبسين بغير الحقِّ . والثاني : أنه متعلِّق بالفعلِ قبله ، أي : يتكبرون بما ليس بحق ، والتَّكَبُّرُ بالحقِّ لا يكونُ إلاَّ لِلَّهِ تعالى خاصَّة . قال بعضهم : وقد يكون إظْهَارُ الكبرِ على الغَيْرِ بالحقِّ ، فإنَّ للمحقّ أن يتكبَّرَ على المُبْطِلِ وفي الكلامِ المشهور : التَّكبر على المتكبر صدقةٌ . قوله : وإن يَرَوْا الظَّاهرُ أنَّها بصريَّةٌ ، ويجوزُ أن تكون قلبية ، والثَّاني محذوفٌ لِفَهْمِ المعنى : كقول عنترة : [ الكامل ] @ 2574 - وَلَقَدْ نَزلْتِ فلا تَظُنِّي غَيْرَهُ مِنِّي بِمنْزِلَةِ المُحَبِّ المُكْرَمِ @@ أي : فلا تظني غيره واقعاً مني ، وكذا الآية الكريمة ، أي : وإن يَرَوْا هؤلاء المتكبرين كل آية جائية ، أو حادثة . وقرأ مالك بن دينارٍ " وإن يُرَوْا " مبنياً للمفعول من أري المنقول بهمزة التعدية . قوله : " سَبِيلَ الرُّشْدِ " قرأ حمزة والكسائي هنا وأبُو عمرو في الكهف في قوله : { مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } خاصة دون الأولين فيها بفتحتين ، والباقون بضمة وسكون واختلف النَّاسُ فيهما هل هما بمعنى واحد . فقال الجمهور نعم لغتان في المصدر كالبُخْلِ والبَخَل ، والسُّقْم والسَّقَم ، والحُزْن والحَزَن . وقال أبُو عمرو بن العلاءِ : " الرُّشْدُ - بضمة وسكون - الصَّلاحُ في النَّظر ، وبفتحتين الدِّين " ولذلك أجمع على قوله : { فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً } [ النساء : 6 ] بالضمِّ والسُّكُون ، وعلى قوله { فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } [ الجن : 14 ] بفتحتين . ورُوي عن ابن عامر " الرُّشُد " بضمتين وكأنَّهُ من باب الإتباع ، كاليُسُر والعُسُر وقرأ السلمي الرَّشَاد بألف فيكون : الرُّشْد والرَّشَد والرَّشَاد كالسُّقْم والسَّقَم والسَّقَام . وقرأ ابنُ أبي عَبْلَة لا يتَّخِذُوَها ، ويتَّخِذُوها بتأنيث الضَّمير ، لأنَّ السبيل يَجُوزُ تأنيثُها . قال تعالى : { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } [ يوسف : 108 ] . والمُرادُ بسَبيل الرُّشْدِ سبيل الهدى والدين ، وسَبيلَ الغَيِّ ضد ذلك . ثُمَّ بيَّن العلة لذلك الصَّرف ، وهو كونهم مُكّذِّبينَ بآياتِ اللَّهِ ، وكونهم عنها غافلين أي معرضين ، أي : أنَّهم واظبوا على الإعراضِ حتى صَارُوا بِمَنْزلةِ الغافلينَ عَنْهَا . قوله : " ذَلِكَ " فيه وجهان : أظهرهما : أنَّهُ مبتدأ ، خبره الجارُّ بعده ، أي : ذلك الصرف بسبب تكذيبهم . والثاني : أنَّه في محلِّ نصبٍ ، ثم اختلفَ في ذلك . فقال الزَّمخشريُّ : " صَرَفَهُمُ اللَّهُ ذلك الصَّرْفَ بعينه " . فجعله مصدراً . وقال ابْنُ عطيَّة : فعلنا ذلك فجعله مفعولاً به وعلى الوجهين فالباءُ في بأنَّهُمْ متعلقةٌ بذلك المحذوف . قوله : { وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } . في هذه الجملة احتمالان : أحدهما : أنَّهَا نَسَقٌ على خبر أنَّ ، أي : ذلك بأنَّهُمْ كذّبوا ، وبأنَّهُمْ كانوا غافلين عن آياتنا . والثاني : أنَّها مستأنفةٌ ، أخبر اللَّهُ تعالى عنهم بأنهم من شأنهم الغفلة عن الآيات وتدبرها .