Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 194-195)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : " إنَّ الذينَ " العامَّةُ على تشديدِ إنَّ والموصولُ اسمها ، وعبادٌ خبرها ، وقرأ سعيدُ بنُ جبيرٍ بتخفيف إنْ ونصب عباد وأمثالكم ، وخرَّجها ابن جني وغيره أنها إنْ النَّافيةُ وهي عاملةُ عمل ما الحجازية وهو مذهب الكسائي وأكثر الكوفيين غير الفراء ، وقال به من البصريين : ابن السراج والفارسي وابن جنِّي ، واختلف النقل عن سيبويه والمبرد ، والصحيحُ أنَّ إعمالها لغةٌ ثاتبة نظماً ونثراً ؛ وأنشدوا : [ المنسرح ] @ 2649 - إنْ هُوَ مُسْتَوْلِياً على أحَدٍ إلاَّ على أضْعَفِ المجانينِ @@ ولكن قد استشكلوا هذه القراءة من حيث إنها تنفي كونهم عباداً أمثالهم ، والقراءة الشهيرة تُثْبِتُ ذلك ولا يجوزُ التَّناقض في كلام اللَّهِ تعالى . وقد أجَابُوا عن ذلك بأنَّ هذه القراءة تُفْهِمُ تحقير أمرِ المعبودِ من دون اللَّهِ وعبادة عابِدِه . وذلك أنَّ العابدين أتَمُّ حَالاً وأقدرُ على الضرِّ والنَّفْعِ من آلهتهم فإنَّهَا جمادٌ لا تفعل شيئاً من ذلك ، فكيف يَعْبُدُ الكاملُ من هُو دُونَه ؟ فهي موافقةٌ للقراءة المتواترة بطريق الأولى . وقد ردَّ أبو جعفرٍ هذه القراءة بثلاثة أوجه : أحدها : أنَّهَا مخالفةٌ لسواد المصحفِ . والثاني : أن سيبويه يختار الرفع في خبر إنْ المخففة فيقول : " إنْ زيدٌ منطلقٌ " ؛ لأنَّ عمل ما ضعيف وإنْ بمعناها ، فهي أضعف منها . الثالث : أنَّ الكسائي لا يرى أنَّهَا تكون بمعنى ما إلاَّ أن يكون بعدها إيجاب ، وما ردَّ به النَّحَّاسُ ليس بشيءٍ ؛ لأنَّهَا مخالفةٌ يسيرة . قال أبُو حيان : يجوزُ أن يكون كتب المنصوب على لغة ربيعة في الوقف على المنون المنصوب بغير ألف ، فلا تكون مخالفةً للسَّواد . وأمَّا سيبويه فاختلف النَّاسُ في الفهم عنه في ذلك . وأمَّا الكسائيُّ فهذا القيد غير معروف له . وخرَّج أبو حيَّان القراءة على أنَّها إنْ المخففة . قال : وإنْ المخففة تعمل في القراءة المتواترة كقراءة { وَإِنَّ كُـلاًّ } [ هود : 111 ] ثُمَّ إنَّها قد ثبت لها نصبُ الجُزأين ؛ وأنشد : [ الطويل ] @ 2650 - … إنَّ حُرَّاسنَا أُسْدَا @@ قال : وهي لغة ثابتة ثم قال : فإن تأوَّلُوا ما ورد من ذلك ؛ نحو : [ الرجز ] @ 2651 - يَا لَيْتَ أيَّامَ الصِّبَا رَوَاجِعا @@ أي : تُرَى رواجعاً ، فكذلك هذه يكون تأويلها : إن الذين تدعون من دون الله خلقناهم عباداً أمثالكم . قال شهابُ الدِّين : فيكون هذا التَّخريج مبنياً على مذهبين . أحدهما : إعمالُ المخفَّفة . وقد نصَّ جماعة من النحويين على أنَّه أقل من الإهمال ، وعبارة بعضهم أنَّهُ قليل ، ولا أرتضيه قليلاً لوروده في المتواتر . الثاني : أنَّ إنَّ وأخواتها تنصب الجزأين ، وهو مذهبٌ مرجوح ، وقد تحصَّل في تخريج هذه القراءة ثلاثةُ أوجه : كون إنْ نافية عاملة ، والمخففة الناصبة للجزءين ، أو النصب بفعل مقدر هو خبر لها في المعنى . وقرأ بعضهم إنْ مخففة ، عباداً نصباً أمثالكم رفعاً ، وتخريجها على أن تكونَ المخففة وقد أهملت والذين مبتدأ ، و " تَدْعُونَ " صلتها والعائدُ محذوف ، وعباداً حال من ذلك العائد المحذوفِ ، أمثالكُم خبره ، والتقدير : إنَّ الذين تدعونهم حال كونهم عباداً أمثالكم في كونهم مخلوقين مملوكين ، فكيف يُعْبَدُون ؟ ويضعفُ أن يكون الموصول اسماً منصوب المحل ؛ لأن إعمال المخففة كما تقدَّم قليلٌ . وحكى أبُو البقاءِ أيضاً قراءةً رابعةً وهي بتشديدِ إنَّ ونصب عباد ورفع أمثالكم وتخريجها على ما تقدم قبلها . فصل في الآية سؤال : وهو أنه كيف يحسن وصف الأصنام بأنَّها عباد مع أنها جمادات ؟ والجواب : من وجوه : أحدها : أن المشركينَ لمَّا ادعوا أنَّها تضر وتنفعُ ؛ وجب أن يعتقدوا فيها كونها عاقلة فاهمة ، فلهذا وردت هذه الألفاظ وفق اعتقادهم ؛ ولهذا قال : { فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } [ الأعراف : 194 ] . وقال : " إنَّ الذينَ " ولم يقل : " إنَّ الَّتي " . وثانيها : أن هذا اللَّفظ ورد في معرض الاستهزاء بهم أي : أمرهم أن يكونُوا أحياءً عقلاء فإن ثبت ذلك فهم عبادٌ أمثالكم ، ولا فضل لهم عليكم ، فَلِمَ جعلتُم أنفسكم عبيداً وجعلتموها آلهة وأرباباً ؟ ثم أبطل أن يكونوا عباداً فقال : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ } ثم أكَّد البيان بقوله { فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } . ومعنى هذا الدعاء طلب المنافع وكشف المضار من جهتهم واللام في قوله : { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } لام الأمر على معنى التَّعجيزِ ، ثمَّ لمَّا ظهر لكلِّ عاقل أنها لا تقدر على الإجابة ظهر أنَّها لا تصلح للعبادة ، ونظيره قول إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - { لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } [ مريم : 42 ] وقوله : { إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ } في أنَّها آلهة ومستحقَّة للعبادة . وثالثها : قال مقاتل : الخطابُ مع قوم كانوا يعبدون الملائكة . قوله : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } قرأ العامَّةُ بكسر الطاء ، من بطش يبطش ، وقرأ أبو جعفر وشيبة ، ونافع في رواية عنه : يَبْطُشُونَ بضمها ، وهما لغتان ، وهما لغتان ، والبَطْشُ ، الأخْذُ بقوة . واعلم أنَّهُ تعالى ذكر هذا الدَّليل لبيان أنه يقبح من الإنسان العاقل أن يعبد هذه الأصنام ؛ لأنَّ هذه الأعضاء الأربعة إذا كان فيها القوى المحركة والمدركة كانت أفضل منها إذا كانت خالية عن هذه القوى ، فالرِّجلُ القادرةُ على المشي ، واليد القادرةُ على البَطْشِ أفضل من اليد والرجل الخاليتين عن قوة الحركة والحياة ، والعينُ البَاصرةُ والأذنُ السَّامعة أفضل من العين والأذن الخاليتين عن القوة السَّامعة ، والباصرة ، وعن قوَّةِ الحياة . وإذا ثبت ذلك ظهر أن الإنسان أفضل بكثير من الأصنام بل لا نسبة لفضيلة الإنسان إلى فضيلة الأصنام ألبتة . وإذا كان كذلك فكيف يليقُ بالأفضل والأكمل الأشرف أن يعبد الأخسّ الأدون الذي لا يحصل منه فائدة ألبتَّة ، لا في جلب منفعة ولا في دفع مضرَّة . قوله : { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ } قرأ أبُو عمرو كِيدُونِي بإثبات الياءِ وصلاً ، وحذفها وقفاً وهشام بإثباتها في الحالين ، والباقون بحذفها في الحالين ، وعن هشامٍ خلاف مشهور قال أبُو حيان : وقرأ أبُو عمرو وهشام بخلاف عنه فكيدُونِي بإثبات الياءِ وصلاً ووقفاً . قال شهابُ الدِّينِ : أبو عمرو لا يثبتها وقفاً ألبتَّة ، فإنَّ قاعدته في الياءاتِ الزائدة ما ذكرته ، وفي قراءة فَكِيدُونِي ثلاثةُ ألفاظٍ ، هذه وقد عُرف حكمُهَا ، وفي هود : " فكيدوني جميعاً " أثبتها القراء كلهم في الحالين . وفي المُرسلاتِ : { فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ } [ الآية : 39 ] حذفها الجميعُ في الحالين وهذا نظيرُ ما تقدَّم في قوله { وَٱخْشَوْنِي } [ البقرة : 150 ] فإنَّها في البقرة ثابتةٌ للكلّ وصلاً ووقفاً ، ومحذوفةٌ في أوَّل المائدة ، ومختلف في ثانيتها . فصل والمعنى : ادعُوا شركاءكم يا معشر المشركين ثمَّ كيدوني أنتم وهم فلا تُنظِرُون أي لا تمهلون واعجلوا في كيدي ليظهر لكم أنَّ لا قدرة لها على إيصال المضار بوجه من الوجوه .