Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 152-154)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ } الآية . المفعول الثاني من مفعولي - الاتِّخاذِ - محذُوف ، والتقديرُ ، اتَّخذوا العجل إلهاً ومَعْبُوداً ، يدلُّ على هذا المحذوف قوله تعالى : { فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ } [ طه : 88 ] وللمفسرين ههنا طريقان : أحدهما : المراد بالذين اتَّخَذُوا العجل قوم موسى ، وعلى هذا فيه سؤال هو أن أولئك القوم تَابَ اللَّهُ عليهم : بأن قتلوا أنفسهم في معرض التَّوْبَةِ على ذنبهم ، وإذا تاب الله عليهم فكيف قيل في حقِّهم : { سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } ؟ ويُجاب عنه بأن ذلك الغضب إنَّما حصل في الدُّنْيَا لا في الآخرة ، وهو أنَّ اللَّهَ تعالى أمرهم بقتل أنفسهم والمُرَادُ بقوله : { وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } هو أنَّهُمْ قد ضَلُّوا فَذُلُّوا . فإن قيل : السِّينُ في قوله سَيَنالُهُمْ للاستقبال ، فكيف يحمل هذا على حكم الدُّنيا ؟ فالجواب : أنَّ هذا حكاية عَمَّا أخبر اللهُ به موسى حين أخْبَرَهُ بافتتان قومه ، واتِّخاذهم العِجْلَ ، وأخبره في ذلك الوقت أن سَيَنالُهُمْ غضبٌ من ربهم وذلَّةٌ ، فكان هذا الكلامُ سابقاً على وقوعهم في القَتْل وفي الذِّلَّة فَصَحَّ هذا التَّأويل . الطريق الثاني : أنَّ المُرادَ بالذين اتَّخَذُوا العجلَ أبناؤهم الذين كانوا في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فيه وجهان : أحدهما : أنَّ العرب تعير الأبناء بقبائح أفعال الآباء كما يفعل ذلك في المناقبِ ؛ يقولون للأبناء فعلتم كذا وكذا ، وإنَّمَا فعل ذلك أسلافهم كذلك ههنا . قال عطيَّةُ العوفيُّ : أراد بهم اليهود الذين كانوا في عصر النَّبي صلى الله عليه وسلم ، عَيَّرهُم بصنع آبائهم ونسبه إليهم ، ثمَّ حكى عليهم بأنَّهُ : { سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ } في الآخرةِ : { وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } أراد : ما أصَابَ بني قريظة والنَّضير من القتل والجلاء . وقال ابنُ عبَّاسٍ : هي الجزية . الوجه الثاني : أن يكون التقديرُ : { إنَّ الذينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ } أي الذين باشرُوا ذلك سَيَنالُهُمْ أي : سينال أولادهم ، ثم حذف المضاف لدلالة الكلام عليه . ثمَّ قال : { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } أي : ومثل ذلك النِّيل والغضب والذِّلّة " نَجْزِي المُفْترينَ " الكاذبين . قال أبُو قلابة : " هو واللَّه جزاء كلِّ مفترٍ إلى يوم القيامة أن يذلَّه اللَّهُ " . وقال سفيان بنُ عيينة : " هذا في كل مبتدع إلى يوم القيامة " . وقال مالكُ بْنُ أنسٍ : " ما من مُبْتَدع إلاَّ ويجدُ فوق رأسه ذِلَّة " . قوله : { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } مبتدأ وخبره قوله إنَّ ربَّكَ إلى آخره . والعائد محذوف ، والتقدير : غفورٌ لهم ورحيم بهم ، كقوله : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [ الشورى : 43 ] أي منه . قوله : مِن بَعْدِهَا يجوز أن يعود الضمير على السّيِّئاتِ ، وهو الظاهر ، ويجوز أن يكون عائداً على التوبة المدلول عليها بقوله : " ثُمَّ تَابُوا " أي : من بعد التوبة . قال أبو حيان : " وهذا أوْلَى ، لأنَّ الأوَّلَ يلزُم منه حذفُ مضافٍ ومعطوفه ، إذ التقدير : من بعد عمل السّيئات والتوبة منها " . قوله : " وَآمَنُوا " يجوزُ أن تكونَ الواوُ للعطفِ ، فإن قيل : التَّوبة بعد الإيمان ، فكيف جاءت قبله ؟ فيقال الواو لا تُرتِّبُ ، ويجوز أن تكون الواوُ للحال ، أي : تَابُوا ، وقد آمنوا { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } . قوله : " وَلَمَّا سَكَتَ " السُّكُوتُ والسُّكَاتُ قطعُ الكلامِ ، وهو هنا استعارةٌ بديعة . قال الزمخشريُّ : هذا مثلٌ كأنَّ الغضبَ كان يُغْريهِ على ما فعل ويقول له : قل لقومك كذا ، وألْقِ الألواحَ وخُذْ برأس أخيك إليك ، فترك النُّطق بذلك ، وترك الإغراء به ، ولم يستحسن هذه الكلمة ، ولمْ يَسْتفصِحْهَا كلُّ ذي طبع سليم وذوق صحيح إلاَّ لذلك ، ولأنَّهُ من قبيل شُعَب البلاغة ، وإلاَّ فما لقراءة معاوية بن قرة : ولمَّا سَكَنَ بالنُّونِ ، لا تجدُ النَّفس عندها شيئاً من تلك الهمزة وطرفاً من تلك الرَّوعة ؟ وقيل : شَبَّه جمود الغذب بانقطاع كلام المُتكلِّم . قال يونسُ : " [ سال ] الوادي ثم سكت فهذا أيضاً استعارةٌ " . وقال الزَّجَّاجُ : مصدر : سَكَتَ الغَضَبُ : السكتةُ ، ومصدر : سَكَتَ الرَّجلُ : السُّكُوتُ وهو يقتضي أن يكون " سكت الغضبُ " فعلاً على حدته . وقيل : هذا من باب القلب ، والأصلُ : ولما سكت موسى عن الغضب ، نحو : أدْخَلْتُ القَلَنْسُوَةَ في رَأسِي ، أي : أدخلت رأسي في القلنسوة . قاله عكرمةُ : وهذا ينبغي أن لا يجوز لعدم الاحتياج إليه ، مع ما في القلب من الخلافِ المُتقدِّم . وقيل المُرادُ بالسُّكوت : السُّكون والزَّوال ، وعلى هذا جاز سَكَتَ عن مُوسَى الغَضَبُ ولا يجوزُ صمت ؛ لأن سَكَتَ بمعنى سكن ، وأما صَمَتَ بمعنى سدَّ فاه عن الكلام ، فلا يجوزُ في الغضب . فصل ظاهرُ الآية يدلُّ على أنَّه - عليه الصلاة والسلام - لمَّا عرف أن أخاه هارون لم يقع منه تقصير وأظهر له صحة عذرة ، فحينئذ سكن غضبهُ ، وهو الوقت الذي قال فيه : { رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي } . وقوله : " أخَذَ الألوَاحَ " ظاهر هذا يدلُّ على أن شيئاً منها لم ينكسر ، ولم يرفع منها ستة أسباعها كما نقل عن بعضهم . وقوله : { وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى } هذه الجملة في محلِّ نصب على الحال من الألوَاح ، أو من ضمير مُوسَى والأوَّلُ أحسنُ . وهذا عبارةٌ عن النَّقْلِ والتَّحويل فإذا كتب كتاب عن كتاب حرف بعد حرف قلبت نُسخَةُ ذلك الكتاب ، كأنَّك نقلت ما في الأصل إلى الكتاب الثاني . قال ابنُ عبَّاسٍ : لمَّا ألقَى موسى الألواح فتكسّرت صام أربعين يوماً ، فأعَادَ اللَّهُ الألواح وفيها نفس ما في الأولى ، فعلى هذا قوله " وفِي نُسْخَتِهَا " أي : " وفيما نسخ منها " وإن قلنا : الألواح لم تنكسر ، وأخذها موسى بأعيانها ؛ فلا شك أنَّها مكتوبة من اللَّوح المحفوظ فهي نسخ على هذا التقدير . وقوله : " هُدًى ورَحْمَةٌ " أي : هدى من الضلالة ، ورحمة من العذاب . قوله : " لِلَّذِين " متعلق بمحذوف ؛ لأنه صفةٌ لرَحْمَة أي : رحمة كائنة للَّذين ، يجوزُ أن تكون اللاَّم لامَ المفعول من أجله ، كأنَّه قيل : هُدًى ورحمةٌ لأجْلِ هؤلاء ، وهُمْ مبتدأ ويَرْهَبُونَ خبره ، والجملةُ صلة الموصول . قوله : لِرَبِّهم يَرْهَبُونَ . في هذه اللاَّم أربعةُ أوجُهٍ : أحدها أنَّ اللاَّم مقوية للفعل لأنَّهُ لمَّا تقدَّم معمولُه ضَعُفَ فقوي باللاَّم كقوله : { إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [ يوسف : 43 ] وقد تقدَّم أنَّ اللاَّم تكونُ مقويةً حيث كان العاملُ مؤخراً أو فرعاً نحو : { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ هود : 107 ] ولا تُزَادُ في غير هذين إلا ضرورةً عند بعضهم ؛ كقول الشاعر : [ الوافر ] @ 2586 - ولمَّا أنْ تَواقَفْنَا قَليلاً أنَخْنَا لِلكَلاكِلِ فَارْتَمَيْنَا @@ أو في قليل عند آخرين ؛ كقوله تعالى : { رَدِفَ لَكُم } [ النمل : 72 ] . والثاني : أنَّ اللاَّم لامُ العلَّةِ وعلى هذا فمفعولُ يَرْهَبُونَ محذوفٌ ، تقديره : يرهبونَ عقابه لأجله ، أي لأجل ربهم لا رياء ولا سمعة وهذا مذهب الأخفش . الثالث : أنَّها متعلقةٌ بمصدرٍ محذوف ، تقديره : الذين هم رهبتهم لربهم . وهو قول المُبَرِّدِ وهذا غيرُ جارٍ على قواعد البصريين ، لأنَّهُ يَلْزَمُ منه حَذْفُ المصدر ، وإبقاءُ معموله ، وهو ممتنعٌ إلاَّ في شعرٍ ، وأيضاً فهو تقدير مخرج للكلام عن فصاحته . الرابع : أنَّها متعلقةٌ بفعلٍ مُقَدِّرٍ أيضاً ، تقديره : يخشعون لربَّهم . ذكرهُ أبُو البقاء ، وهو أولى مِمَّا قبله . وقال ابْنُ الخطيبِ : قد يزادُ حرفُ الجرِّ في المفعول ، وإن كان الفعل متعدياً ، كقوله : قرأتُ في السُّورة وقرأت السُّورةَ ، وألْقَى يَدَهُ " وألقى بيده " ، قال تعالى { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } [ العلق : 4 ] فعلى هذا تكون هذه اللام صلةً وتأكيداً كقوله { رَدِفَ لَكُم } [ النمل : 72 ] ، وقد ذكروا مثل هذا في قوله : { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } [ آل عمران : 73 ] .