Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 147-148)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ } في خبره وجهان ، أحدهما : أنَّهُ الجملةُ من قوله " حَبِطَتْ أعْمالُهُمْ " و " هل يُجْزَونَ " - خبر ثان ، أو مستأنف والثاني : أنَّ الخبر هَلْ يجزونَ والجملةُ من قوله حَبِطَتْ في محلِّ نصب على الحالِ ، و " قَدْ " مضمرة معه ، عند من يشترط ذلك ، وصاحبُ الحال فاعلُ كَذَّبُوا . قوله : ولقاء الآخرةِ فيه وجهان ، أحدهما : أنَّهُ من باب إضافة المصدر لمفعوله ، والفاعل محذوف ، والتقديرُ : ولقائهم الآخرة . والثاني : أنَّهُ من باب إضافة المصدر للظرف يعني : ولقاء ما وعد الله في الآخرة . ذكرهما الزمخشريُّ . قال أبُو حيَّان : " ولا يُجيز جُلَّةُ النَّحويين الإضافة إلى الظَّرف ، لأنَّ الظَّرف على تقدير " في " ، والإضافةُ عندهم على تقدير اللاَّم ، أو " مِنْ " فإن اتُّسِعَ في العَامِل جازَ أن يُنْصبَ الظرفُ نَصْبَ المفعول ، ويجوزُ إذْ ذاك أن يُضافَ مصدرُه إلى ذلك الظَّرف المُتَّسَع في عاملِهِ ، وأجازَ بعضُ النَّحويين أن تكون الإضافةُ على تقدر " في " كما يُفْهِمُ ظاهرُ كلام الزمخشري " . فصل لمَّا ذكر ما لأجله صرف المتكبرين عن آياته وأتبعه ببيان العلّة لذلك الصرف وهُو كونُهم مُكَذِّبينَ بالآياتِ غافلين عنها ، فقد كان يَجُوزُ أن يظن أنَّهُمْ يختلفون في باب العقابِ لأنَّ فيهم مَنْ يعمل بعض أعمال البرّ ، بيَّن تعالى أنه حال جميعهم ، سواء كان متكبراً أو متواضعاً ، أو قليل الإحسان ، أو كثير الإحسان ، فقال : { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلأَخِرَةِ } يعني ذلك بجحدهم للميعاد وجراءتهم على المعاصي ، فبيَّنَ تعالى أنَّ أعمالهم محيطة . قوله : هَلْ يَجْزوْنَ هذا الاستفهامُ معناه النَّفي ، لذلك دخلت : " إلاَّ " ولو كان معناه التقرير لكان مُوجباً ، فيبعدُ دخول " إلاَّ " أو يمتنع . وقال الواحديُّ هنا : " لا بد من تقدير محذوفٍ أي : إلا بِمَا كانُوا أو على ما كانُوا ، أو جزاء ما كانوا " وتقريره : أنَّ نفس ما كانوا يعملونه لا يُجْزونَهُ إنَّمَا يُجْزَوْنَ بمقابله . فصل احْتَجُّوا على فساد قول أبي هاشم في أنَّ تاركَ الواجب يستحقُّ العقابَ بمجرَّد أن لا يَفْعَل الواجبَ ، وإن لَمْ يَصْدُرْ منه فعلٌ ضدَّ ذلك الواجب بهذه الآية . قالوا : لأنّها تدلُّ على أنَّه لا جزاء إلاَّ على العملِ ، وترك الواجبِ ليس بعملٍ ؛ فوجب أن لا يُجازى عليه ؛ فثبت أنَّ الجزاء إنَّمَا حصل على فعل ضده . وأجاب أبوُ هاشم : بأنِّي لا أسمِّي ذلك العقاب جزاءً ، فسقطَ الاستدلالُ . وأجَابُوا عن هذا : بأنَّ الجَزاءَ إنَّمَا سُمِّيَ جزاءً ؛ لأنَّهُ يجزي ، ويكفي في المَنْعِ عن المَنْهِيِّ ، وفي الحثِّ على المأمُور به ، فإن ترتَّب العِقابُ على مجرد ترك الواجبِ ؛ كان ذلك العقابُ كافياً في الزَّجْرِ عن ذلك التَّرك ، فكان جزاء ، فلا سبيل إلى الامتناع من تسميته جزاء . قوله تعالى : { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ } الآية . أي : من بعد مُضيِّة وذهابه إلى الميقات والجارَّان متعلِّقان بـ " اتَّخَذَ " ، وجَازَ أن يتعلَّق بعاملٍ حرفا جَرّ متحدَا اللَّفْظِ ، لاختلافِ مَعْنيْهما لأنَّ الأولى لابتداء الغايةِ ، والثَّانية للتَّبعيضِ ، ويجوزُ أن يكون " مِن حُلِيِّهِمْ " متعلِّقاً بمحذوفٍ على أنَّهُ حالٌ من عِجْلاً لأنَّهُ لو تأخَّر عنه لكان صفةً فكان يقال عِجْلاً من حليهم . وقرأ الأخوان مِنْ حِليِّهم بكسر الحاء وَوجْهُهَا الإتباع لكسرة اللاَّم ، وهي قراءة أصحاب عبد الله وطلحة ويحيى بن وثاب والأعمش . والباقون بضمِّ اللاَّم ، وهي قراءةُ الحسنِ وأبي جعفرٍ وشيبة بن نصاح ، وهو في القراءتينِ جمع " حَلْيِ " كـ " طَيٍّ " ، فجمع على " فُعُول " كـ " فَلْس " و " فُلُوس " فأصله : حُلُويٌّ كثُدِي في " ثُدُوي " ، فاجتمعت الياء والواوُ ، وسبقت إحداهما بالسُّكُون ، فقلبت الواوُ ياء ، وأدغمت ، وكُسرت عين الكلمة ، وإن كانت في الأصل مضمومةً لتصِحَّ الياء ، ثُمَّ لك فيه بعد ذلك وجهانِ : تركُ الفاءِ على ضَمِّهَا ، أو إتباعُها للعين في الكسرةِ ، وهذا مُطَّردٌ في كل جمعٍ على " فُعُول " من المعتلِّ اللاَّم ، سواء كان الاعتلال بالياء كـ " حُلِيّ " و " ثُدِي " أم بالواو نحو : " عُصِيّ " ، و " دُلِيّ " جمع عَصَا ودَلْو . وقرأ يعقوبُ " من حَلْيهم " بفتح الحاءِ وسكون اللاَّمِ ، وهي محتملةٌ لأن يكون " الحَلْي " مفرداً أريد به الجمعُ ، أو اسمُ جنسٍ مفرده " حَلْيَة " على حدِّ قَمْحٍ وقَمْحَةٍ ، و " عِجْلاً " مفعولُ " اتَّخَذَ " و " مِنْ حُلِيِّهم " تقدَّم حكمه . ويجوزُ أن يكون " اتَّخذَ " متعديةً لاثنين بمعنى " صَيَّرَ " فيكون : " مِنْ حُلِيِّهم " هو المفعول الثاني . وقال أبُو البقاءِ : " وهو محذوفٌ ، أي : إلهاً " ولا حاجة إليه . والحَلْيُ : اسم لما يُحَسَّن به من الذَّهبِ والفضَّةِ . و " جَسَداً " فيه ثلاثةُ أوجه ، أحدها : أنَّهُ نعتٌ . الثَّانِي : أنَّهُ عطفُ بيان ، والثالثُ : أنَّهُ بدلٌ قاله الزمخشريُّ ، وهو أحسنُ ؛ لأنَّ الجسد ليس مشتقاً ، فلا يُنْعَتُ به إلا بتأوُّلٍ ، وعطفُ البيان في النكراتِ قليلٌ ، أو ممتنع عند الجمهور ، وإنَّما قال : " جَسَداً " لئلاَّ يُتوهَّمَ أنَّهُ كان مخطوطاً ، أو مرقوماً . والجسد : الجثة . وقيل : ذات لحم ودمٍ . قوله : " لَهُ خُوَارٌ " في محل النَّصْبِ نعتاً لـ " عِجْلاً " ، وهذا يُقَوِّي كون " جَسَداً " نعتاً ؛ لأنه إذا اجتمع نعتُ وبدلٌ قُدِّم النَّعْتُ على البدلِ ، والجمهورُ على خُوَارٌ بخاء معجمة وواو صريحة ، وهو صوتُ البقرِ خاصّةً ، وقد يُسْتَعَارُ للبعير ، والخَوَرُ : الضَّعْفُ ، ومنهُ أرْضٌ خَوَّارةٌ وريح خوار والخورانُ : مجرى الرَّوث ، وصوت البهائم أيضاً . وقرأ عليٌّ - رضي الله عنه - وأبُو السَّمَّال : جُؤار بالجيم والهَمْز ، وهو الصَّوت الشديد . فصل قال ابنُ عبَّاسٍ والحسنُ وقتادةُ وجماهيرُ أهل التفسير : كان لبني إسرائيل عبيد يتزيَّنُونَ فيه ويَسْتعِيرُونَ من القبط الحلي ، فاستعارُوا حلي القبط لذلك اليوم : فَلَمَّا أغرق اللَّهُ القبط بقي ذلك الحلي في أيدي بني إسرائيل ، فجمع السَّامريّ تلك الحلي ، واسْمُهُ موسى بنُ ظفر ، من قرية يقال لها سامرة ، وكان رجلاً مُطاعاً فيهم ، وكانُوا قد سألوا موسى - عليه السلام - أن يجعل لهم إلهاً يعبدونه ، فصاغَ السَّامري لهم من ذلك الحُلِيِّ عِجْلاً ، وألقى في فَمِهِ من تراب أثر فرس جبريل ؛ فتحول عِجْلاً جَسداً حَيّاً لَحْماً ودماً له خُوَارٌ . وقيل : كان جَسَداً مُجَسَّداً من ذهب لا روح فيه ، كان يسمع منه صوتُ الرِّيح يدخل في جوفه ويخرج . قال أكثرُ المفسِّرينَ من المعتزلة : إنَّهُ جعل ذلك العجلَ مجوفاً ، وجعل في جوفه أنابيب على شكل مخصوص . وكان قد وضع ذلك التمثال في مهبِّ الرِّيح ، فكانت تدخل في تلك الأنابيبِ فيظهرُ منه صوت مخصوص يشبه خُوار العجل . وقال آخرون : إنَّهُ جعلَ ذلك التمثال أجوف ، وجعل تحته في الموضع الذي نصب فيه العجل من ينفخ فيه من حيثُ لا يشعر به النَّاس ، فيسمعوا الصوت من جوفه كالخوار ، كما يفعلون الآن في هذه التَّصَاوير التي يجرون فيها الماء كالفوارات وغيرها . قيل : إنَّهُ ما خار إلاَّ مرة واحدة ، وقيل : كان يخور كثيراً كُلَّمَا خار سجدوا له وإذا سكت رفعوا رؤوسهم . وقال وهب : كان يَخُورُ ولا يتحَرّك . وقال السدي : كان يخور ويمشي . ثم قال لهم هذا إلهكم وإله مُوسَى . فإن قيل لِمَ قال : { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ } والمتّخذ هو السّامريُّ ؟ فالجوابُ من وجهين : أحدهما : أنَّ اللَّه نسب الفعل إليهم ، لأنَّ رجلاً منهم باشره . كما يقال : بَنُو تميم قالوا كذا وفعلوا كذا ، والقائِلُ والفاعِلُ واحد ، والثاني : أنَّهُم كانوا مُريدين لاتخاذِهِ راضين به ، فكأنَّهُم اجتمعُوا عليه . فإن قيل : لم قال : " مِنْ حُلِيِّهم " ولم يكن الحلي لهم ، وإنَّما اسْتَعَارُوهَا ؟ فالجوابُ : أنَّه لَمَّا أهلك اللَّهُ قوم فرعون بقيت تلك الأموال في أيديهم ملكاً لهم كقوله : { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ } [ الدخان : 25 ] - إلى قوله - { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ } [ الدخان : 28 ] فصل قيل إنَّ الذين عبدُوا العِجْلَ كانوا كل قوم موسى . قال الحسنُ : كلهم عبدوا العجل غير هارون ، لعموم هذه الآية . ولقول موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - : { رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي } [ الأعراف : 151 ] ، فتخصيص نفسه وأخيه بالدُّعاءِ يدلُّ على أنَّ غيرهُمَا ما كان أهلاً للدعاءِ ، ولو بَقَوْا على الإيمان لما كان الأمْرُ كذلك . وقيل : بل كان منهم من ثَبَتَ على إيمانه لقوله تعالى : { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [ الأعراف : 159 ] . قوله : " ألَمْ يَرَوْا " إن قلنا : إنَّ اتَّخَذَ متعدية لاثنين ، وإنَّ الثَّاني محذوفٌ ، تقديره : واتَّخَذَ قوم موسى من بعده من حليهم عِجْلاً جَسَداً إلهاً ، فلا حاجة حينئذ إلى ادِّعاءِ حذف جملة يتوجَّه عليها هذا الإنكارُ ، وإن قلنا : إنَّها متعدية لواحد بمعنى : صَنَعَ وعَمِلَ أو متعدية لاثنين ، والثاني هو : مِنْ حُليِّهِمْ فلا بُدَّ مِنْ حذفِ جملة قبل ذلك ، ليتوَجَّه عليها الإنكار ، والتقدير : يعبدوه ، ويَرَوْا يجوز أن تكونَ العِلْمِية ، وهو الظَّاهرُ وأن تكون البصرية ، وهو بعيدٌ . فصل اعلم أنَّهُ تعالى احْتَجَّ على فساد هذا المذهب وكون العِجْلِ إلهاً بقوله : { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً } وتقرير هذا الدَّليل أنَّ هذا العِجْلَ لا يمكنه أن يُكلِّمهم ، ولا يَهْديهم إلى الصَّواب والرُّشْدِ ومَنْ كانَ كذلك كان إمَّا جَماداً ، وإمَّا حيواناً ، وكلاهما لا يصلحُ للإلهيَّةِ . ثم قال تعالى : { ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } لأنفسهم حيثُ أعرضوا عن عبادة الله واشتغلوا بعبادة العجل . قوله : { وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } يجُوزُ فيها وجهان : أظهرهما : أنَّهَا استئنافيةٌ ، أخبر عنهُم بهذا الخبر وأنه دَيْدنهُم وشأنهُم في كلِّ شيء فاتَّخاذُهم العجلَ من جملة ذلك ، ويجوزُ أن تكون حالاً ، أي : وقد كانُوا ، أي : اتَّخَذُوه في هذه الحالِ المستقرَّةِ لهُم وعلى هذا التفسير المتقدم .