Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 196-198)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ } العامة على تشديد وَلِيِّيَ مضافاً لياء المتكلم المفتوحة ، وهي قراءة واضحة أضاف الوليَّ إلى نفسه . وقرأ أبو عمرو في بعض طرقه " إنَّ وليَّ " بياء واحدة مشددة مفتوحة ، وفيها تخريجان : أحدهما : قال أبُو عليٍّ : إن ياء " فعيل " مدغمةٌ في ياء المتكلم ، وإنَّ الياء التي هي لام الكلمة محذوفةٌ ، ومنع من العكس . والثاني : أن يكون وليَّ اسمها ، وهو اسمُ نكرة غيرُ مضافِ لياء المتكلم ، والأصلُ : إنَّ وليًّا الله فـ " وليًّا " اسمها والله خبرها ، ثم حذف التنوين ؛ لالتقاء الساكنين ؛ كقوله : [ المتقارب ] @ 2652 - فأَلْفَيْتُه غَيْر مُسْتَعْتبٍ ولا ذَاكِر اللَّهَ إلاَّ قَلِيلا @@ وكقراءة من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدُ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } [ الإخلاص : 1 - 2 ] ولم يبق إلاَّ الإخبارُ عن نكرةٍ بمعرفة ، وهو واردٌ . قال الشاعر : [ الطويل ] @ 2653 - وإنْ حَرَاماً أن أسُبَّ مُجَاشِعاً بآبَائِي الشمِّ الكِرَامِ الخَضَارِمِ @@ وقرأ الجحدريُّ في رواية إنَّ وليِّ الله بكسر الياءِ مشددة ، وأصلها أنَّهُ سكن ياء المتكلم ، فالتقت مع لام التعريف فحذفت ، لالتقاء الساكنين ، وبقيت الكسرةُ تدلُّ عليها نحو : إنَّ غلام الرَّجلُ . وقرأ في رواية أخرى إنَّ وليَّ اللَّهِ بياء مشددة مفتوحة ، والجلالة بالجرِّ ، نقلهما عنه أبو عمرو الدَّاني أضاف الولي إلى الجلالةِ . وذكر الأخفشُ وأبو حاتم هذه القراءة عنه ، ولمْ يذكرا نَصْبَ الياء ، وخرَّجها النَّاسُ على ثلاثة أوجه : الأولُ : قولُ الأخفش - وهو أن يكون وَليّ الله اسمُها والَّذي نزَّلَ الكتاب خبرها ، والمراد بـ " الذي نزّل الكتابَ " جبريل ، لقوله تعالى : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [ الشعراء : 193 ] : { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ } [ النحل : 102 ] إلاَّ أنَّ الأخفش قال في قوله { وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } هو من صفة الله قطعاً لا من صفة جبريل ، وفي تحتم ذلك نظرٌ . والثاني : أن يكون الموصوف بتنزيل الكتاب هو الله تعالى ، والمراد بالموصول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ويكون ثمَّ عائدٌ محذوفٌ لفهم المعنى والتقدير إنَّ وليَّ الله النبيُّ الذي نزَّل الله الكتاب عليه ، فحذف عليه وإن لم يكن مشتملاً على شروط الحذف ، لكنَّه قد جاء قليلاً ، كقوله : [ الطويل ] @ 2654 - وإنَّ لِسَانِي شُهْدَةٌ يُشْتَفَى بِهَا وهُوَّ على مَنْ صَبَّهُ اللَّهُ عَلْقَمُ @@ أي : صبه اللَّهُ عليه ، وقال آخر : [ الطويل ] @ 2655 - فأصْبَحَ مِنْ أسْمَاءَ قَيْسٌ كقَابضٍ عَلى المَاءِ لا يَدْرِي بِمَا هُوَ قَابِضُ @@ أي بما هو قابض عليه . وقال آخر : [ الطويل ] @ 2656 - لَعَلَّ الَّذي أصْعَدْتني أنْ يَرُدَّنِي إلى الأرْضِ إنْ لَمْ يَقْدرِ الخَيْرَ قَادِرُه @@ أي : أصعدتني به . وقال آخر : [ الوافر ] @ 2657 - ومِنْ حَسَدٍ يَجُوزُ عَليَّ قَوْمِي وأيُّ الدَّهْر ذُو لم يَحْسُدُونِي @@ أي يحسدوني فيه . وقال آخر : [ الطويل ] @ 2658 - فَقُلْتُ لهَا لاَ والَّذي حَجَّ حَاتِمٌ أخُونُكِ عَهْداً إنَّنِي غَيْرُ خَوَّانِ @@ أي : حج إليه ، وقال آخر : [ الرجز ] @ 2659 - فأبْلِغَنَّ خَالدَ بنَ نَضْلَةٍ والمَرْءُ مَعْنِيٌّ بِلوْمِ مَنْ يَثقْ @@ أي : يثقُ به . وإذا ثبت أنَّ الضمير يُحْذَف في مثل هذه الأماكن ، وإن لم يكمل شرطُ الحذف فلهذه القراءة الشاذة في التخريج المذكور أسوةٌ بها . والثالث : أن يكون الخبر محذوفاً تقديره : إنَّ وليَّ الله الصَّالحُ ، أو من هو صالح وحذف ، لدلالة قوله : { وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } وكقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ } [ فصلت : 41 ] أي : معذبون ، وكقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ } [ الحج : 25 ] . فصل المعنى { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ } يعني القرآن ، أي : يتولاّني وينصرني كما أيَّدني بإنزال الكتابِ { وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } قال ابنُ عباسٍ : " يريد الذين لا يعدلُون بالله شيئاً ، فاللَّهُ يتولاهم بنصره ولا يضرهم عداوة من عاداهم " . قوله : { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } . وفيه قولان : الأول : أن المراد منه وصف الأصنام . فإن قيل : هذه الأشياءُ مذكورة في الآيات المتقدمة ، فما الفائدةُ في تكريرها ؟ فالجوابُ : قال الواحديُّ : إنَّما أعيد ؛ لأنَّ الأول مذكورٌ للتَّقريع ، وهذا مذكورٌ للفرق بين من تجوز له العبادة ومن لا تجوز ، كأنَّهُ قيل : الإله المعبودُ يجبُ أن يكون بحيثُ يتولّى الصَّالحين ، وهذه الأصنام ليست كذلك فلا تكن صالحة للإلهية . القول الثاني : أنَّ هذه الأحوال المذكورة صفات لهؤلاء المشركين الذين يدعون غير اللَّهِ يعني أنَّ الكفار كانُوا يخوفون رسول الله وأصحابه ، فقال تعالى : إنهم لا يقدرون على شيء بل إنهم قد بلغوا في الجهل والحماقة إلى أنك لو دعوتهم وأظهرت أعظم أنواع الحجة والبرهان لم يسمعوا ذلك بعقولهم ألبتة . فإن قيل : لَمْ يتقدَّم ذكر المشركين ، وإنما تقدَّم ذكر الأصنام فكيف يصح ذلك ؟ والجوابُ : أن ذكرهم تقدم في قوله تعالى : { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ } [ الأعراف : 195 ] . قوله : { وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } فإن حملنا هذه الصفات على الأصنام فالمرادُ من كونها ناظرة كونها مقابلة بوجهها وجوه القوم من قولهم : جبلان متناظران أي : مُتقابلان ، وإن حملناها على المُشركين أي إنهم وإن كانُوا ينظرون إلى النَّاسِ إلاَّ أنهم لشدَّةِ إعراضهم عن الحقِّ لم ينتقعوا بذلك النَّظِر ، والرُّؤيةِ ؛ فصاروا كأنَّهُمْ عمي .