Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 40-40)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا من تمام وعيد الكُفَّارِ فقوله : { كَذَّبُوا بآيَاتِنَا } أي بالدَّلائل الدَّالة التي هي أصول الدِّين فالدهرية ينكرون دلائل إثبات الذَّات والصِّفاتِ ، والمشركون ينكرون دلائل إثبات التوحيد ، ومنكرو النُّبوات يكذبون الدلائل الدالة على صحّة النُّبُوَّات ومنكرو نبوة محمد ينكرون الدلائل الدالة على صحة نبوته ، ومنكرو المعاد ينكرون الدَّلائل الدّالة على صحّة المعاد فقوله : { كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } يتناولُ الْكُلَّ ومعنى الاستكبار طلب التَّرَفُّع بالبَاطِلِ ، وهذا اللَّفظ يَدُلُّ على الذم في حقِّ البَشَرِ . قوله : " لا تُفَتَّحُ " . قرأ أبُو عمر : " لا تُفْتَح " بضمِّ ِالتَّاء من فوق والتَّخفيف والأخوان بالياء من تحت والتخفيف أيضاً ، والباقون : بالتَّأنيث والتشديد . فالتَّأنْيِثُ والتَّذكير باعتبار الجمع والجماعة ، والتخَّفيف والتضعيف باعتبار التكثير وعدمه ، والتضعيف هنا أوْضَحُ لكثرة المتعلق ، وهو في هذه القراءات مبني للمفعول . وقرأ أبُو حَيْوَةَ ، وأبو البرهسم [ " تَفَتَّح " ] بفتح التَّاء مِنْ فوق والتضعيف ، والأصل : لا تتفتح بتاءَيْن فحُذِفت إحداهما ، وقد تقدَّم في { تَتَذَكَّرُونَ } [ الأنعام : 152 ] . ونحوه ، فـ " أبواب " على قراءة أبي حيوة فاعل ، وعلى ما تقدَّم مفعول لم يُسمَّ فاعله . وقرىء : " لا تفتح " بالتاء ، ونصب " الأبْواب " على أن الفعل للآيات وبالياء على أن الفعل للَّه ذكره الزمخشري . فصل في معنى " لا تفتح " قال ابنُ عبَّاسٍ : لا تفتح لأعمالهم لدعائهم مأخوذ من قوله : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [ فاطر : 10 ] . وقال السُّدِّيُّ وغيره : لا تفتح لأرواحهم أبواب السَّمَاءِ وتفتح لأرواح المؤمنين ، ويؤيد هذا ما ورد في الحديث أنَّ روح المؤمن يعرج بها إلى السَّماء فيستفتح لها فيقال : مرحباً بالنَّفْس الطيبة ، التي كانت في الجسد الطيب ، ويقال لها ذلك إلى أن تنتهي إلى السَّماء السابعة ، ويستفتح لروح الكافر ، فقال لها : ارْجِعِي ذميمةً فإنه لا تفتح لك أبوابُ السَّماء ولا يدخلون الجنة بل يهوى بها إلى سجين . وقيل : لا ينزلُ عليهم الخير والبركة لقوله : { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } [ القمر : 11 ] . قوله : { حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ } . الولوج : الدُّخُول بشدّة ، ولذلك يقال : هو الدُّخول في مضيق ، فهو أخصُّ من الدُّخول ، والوليجة : كلُّ ما يعتمده الإنسان ، والوليجة الدَّاخِلُ في قوم ليس منهم . و " الجَمَلُ " قراءة العامة ، وهو الحيوانُ المعروف ، ولا يقال للبعير جملاً إلا إذا بَزَل ، ولا يقال له ذلك إلا إذا بَلَغَ أربع سنين وأول ما يخرج ولد النَّاقة ، ولم تعرف ذُكُوريَّتُهُ وأنوثته يقالُ لَهُ : " سَلِيلٌ " ، فإن كان ذكراً فهو " سَقْبٌ " ، وإن كان أنثى " حَائِلٌ " ، ثم هو " حُوار " إلى الفطام ، وبعده " فَصِيل " إلى سنة ، وفي الثانية : " ابْن مَخَاض " و " بِنْت مَخَاض " ، وفي الثالثة : " ابْن لَبون " و " بنت لبون " ، وفي الرابعة : " حِقٌّ " و " حِقَّة " ، وفي الخامسة : جَذَع وجَذَعة ، وفي السَّادسة : " ثَنِيُّ " و " ثَنِيَّة " ، وفي السَّابعة : رَباع ورَباعية مخففة ، وفي الثامنة : " سدِيسٌ " لهما . وقيل : " سَديسةٌ " للأنثى ، وفي التَّاسعة : " بَازِلٌ " ، و " بَازِلَةٌ " ، وفي العاشرة : " مُخْلِفٌ " و " مُخْلِفةٌ " ، وليس بعد البُزُول والإخلاف سنٌّ بل يقال : بازل عام ، أو عامين ، ومُخْلِف عام ، أو عامين حتى يهرم ، فيقال له : فَوْد . ورد التَّشبيه في الآية الكريمة في غاية الحسن ، وذلك أنَّ الجمل أعظم حيوانٍ عند العربِ ، وأكبره جثَّة حتى قال : [ البسيط ] @ 2463 - … جِسْمُ الجِمَالِ وأحْلاَمُ العَصَافِيرِ @@ [ وقوله ] : [ الوافر ] @ 2464 - لَقَدْ كَبُرَ البَعِيرُ بِغَيْرِ لُبٍّ … @@ وسم الإبرة في غايةِ الضِّيقِ ، فلما كان المثلُ يُضْرَبُ بعظم هذا وكبره ، وبضيق ذلك حتَّى قيل : أضْيقُ من خُرْت إبرة ، ومنه الخِرِّيْتُ وهو البصير بمضايق الطُّرُقِ قيل : لا يدخلون [ الجنة حتى يتقحّم أعظم الأشياء وأكبرها عند العرب في أضيق الأِياء وأصغرها فكأنه لا يدخلون ] حتى يُوجدَ هذا المستَحِيلُ ، ومثله في المعنى قول الشاعر : [ الوافر ] @ 2465 - إذا شَابَ الغُرَابُ أتَيْتُ أهْلِي وَصَارَ القَارُ كاللَّبَنِ الحَلِيبِ @@ وقرأ ابن عبَّاسٍ في رواية ابْنِ حَوْشَبٍ ، ومجاهد ، وابن يعمرَ ، وأبو مجلزٍ والشعبيُّ ، ومالك بن الشِّخِّير ، وابن محيصنٍ ، وأبُو رجاءَ ، وأبو رزين ، وأبان عن عاصمٍ : " الجُمَّل " بضمِّ الجيمِ وفتح الميم مشددة وهو القَلْسُ ، والقَلْس : حبلٌ غليظ ، يجمع من حبال كثيرة فيفتل ، وهو حَبْلُ السَّفِينة . وقيل : الحَبْلُ الذي يُصعد به [ إلى ] النّخل . ويروى عن ابن عباس أنه قال : " إن الله أحسن تشبيهاً أن يشبه بالحبل من أن يشبه بالجَمَلِ " كأنَّهُ رأى - إن صحَّ عنه - أن المناسب لسم الإبرة شيءٌ يناسب الخيط المسلوك فيها . وقال الكِسَائي : " الرَّاوي ذلك عن ابن عباس أعجمي فَشَدَّ الميم " . وضعَّف ابن عطية قول الكسائي بكثرة رواتها عن ابن عباس قراءة . قال شهابُ الدِّين : " ولذلك هي قراءةٌ مشهورة بين النَّاس " . وروى مجاهدٌ عن ابن عباس ضمّ الجيم وفتح الميمِ خفيفة ، وهي قراءة ابن جبير ، وقتادة ، وسالم الأفطس . وقرأ ابْنُ عبَّاسٍ أيضاً في رواية عطاء : " الجُمُل " بضم الجيم والميم مخففة ، وبها قرأ الضحاكُ الجحدري . وقرأ عِكْرِمة ، وابن جبير بضمِّ الجيم ، وسكون الميم . [ وقرأ المتوكل ، وأبُو الجوزاء بالفتح والسُّكون ، وكلُّها لغات في القَلْس المذكور . وسئل ابن مسعود عن الجمل في الآية فقال : " زَوْج النَّاقَةِ " ، كأنه فهم ما أراد السّائل واستغباه ] . قوله : { فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ } متعلق بـ " يلج " ، و " سمّ الخِيَاطِ " ثقب الإبرة ، وهو الخُرْتُ ، وسينه مثلثة ، وكلّ ثُقب ضيق فهو سَمٌّ ، وكلُّ ثقب في البدن ؛ وقيل : كلُّ ثُقْبٍ في أنف أو أذن فهو سَمٌّ وجمعه سموم . قال الفَرَزْدَقُ : [ الطويل ] @ 2466 - فَنَفَّسْتُ عَنْ سَمَّيْهِ حَتَّى تَنَفَّسَا وقُلْتُ لَهُ لا تَخْشَ شَيْئاً وَرَائِيَا @@ والسُّمُّ : القاتل ، وسمي بذلك للطفه وتأثيره في مسامّ البدنِ حتى يصل إلى القلب ، وهو في الأصل مصدرٌ ثم أُريد به معنى الفاعل لدخوله باطن البدنِ ، وقد سمَّه إذا أدخله فيه ، ومنه " السَّامَّة " للخاصة الذين يدخلون بَوَاطِنَ الأمور ومَسَامَّها ، ولذلك يقال لهم : الدّخلُل . والسموم الريح الحادة ؛ لأنَّها تؤثر تأثير السّم القاتل . والخياط والمخيط الآلة التي يخاطُ بها فِعال ومِفْعَل ، كإزار ومئزر ، ولحافٍ ومِلْحَفٍ ، وقناعٍ ومِقْنَعٍ . وقرأ عبد الله ، وقتادة ، وأبُو رزينٍ ، وطلحةُ " سُمِّ " بضمِّ السِّين ، وأبو عمران الجوني ، وأبُو نهيكٍ ، والأصمعيُّ عن نافع " سِمّ " بالكسر ، وقد تقدَّم أنَّها لغات . وقرأ عَبْدُ الله ، وأبُو رزين ، وأبو مجلزٍ : " المِخْيَط " بكسر الميم وسكون الخاء ، وفتح الياء . وطلحةُ بفتح الميم ، وهذه مخالفة للسَّوادِ . قوله : " وَكَذلِكَ " أي : ومثل ذلك الجزاء نجزي المجرمين ، فالكاف نعت لمصدر محذوف .