Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 22-22)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

" الباء " للحال أي : مصاحبين للغرور ، أو مصاحباً للغرور فهي حال : إمَّا من الفاعل ، أو من المفعول ويجوز أن تكون الباءُ سببيَّةً أي : دَلاَّهُمَا بسببِ أنْ غَرَّهُمَا . والغُرُورُ : مصدرٌ حُذف فَاعِلُهُ ومفعوله ، والتقديرُ : بِغُروره إيَّاهُمَا وقوله : " فَدَلاَّهُمَا " يحتملُ أن يكون من التَدْلِيَةِ من معنى دَلاَ دَلْوَه في البِئْرِ ، والمعنى أطمعهما . قال أبُو منصور الأزْهَرِيُّ : لهذه الكلمة أصلان : أحدهما : أن يكون أصْلُهُ أن الرَّجُلَ العَطْشَانَ يُدْلِي رِجْلَهُ في البئر ليأخذ الماء ، فلا يجدُ فيها ماء فوضعت التَّدْلية موضع الطَّمعِ فيما لا فائدة فيه ، يقالُ : دَلاَّهُ : إذا أطْمَعَهُ . قال أبُو جنْدَبٍ : [ الوافر ] @ 2436 - أحُصُّ فَلاَ أُجِيرُ ومَنْ أُجِرْهُ فَلَيْسَ كَمَنْ تَدَلَّى بالغُرُورِ @@ وأن تكون من الدَّالِّ ، والدَّالَّةَ ، وهي الجُرْأة [ أي ] : فَجَرَّأهما قال : [ الوافر ] @ 2437 - أظُنُّ الحِلْمَ دَلَّ عَلَيَّ قَوْمِي وقدْ يُسْتَجْهَلُ الرَّجُلُ الحَلِيمُ @@ وعلى الثاني [ يكون ] الأصل دَلَّلَهُمَا ، فاستثقل توالي ثلاثةِ أمثال فأبدلت الثَّالث حرف لين كقولهم : تَظنَّيْتُ في تظَّننْت ، وقَصَّيْتُ أظْفَارِي في قَصَصْتُ . وقال : [ الرجز ] @ 2438 - تَقَضِّيَ البَازِي إذا البَازِي كَسَرْ @@ فصل في معنى " فدلاهما بغرور " قال ابنُ عبَّاس " فَدلاَّهُمَا بِغُرُورٍ " أي غرهما باليمين وكان آدمُ يظنُّ أنَّ أحداً لا يحلف كَاذِباً باللَّه . وعن ابن عمر أنَّهُ كان إذا رَأى من عبيده طاعةً وحسن صلاة أعْتَقَهُ فكان عبيدُهُ يفعلون ذلك طلباً لِلْعتْقِ فقيل له إنَّهُم يخدعُونَكَ فقال : من خَدَعَنَا باللَّهِ ؛ انخدعنا له . قيل معناه ما زال يخدعه ، ويكلمه بزخرف من القول باطل . وقيل حطَّهُمَا من مَنْزِلَةِ الطَّاعَةِ إلى حالةِ المَعْصية ، ولا يكونُ الدلوى إلاَّ من علوٍّ إلى أسْفَلٍ . قوله : { فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ } " الذَّوْقُ " وجود الطَّعْمِ بالفَم ، ويعبر به عن الأكل وقيل : الذَّوْقُ مَسُّ الشَّيْءِ باللِّسانِ ، أو بالفَمِ يُقَالُ فيه : ذاق يَذُوقُ ذُوْقاً مثل صَامَ ، يَصُومُ صَوْماً ، ونَامَ يَنَامُ نَوْماً . وهذه الآية تدل على أنهما تناولا البُرَّ قَصْداً إلى معرفة طعمه ، ولولا أنَّهُ تعالى ذكر في آية أخرى أنَّهُمَا أكلا منها لكان ما في هذه الآية لا يدُلُّ على الأكل ؛ لأنَّ الذَّائِقَ قد يكونُ ذَائِقاً من دون أكل . قوله : { بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } أي ظهرت عَوْرَتُهُمَا وزال اللِّبَاسُ عنهما . روي عن ابن عباس أنَّهُ قال : قبل أن ازدردا أخذتهما العقوبة وظهرت لهما عورتهما ، وتهافت لباسهما حتى أبْصَر كُلُّ واحدٍ منهما ما وُوْرِيَ عنه من عَوْرَةِ صَاحبهِ فكانَا لا يريان ذلك . قوله " وطَفِقَا " طَفِقَ من أفعال الشُّرُوعِ كأخَذَ وجعل ، وأنْشَأ وعلَّق وهبَّ وانبرى ، فهذه تَدُلُّ على التَّلَبُّسِ بأوَّلِ الفِعْلِ ، وحكمها حكم أفْعَالِ المُقاربَةِ من كون خبرها لا يكون إلاَّ مُضَارِعاً ، ولا يجوز أن يقترن بـ " أن " لمنافاتها لها ؛ لأنها للشُّروع وهو حال و " أنْ " للاستقبال ، وقد يقعُ الخبرُ جملة اسمية كقوله : [ الوافر ] @ 2439 - وَقَدْ جَعَلَتْ قَلُوصُ بَنِي سُهَيْلٍ مِنَ الأكْوَارِ مَرْتَعُهَا قَرِيبُ @@ وشرطيَّة كـ " إذا " كقوله عمر : " فَجَعلَ الرَّجُلُ إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً " . ويقال طَفِقَ بفتح الفاء وكسرها ، وطَبِقَ بالباء الموحدة أيضاً ، والألف اسمها ، و " يَخْصِفَان " خَبَرُهَا . وقرأ أبُو السمالِ : " وطَفَقَا " بفتح الفاء . وقرأ الزُّهْرِيُّ : " يُخْصِفَانِ " بضم حرف المضارعة من أخْصَفَ وهي تحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون أفْعَلَ بمعنى فَعَلَ . والثاني : أن تكون الهَمْزَةُ للتَّعْديَة ، والمَفْعُولُ على هذا مَحْذُوفٌ ، أي : يُخْصِفَانِ أنفسهما ، أي : يَجْعلانِ أنفسَهُمَا خاصِفَيْنِ . وقرأ الحسنُ ، والأعرجُ ومُجاهِدٌ وابْنُ وثَّابٍ " يَخِصِّفانِ " بفتح الياء وكسر الخاء ، والصَّاد مشدودةٌ ، والأصْلُ يَخْتَصِفَانِ ، فأدغمت التَّاءُ في الصَّادِ ، ثم أتْبعت الخَاءُ للصَّادِ في حركتها ، وسيأتي نظيرُ هذه القراءة في " يُونس " و " يس " نحو { يُهْدَيۤ } [ يونس : 35 ] و { يَخِصِّمُونَ } [ يس : 49 ] . وروى مَحْبُوبٌ عن الحسنِ كذلك إلاَّ أنَّهُ فتح الخاء ، فلم يُتْبِعْها للصَّادِ وهي قراءةُ يعقوب وابْنِ بُرَيْدَةَ . وقرأ عبد الله " يُخُصِّفان " بضمِّ الياءِ والخَاءِ وكسر الصَّادِ مشدودة وهي من " خَصَّفَ " بالتَّشديد ، إلاَّ أنَّهُ أتبع الخاء للياء قبلها في الحركةِ ، وهي قراءة عَسِرةُ النُّطْقِ . ويَدُلُّ على أنَّ أصْلها مِنْ خَصَّفَ بالتَّشديدِ قِراءةُ بعضهم " يُخَصِّفَان " كذلك ، إلاَّ أنَّهُ بفتح الخاء على أصلها . و " الخصفُ " : الخَرْزُ في النِّعَالِ ، وهو وَضع طريقة على أخرى وخرْزهما ، والمِخْصَفُ : ما يُخْصَفُ به ، وهو الإشفَى . قال رُؤبَةُ : [ الكامل ] @ 2440 - … أنْفِهَا كالمِخْصَفِ @@ والخَصْفَةُ أيضاً : الحُلَّةُ للتَّمْر ، والخَصَفُ : الثِّيابُ الغَلِيظَةُ ، وخَصَفْتُ الخَصْفَةَ : نَسَجْتُهَا ، والأخْصَف : الخَصِيفُ طعام يبرق ، وأصْلُهُ أن يُوضَعَ لَبَنٌ ونحوه في الخَصْفَةِ فَيتلوَّنُ بلونها . وقال العبَّاسُ يمدحُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : [ المنسرح ] @ 2441 - … طِبْتَ فِي الظِّلالِ وَفِي مُسْتَودَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ @@ يشير إلى الجَنَّةِ أي حَيْثُ يخرز ، ويطابق بعضها فوق بعض . فصل قال المُفَسِّرُون : جعلا يَخْصِفَانِ ويرقعان ويلْزِقَانِ ويصلانِ عليهما من ورق الجنَّةِ ، وهو ورق التِّين حتى صار كهيئة الثَّوْبِ . قال الزَّجَّاجُ : يجعلان ورقةً على ورقةٍ لِيَسْتُرا سَوْءَاتِهِمَا . وروى أبَيُّ بنُ كعبٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان آدَمُ طوالاً كأنَّهُ نَخْلَةٌ سحوق كثير شَعْرِ الرَّأسِ ، فلما وقع بالخطيئة بَدَتْ له سوأته ، وكان لا يراها فانْطَلَقَ هَارِباً في الجنَّةِ ، فعرضت له شجرةٌ من شجر الجنَّةِ فحبسته بشَعْرِهِ فقال لها أرسِلِيني ؛ قالت : لَسْتُ بِمُرْسِلَتكَ ، فَنَادَاهُ ربُّهُ : يا آدمُ أين تَفِرُّ قال : لا يَا رَب ، ولكني استحييتك " . وفي الآية دليل على أنَّ كَشْفَ العَوْرَةِ قبيحٌ من لدن آدم ، ألا تَرَى أنَّهُمَا كيف بادرا إلى السَّتْرِ ، لما تقرَّر في عقلهما من قُبْحِ كَشْفِ العورة . قوله : " عليهما " قال أبُو حيَّان : الأَوْلى أن يعود الضَّمِيرُ في " عليهما " على عَوْرَتَيْهِمَا ، كَأنَّهُ قيل : يَخْصِفَانِ على سَوْأتيهما ، وعاد بضمير الاثنين ؛ لأنَّ الجمع يُرَادُ به اثنان . ولا يَجُوزُ أن يعود الضَّمِيرُ على آدَمَ وحوَّاءَ ؛ لأنَّهُ تَقرَّرَ في علم العربيَّةِ أنَّهُ لا يتعدَّى من فعل الظَّاهِرِ والمُضْمَرِ المتَّصل إلى الضمير المتصل المنصوب لفظاً أو مَحَلاًّ في غير باب " ظَنّ " ، و " قَعَدَ " و " عَدمَ " ، و " وَجَد " لا يجُوزُ زيد ضربه ، ولا ضَرَبَهُ زيد ، ولا زَيْدٌ مَرَّ به ، ولا مَرَّ به زيدٌ ، فلو جعلنا الضَّمِيرَ في " عَلَيْهِمَا " عائداً على آدم وحوَّاءَ لَلَزِمَ من ذلك تعدِّي يَخْصِفُ إلى الضَّميرِ المنصوب مَحَلاًّ ، وقد رفع الضَّمير المتَّصِل ، وهو الألف في " يَخْصِفَانِ " ، فإن أخِذَ ذلك على حَذْفِ مُضافٍ مراد ؛ جَازَ ذلك ، تقديره : يَخْصِفانِ على بَدَنَيْهِمَا . قال شهابُ الدِّين : ومثل ذلك فيما ذكر { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ } [ مريم : 25 ] . { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ } [ القصص : 32 ] . وقول الشاعر : [ المتقارب ] @ 2442 - هَوِّنْ عليْكَ فإنَّ الأمُورَ بِكَفِّ الإلهِ مَقَادِيرُهَا @@ وقوله : [ الطويل ] @ 2443 - دَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ في حَجَرَاتِهِ ولكِنْ حَدِيثاً ما حَدِيثُ الرَّوَاحِلِ @@ قوله : " مِنْ وَرَقِ " يحتملُ وَجْهَيْنِ : أن تكون " مِن " لابتداءِ الغايةِ وأن تكون للتَّبعيضِ . ؟ و " نَادَاهُمَا رَبُّهُمَا " لم يصرِّحْ هنا باسم المنادى للعلم به . وقوله : " أَلَمْ أنْهَكُمَا " يجوزُ أن تكون هذه الجُمْلَةُ التقديريَّةُ مفسِّرة للنداء لا محلّ لها ويحتمل أن يكُونَ ثَمَّ قول مَحْذُوفٌ ، هي مَعْمُولَةٌ له أي : فقال : ألم أنْهكُمَا . وقال بعضُهُم : هذه الجُمْلَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ بقولٍ مُقدَّرٍ ذلك القَوْلُ حال تقديره : وناداهما قَائِلاً ذلك . و " لَكُمَا " متعلِّقٌ بـ " عَدُوّ " لما فيه من معنى الفِعْل ، ويجوزُ أن تكون متعلِّقة بمَحْذُوفٍ على أنها حالٌ من " عَدُوِّ " ؛ لأنَّهَا تأخَّرَتْ لجاز أن تكون وصفاً له . فصل في قوله " ألم أنهكما " معنى قوله : { أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ } يعني : عن الأكْلِ منها وأقل لَكُمَا : إنَّ الشَّيْطانَ لكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ . قال ابن عبَّاس : بيَّن العداوة حَيْثُ أبى السُّجُود وقال : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الأعراف : 16 ] .